790 - مسألة : صوم يوم وإفطار يوم . وأفضل الصوم بعد الصيام المفروض
ولا يحل لأحد أن يصوم أكثر من ذلك أصلا ، والزيادة عليه معصية ممن قامت عليه بها الحجة ، ولا يحل أصلا : حدثنا صوم الدهر عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا نا البخاري محمد بن مقاتل نا أنا عبد الله بن المبارك الأوزاعي نا حدثني يحيى بن أبي كثير قال : حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : قال لي رسول الله : { عبد الله بن عمرو بن العاص ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل ؟ قلت : بلى يا رسول الله قال : فلا تفعل ، صم وأفطر وقم ونم ; فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا ، وإن لزوجك عليك حقا ، وإن لزورك عليك حقا ; وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإذا ذلك صيام الدهر كله فشددت فشدد علي قلت : يا رسول الله إني أجد قوة ؟ قال فصم صيام نبي الله عبد الله بن عمرو داود [ ص: 432 ] ولا تزد عليه ، قلت : وما كان صيام نبي الله داود ؟ قال : نصف الدهر } . ومن طريق يا عن البخاري أبي اليمان الحكم بن نافع عن عن شعيب بن أبي حمزة الزهري عن عن سعيد بن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث . وفيه : { عبد الله بن عمرو قال عليه السلام إني أطيق أفضل من ذلك ، قال : فصم يوما وأفطر يوما ؟ قلت : إني أطيق أفضل من ذلك ؟ قال : لا أفضل من ذلك عبد الله بن عمرو } . أن
قال : فصح نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الزيادة على صيام يوم وإفطار يوم ونعوذ بالله من مواقعة نهيه ، وإذ أخبر عليه السلام أنه لا أفضل من ذلك فقد صح أن من صام أكثر من ذلك فقد انحط فضله فإذا انحط فضله فقد حبطت تلك الزيادة بلا شك وصار عملا لا أجر له فيه بل هو ناقص من أجره ; فصح أنه لا يحل أصلا . قال أبو محمد : ومن طرائف المصائب قول بعض من يتكلم في العلم بما هو عليه لا له : قال : قد جاء هذا الحديث وفيه أنه عليه السلام قال : { علي داود كان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى } فقال : إنما هذا الحكم لمن لا يفر إذا لاقى . قال فصم صوم : فجمع هذا الكلام الملعون وجهين من الضلال - : أحدهما : الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يخبر به بل قد أمر عليه السلام بذلك أبو محمد وقطع بأنه لا صوم أفضل من صوم عبد الله بن عمرو داود .
والثاني : أنه تأويل سخيف لا يعقل ; لأنه لا شك في أن من لا يفر في سبيل الله إذا لاقى أفضل ممن يفر ; فإذا كان حكم الأفضل أن لا يتزيد من الفضل في الصيام ويمنع من ذلك ; فهذه شريعة إبليس لا شريعة محمد صلى الله عليه وسلم .
نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج عبيد الله بن معاذ هو ابن معاذ العنبري نا أبي نا عن شعبة سمع حبيب بن أبي ثابت أبا العباس هو السائب بن فروخ المكي - سمع يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عبد الله بن عمرو } . [ ص: 433 ] ورويناه من طريق لا صام من صام الأبد نا البخاري آدم نا فذكره بإسناده المذكور ، وفيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { شعبة } . ومن طريق لا صام من صام الدهر { أبي قتادة } . وكذلك نصا من طريق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال - : وقد ذكر له من يصوم الدهر - فقال عليه السلام لا صام ولا أفطر ، أو ما صام ولا أفطر عن مطرف عبد الله بن الشخير عن أبيه ، كلاهما { وعمران بن الحصين } فقد صح أنه حبط صومه ولم يفطر . وهذه أخبار متظاهرة متواترة لا يحل الخروج عنها . ومن عجائبهم أنهم قالوا : إنما لا يجوز إذا صام الدهر ولم يفطر الأيام المنهي عنها ؟ فقلنا : كذب من قال هذا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع ونهى عن الزيادة على نصف الدهر وأبطل أجر من زاد . قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فيمن صام الدهر لا صام ولا أفطر : وشغب من خالفنا بأن ذكر حديث { أبو محمد حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال : يا رسول الله إني أسرد الصوم أفأصوم في السفر ؟ قال : إن شئت فصم وإن شئت فأفطر } .
وبخبر رويناه من طريق : أخبرني زيد بن الحباب ثابت عن قيس الغفاري حدثني أبو سعيد المقبري حدثني عن أبو هريرة أسامة بن زيد قال : { } . قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد الصوم فيقال : لا يفطر : لا حجة لهم في هذين الخبرين ، لأن السرد إنما هو المتابعة لا صوم أكثر من نصف الدهر ، يبين ذلك حديث أبو محمد الذي أوردناه . وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي رويناه من طريق عائشة نا مسلم بن الحجاج نا أبو بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة ابن أبي لبيد عن قال : { أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : كان يصوم حتى نقول : قد صام ويفطر حتى نقول : قد أفطر ، ولم أره صائما من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان ، كان يصوم شعبان كله ، كان يصوم شعبان إلا قليلا عائشة أم المؤمنين } . [ ص: 434 ] فهذه أم المؤمنين بينت السرد الذي ذكره سألت أسامة ، والذي ذكره حمزة بن عمرو في حديثه ، فبطل أن يكون لهم متعلق بشيء من الآثار . وموهوا أيضا بما رويناه من طريق عن عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن أبيه أن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عائشة كانت تصوم الدهر ; قلت : الدهر ؟ قال : كانت تسرد . ومن طريق عن حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال : كان ابن عمر يسرد الصوم . وعنه أيضا أنه سرد الصوم قبل موته بسنتين . ومن طريق عمر عن عبد الرزاق جعفر بن سليمان هو الضبعي - عن عن ثابت البناني قال : كان أنس قل ما يصوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل العدو ، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ما رأيته مفطرا إلا يوم أضحى ، أو يوم فطر . ومن طريق أبو طلحة نا ابن أبي شيبة حماد بن خالد عن الزبير بن عبد الله ابن أميمة عن جدته قالت : كان يصوم الدهر ويقوم الليل إلا هجعة من أوله . وعن عثمان الأسود ، ، وعروة وعبيد : أنهم كانوا يصومون الدهر .
