( قال ) : ولو جاز في قول زوج الأب ابنته الصغيرة ممن لا يكافئها أو زوج ابنه الصغير امرأة ليست بكفء له استحسانا ، ولم يجز أبي حنيفة عندهما ، وهو القياس ، وكذلك لو لا يجوز زوج ابنته بأقل من صداق مثلها أو ابنه بأكثر من صداق مثلها بقدر ما لا يتغابن الناس فيه عندهما ، هكذا قال في الكتاب ، ولم يبين لماذا لا يجوز حتى ظن بعض أصحابنا أن الزيادة والنقصان لا يجوز ، فأما أصل النكاح صحيح ; لأن المانع هنا من قبل المسمى ، وفساد التسمية لا يمنع صحة النكاح كما لو ترك التسمية أصلا أو زوجها بخمر أو خنزير ، ولكن الأصح أن النكاح لا يجوز ، هكذا فسره في الجامع الصغير وجه قولهما أن ولاية الأب مقيدة بشرط النظر ، ومعنى الضرر في هذا العقد ظاهر فلا يملكها الأب بولايته كما لا يملك البيع والشراء في ماله بالغبن الفاحش . والدليل عليه أنه لو لا يجوز فإذا زوجها أولى وولايته عليها دون ولاية المرأة على نفسها ، ولو زوجت هي نفسها من غير كفء أو بدون صداق مثلها يثبت حق الاعتراض للأولياء فهذا أولى ، ولكن زوج أمتها بمثل هذا الصداق رحمه الله تعالى ترك القياس بما روي { أبو حنيفة رضي الله عنها على صداق خمسمائة درهم زوجها منه عائشة أبو بكر رضي الله عنه وزوج رضي الله عنها من فاطمة رضي الله عنه على صداق أربعمائة درهم علي } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج
ومعلوم أن ذلك لم يكن صداق مثلهما ; لأنه إن كان صداق مثلهما هذا المقدار مع أنهما مجمع الفضائل فلا صداق في الدنيا يزيد على هذا المقدار والمعنى فيه أن النكاح يشتمل على مصالح وأغراض ومقاصد جمة والأب وافر الشفقة ينظر لولده فوق ما ينظر لنفسه فالظاهر أنه إنما قصر في الكفاءة [ ص: 225 ] والصداق ليوفر سائر المقاصد عليها ، وذلك أنفع لها من الصداق والكفاءة فكان تصرفه واقعا بصفة النظر فيجوز كالوصي إذا صانع في مال اليتيم جاز ذلك لحصول النظر في تصرفه ، وإن كان هو في الظاهر يعطي مالا غير واجب ، وهذا بخلاف تصرف الأب في المال إذ لا مقصود هناك سوى المالية فإذا قصر في المالية فليس بإزاء هذا النقصان ما يجبره ، وهذا بخلاف ما إذا زوج أمتهما ; لأن سائر مقاصد النكاح لا تحصل للصغير والصغيرة هنا إنما يحصل للأمة ففي حق الصغير قد انعدم ما يكون جبرا للنقصان وبخلاف العم والأخ ; لأنه ليس لهما شفقة وافرة فيحمل تقصيرهما في الكفاءة والمهر على معنى ترك النظر والميل إلى الرشوة لا لتحصيل سائر المقاصد وبخلاف المرأة في نكاح نفسها ; لأنها سريعة الانخداع ضعيفة الرأي متابعة للشهوة عادة فيكون تقصيرها في الكفاءة والصداق لمتابعة الهوى لا لتحصيل سائر المقاصد على أن سائر المقاصد تحصل لها دون الأولياء وبسبب عدم الكفاءة والنقصان في الصداق يتعير الأولياء ، وليس بإزاء هذا النقصان في حقهم ما يكون جابرا فلهذا يثبت لهم حق الاعتراض