قال صلى الله عليه وسلم { خير الناس من ينفع الناس } إذا عرفنا هذا فنقول بدأ الكتاب ، فقال : بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } ، وهذا الحديث يرويه رجلان من الصحابة رضي الله عنهم لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا على خالتها ، ولا على بنت أخيها ، ولا على [ ص: 195 ] بنت أختها ، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها فإن الله تعالى هو رازقها ابن عباس رضي الله عنهما ، وهو مشهور بلغة العلماء بالمقبول ، والعمل به ومثله حجة يجوز به الزيادة على كتاب الله تعالى عندنا ، وفيه دليل على حرمة وجابر ; لأن هذا النهي بصيغة الخبر ، وهذا أبلغ ما يكون من النهي كما أن الأمر قد يكون بصيغة الخبر قال الله تعالى { نكاح المرأة على عمتها وخالتها والمطلقات يتربصن بأنفسهن } الآية ، وقال الله تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن } والنهي يقتضي التحريم ، ثم ذكر هذا النهي من الجانبين إما للمبالغة في بيان التحريم أو لإزالة الإشكال فربما يظن ظان أن نكاح بنت الأخ على العمة لا يجوز يجوز لتفضيل العمة كما لا يجوز نكاح الأمة على الحرة ويجوز نكاح الحرة على الأمة فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبوت هذه الحرمة من الجانبين ، وقوله { ونكاح العمة على بنت الأخ } نهي بصيغة الخبر وله تأويلان إما أن يكون المراد به الأخت دينا بأن تكون امرأتان تحت رجل ، وهو يحسن إليهما فتجيء إلى الزوج إحداهما وتقول : طلق صاحبتي ليتحول نصيبها إلي ، هذا منهي عنه ; لأنه سبب للتحاسد والتنافر ، وقال صلى الله عليه وسلم { لا تسأل المرأة طلاق أختها } أو يكون المراد به الأخت نسبا بأن تأتي المرأة إلى زوج أختها وتقول : فارقها وتزوجني فإني أوفق لك ، وهذا منهي عنه ; لأنه سبب لقطيعة الرحم بينهما ، وقطيعة الرحم من الملاعن وإليه أشار صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات ، فقال : { لا تحاسدوا ، ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا } ، ومعنى قوله { إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامهن } أي لتحول نصيبها إلى نفسها . لتكتفئ ما في صحفتها
وروي لتكفئ وكلاهما لغة يقال كفأت القدر وأكفأتها إذا أملتها وأرقت ما فيها ، وفي بعض الروايات { } ، ومعناه لتقنع بما آتاها الله فإن الله تعالى هو رازقها والصحفة عبارة عن الحظ والنصيب ، وقد اشتمل الحديث على الحتم والوعظ والندب فإن قوله { لتكف ما في صحفتها } وعظ ، وقوله لا تسأل ندب ; لأنها لو فعلت ذلك جاز ، ولكن لا ينبغي لها أن تفعله ، وقوله { فإن الله هو رازقها } حتم حتى إذا فعل ذلك لم يجز النكاح عندنا ، وقال لا تنكح المرأة على عمتها رحمه الله تعالى : يجوز في غير الأختين ; لأن المحرم بالنص الجمع بين الأختين ، وهذا ناسخ لما يتلى في قوله تعالى { عثمان البتي وأحل لكم ما وراء ذلكم } ونسخ الكتاب بخبر الواحد لا يجوز ، ولكنا نقول الحديث صحيح مقبول والعمل به واجب فلكونه مشهورا نقول يجوز نسخ [ ص: 196 ] الكتاب به عندنا أو نقول هذا مبين لما ذكر في الكتاب ، وليس بناسخ ; لأن الحل في الكتاب مقيد بشرط مبهم هو قوله تعالى { أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين } .
وهذا الشرط مبهم فالحديث ورد لبيان ما هو مبهم في الكتاب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مبينا ، قال الله تعالى { لتبين للناس ما نزل إليهم } أو نقول هذا الحديث مقرر للحرمة المذكورة في الكتاب فإن الله تعالى ذكر في المحرمات الجمع بين الأختين ; لأن بينهما رحما يفترض وصلها ويحرم قطعها ، وفي الجمع قطيعة لرحم على ما يكون بين الضرائر من التنافر فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل قرابة يفترض وصلها فهي في معنى الأختية في تحريم الجمع والتي بين العمة وبنت الأخ قرابة يفترض وصلها حتى لو كان أحدهما ذكرا والأخرى أنثى لم يجز للذكر أن يتزوج الأنثى صيانة للرحم ، وإذا ملكه عتق عليه تحرزا عن قطيعة الرحم فكان الحديث مقررا للحرمة المذكوة في القرآن لا أن يكون ناسخا قال : وبلغنا عن رضي الله عنه أنه قال : لأمنعن النساء فروجهن إلا من الأكفاء ، وفي هذا دليل على أن للسلطان يدا في الأنكحة فقد أضاف المنع إلى نفسه ، وذلك يكون بولاية السلطنة ، وفيه دليل أن عمر معتبرة وأن المرأة غير ممنوعة من أن تزوج نفسها ممن يكافئها وأن النكاح ينعقد بعبارتها الكفاءة في النكاح