قال : هذا كله لا حجة لهم فيه - : أما أبو محمد عائشة رضي الله عنها فقد فرق بين صيام الدهر وبين سرد الصوم كما ذكرنا ، ولم يثبت عليها إلا السرد وهو المتابعة لا صوم الدهر ; ولو صح عنها ذلك ولا يصح ؟ - : فقد روينا من طريق عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن وكيع عن أبيه : أن هشام بن عروة عائشة أم المؤمنين كانت تصوم أيام التشريق . وكذلك صح عنها رضي الله عنها أنها كانت تختار صوم يوم الشك من آخر شعبان ; فإن كان ما لا يصح عنها من صوم الدهر حجة فالذي صح عنها من صوم أيام التشريق ، ويوم الشك حجة ، وإن لم يكن هذا حجة فليس ذلك حجة . [ ص: 435 ] فإن قالوا : قد صح نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق . قيل لهم : وقد صح نهيه عليه السلام عن صوم أكثر من نصف الدهر ، وصح نهيه عن صوم الدهر . وأما خبر فليس فيه إلا السرد فقط وهو المتابعة لا صيام الدهر ; بل قد صح عنه تحريم صيام الدهر كما روينا من طريق عمر عن وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد قال : بلغ أبي عمرو الشيباني : أن رجلا يصوم الدهر فأتاه فعلاه بالدرة وجعل يقول : كل يا دهر كل يا دهر ; وهذا في غاية الصحة عنه ; فصح أن تحريم صوم الدهر كان من مذهبه ولو كان عنده مباحا لما ضرب فيه ولا أمر بالفطر . عمر بن الخطاب
وأما ، فإن عثمان الزبير بن عبد الله ابن أميمة وجدته مجهولان ، فسقط هذا الخبر . وأما فقد روينا من طريق أبو طلحة عن شعبة عن قتادة قال : كان أنس بن مالك يأكل البرد وهو صائم . قال أبو طلحة : وفي الخبر الذي شغبوا به : أن أبو محمد قال : ما رأيته مفطرا إلا يوم فطر ، أو يوم أضحى ، ففي هذا الخبر : أنه كان يصوم أيام التشريق فإن لم يكن فعل أنسا في أكله البرد وهو صائم حجة فصومه الدهر ليس حجة ; ولئن كان صومه الدهر حجة فإن أكله البرد في صيام حجة ; فسقط كل ما موهوا به عن الصحابة رضي الله عنهم . أبي طلحة
وأما الأسود : فروينا عن عن وكيع عن شعبة : أن الحكم بن عتيبة الأسود كان يصوم الدهر وأيام التشريق وعن عن معمر عن أبيه : أنه صام أربعين سنة أو ثلاثين سنة - قال هشام بن عروة هشام : لم أره مفطرا إلا يوم فطر أو يوم نحر ; فليقتدوا بهما في صوم أيام التشريق وإلا فالقوم متلاعبون . قال : صح عن علي ما ذكرناه من النهي عن صوم الدهر ، وأمره بالفطر فيه ، وضربه على صيامه . ومن طريق عمر عن شعبة عن قتادة أبي تميمة الهجيمي عن قال : من صام الدهر ضيق الله عليه هكذا - : وقبض كفه . [ ص: 436 ] أبي موسى الأشعري
ومن طريق عن سفيان الثوري أبي تميمة الهجيمي عن قال : من صام الدهر ضيقت عليه جهنم ، وقد روي أيضا مسندا . قال أبي موسى الأشعري : من نوادرهم قولهم : معناه ضيقت عليه جهنم حتى لا يدخلها ؟ قال علي : وهذه لكنة وكذب - : أما اللكنة : فإنه لو أراد هذا لقال : ضيقت عنه ، ولم يقل : عليه ، وأما الكذب : فإنما أورده رواته كلهم على التشديد والنهي عن صومه فكيف ورواية علي المذكورة إنما هي ضيق الله عليه فقط ؟ ومن طريق شعبة عن عبد الرحمن بن مهدي أبي إسحاق أن ابن أبي أنعم كان يصوم الدهر ؟ فقال : لو رأى هذا أصحاب عمرو بن ميمون محمد صلى الله عليه وسلم لرجموه . قال : هم يدعون الإجماع بأقل من هذا ; وقد يكون الرجم حصبا كما كان يفعل علي بمن رآه يتكلم والإمام يخطب . ومن طريق ابن عمر عن شعبة يحيى بن عمر والهمداني عن أبيه أنه سمع - وسئل عن صوم الدهر - فكرهه . ومن طريق عبد الله بن مسعود ، أبي بكرة وعائذ بن عمرو أنهما كرها صوم رجب ، وهذا يقتضي ولا بد أنهما لا يجيزان صيام الدهر . قال : لو كان مباحا عند علي ما كرهه ، لأن فعل الخير لا يكره ، ولا يكره إلا ما لا خير فيه ولا أجر . وعن ابن مسعود الشعبي أنه كره صوم الدهر . وعن أنه كره صوم شهر تام غير رمضان سعيد بن جبير