[ ص: 457 ] مسألة : واحدة في العام في كل عام ، في شهر رمضان خاصة ، في العشر الأواخر خاصة ، في ليلة واحدة بعينها لا تنتقل أبدا إلا أنه لا يدري أحد من الناس أي ليلة هي من العشر المذكور ؟ إلا أنها في وتر منه ولا بد . فإن كان الشهر تسعا وعشرين فأول العشر الأواخر بلا شك : ليلة عشرين منه ; فهي إما ليلة عشرين ، وإما ليلة اثنين وعشرين ، وإما ليلة أربع وعشرين ، وإما ليلة ست وعشرين ، وإما ليلة ثمان وعشرين ; لأن هذه هي الأوتار من العشر ( الأواخر ) . ليلة القدر
إن كان الشهر ثلاثين فأول العشر الأواخر بلا شك : ليلة إحدى وعشرين ، فهي إما ليلة إحدى وعشرين ، وإما ليلة ثلاث وعشرين ، وإما ليلة خمس وعشرين ، وإما ليلة سبع وعشرين ، وإما ليلة تسع وعشرين ، لأن هذه هي أوتار العشر بلا شك . وقال بعض السلف : من يقم العام يدركها . وبرهان قولنا : أنها في رمضان خاصة دون سائر العام قول الله تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } وقال عز وجل : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } فصح أنه أنزل في ليلة القدر في شهر رمضان ; فصح ضرورة أنها في رمضان لا في غيره ; وإذ لو كانت في غيره لكان كلامه تعالى ينقض بعضه بعضا بالمحال ، وهذا ما لا يظنه مسلم .
وروي عن : أنها في ليلة سبع عشرة من رمضان ليلة يوم بدر . وبرهان صحة قولنا : أنها في العشر الأواخر منه ولا بد ما حدثناه ابن مسعود عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن المثنى عبد الأعلى نا سعيد بن أبي نضرة عن قال : { أبي سعيد الخدري } . ثم فسرها اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له قال فلما انقضين أمر بالبناء فقوض ثم أبينت له أنها في العشر الأواخر [ ص: 458 ] فأمر بالبناء فأعيد ثم خرج على الناس فقال : يا أيها الناس إنها كانت أبينت لي ليلة القدر وإني خرجت لأخبركم بها فجاء رجلان يحتقان معهما الشيطان فنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان ، والتمسوها في التاسعة ، والسابعة ، والخامسة فقال : إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها اثنتين وعشرين فهي التاسعة ، فإذا مضى ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة ، فإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة " . أبو سعيد
قال : هذا على ما قلنا من كون رمضان تسعا وعشرين . وبه إلى أبو محمد : نا مسلم زهير بن حرب نا عن سفيان بن عيينة الزهري عن عن أبيه { سالم بن عبد الله بن عمر } . قال أن رجالا رأوا أنها ليلة سبع وعشرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرى رؤياكم في العشر الأواخر فاطلبوها في الوتر منها : هذه الأخبار تصحح ما قلنا : إذ لو كانت تنتقل لما كان لإعلام النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة ، لأنها كانت لا تثبت ; ولوجب إذ خرج ليخبرهم بها أن يخبرهم بها عاما إلى يوم القيامة ، وهذا محال ; وإذا نسيها عليه السلام فمن المحال الباطل أن يعلمها أحد بعده ; وإذ لم يقطع عليه السلام برؤيا من رأى من أصحابه فرؤيا من بعدهم أبعد من القطع بها ; وقد روي عن أبو محمد : أنها ليلة سبع وعشرين ، وليس قوله بأولى من قول أبي بن كعب . فإن قيل : قد جاء أن علامتها أن الشمس تطلع حينئذ لا شعاع لها ؟ قلنا : نعم ، ولم يقل عليه السلام : إن ذلك يظهر إلينا فنعلم من ذلك ما لم يعلمه هو عليه السلام ; فيكون ذلك أول طلوعها بحيث لا يتبين ذلك فيها أحد . فإن قيل : قد قال عليه السلام : { ابن مسعود } فكان ذلك صباح ليلة إحدى وعشرين ؟ [ ص: 459 ] قلنا : نعم ، وقد وكف المسجد أيضا في صبيحة ليلة ثلاث وعشرين فسجد عليه السلام في ماء وطين - : روينا هذا من طريق إنه أري أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين عن مسلم بن الحجاج سعيد بن عمرو بن سهل بن إسحاق بن محمد بن الأشعث الكندي أنا أبو ضمرة أنس بن عياض حدثني الضحاك بن عثمان عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عن بسر بن سعيد عبد الله بن أنيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { } . أريت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني صبيحتها أسجد في ماء وطين ، قال : 8 فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه
( قال ) وكان عبد الله بن أنيس يقول : ثلاث وعشرون وقد يمكن أن تكف السماء في العشر الأواخر كلها فبقي الأمر بحبسه .
ومن طرائف الوسواس : احتجاج ابن بكير المالكي في أنها ليلة سبع وعشرين بقول الله تعالى : { سلام هي } قال : فلفظة " هي " هي السابعة وعشرون من السورة .
قال : حق من قام هذا في دماغه أن يعاني بما يعاني به سكان المارستان نعوذ بالله من البلاء ، ولو لم يكن له من هذا أكثر من دعواه أنه وقف على ما غاب من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينس من علم الغيب ما أنساه الله عز وجل نبيه عليه السلام ، ومن بلغ إلى هذا الحد فجزاؤه أن يخذله الله تعالى مثل هذا الخذلان العاجل ثم في الآخرة أشد تنكيلا . أبو محمد