ثم نظرنا ؟ فوجدنا ما رويناه من طريق فيما احتج به من قال : لا يحرم من الرضاع أقل من خمس رضعات عن حماد بن سلمة ، يحيى بن سعيد الأنصاري ، كلاهما عن وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عمرة عن عائشة أم المؤمنين قالت : نزل القرآن أن لا يحرم إلا عشر رضعات ، ثم نزل بعد وخمس معلومات هذا لفظ يحيى بن سعيد . ولفظ عبد الرحمن : قالت " كان مما نزل من القرآن ثم سقط : لا يحرم من الرضاع إلا عشر رضعات ، ثم نزل بعد وخمس معلومات " .
ومن طريق القعنبي عن عن مالك عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت " كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات يحرمن ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن " .
وروينا أيضا - معناه من طريق أنا مسلم القعنبي ، ، قال ومحمد بن المثنى ابن المثنى أنا ، وقال عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي القعنبي : أنا ، ثم اتفق سليمان بن بلال سليمان ، وعبد الوهاب كلاهما عن عن يحيى بن سعيد الأنصاري عمرة عن عائشة أم المؤمنين قالت : لما نزل في القرآن عشر رضعات معلومات ، ثم نزل أيضا خمس معلومات .
ومن طريق أنا عبد الرزاق أنا ابن جريج ابن شهاب أخبرني عن [ ص: 198 ] عروة بن الزبير أم المؤمنين { عائشة أبا حذيفة تبنى سالما وهو مولى امرأة من الأنصار كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيدا ، وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث من ميراثه حتى أنزل الله عز وجل : { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } فردوا إلى آبائهم فمن لم يعرف له أب فمولى وأخ في الدين ، فجاءت سهلة فقالت : يا رسول الله إنا كنا نرى سالما ولدا يأوي معي ومع أبي حذيفة ويراني فضلا ، وقد أنزل الله فيه ما قد علمت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرضعيه خمس رضعات } فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة . أن
قال : وهذان خبران في غاية الصحة وجلالة الرواة وثقتهم ، ولا يسع أحدا الخروج عنهما . أبو محمد
وهذا الخبر من رواية يبين وهم رواية ابن جريج لهذا الخبر ، فذكر فيه عشر رضعات أو نسخه ، إذ قد يمكن أن يكون عليه الصلاة والسلام أفتاها بالعشر قبل أن ينزل التحريم بالخمس ، ثم أفتاها بالخمس بعد نزولها ، وقد لا يكون بين الأمرين إلا بعض ساعة . ابن إسحاق
ثم نظرنا فيما احتج به من رأى أن التحريم بقليل الرضاعة وكثيرها ؟ فوجدناهم يحتجون بقول الله عز وجل : { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } قالوا : فعم الله عز وجل ولم يخص .
ثم ذكروا آثارا صحاحا - : مثل { بنت حمزة : إنها ابنة أخي من الرضاعة } . قوله عليه الصلاة والسلام في
{ بنت أبي سلمة : إنها ابنة أخي من الرضاعة } . وقوله صلى الله عليه وسلم في
{ أم المؤمنين في عمها من الرضاعة : إنه عمك فليلج عليك ، وفي عم لعائشة حفصة أم المؤمنين : أرى فلانا - يعني عمها من الرضاعة } . [ ص: 199 ] وقوله عليه الصلاة والسلام
وبالخبر الثابت في أمر سالم مولى أبي حذيفة .
ورويناه من طريق سفيان بن عيينة عن وسفيان الثوري عن أبيه عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد أم المؤمنين . عائشة
ومن طريق ، أيوب السختياني عن وابن جريج عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد أم المؤمنين . عائشة
ومن طريق ، مالك بن أنس ، ويونس بن يزيد ، كلهم عن وجعفر بن ربيعة الزهري عن عروة عن أم المؤمنين . عائشة
ومن طريق عن شعبة حميد بن نافع عن أم المؤمنين عن زينب بنت أم سلمة أم المؤمنين ، كلهم لم يذكروا إلا " أرضعيه " فقط دون ذكر عدد . عائشة
وذكروا قوله عليه الصلاة والسلام : { } قالوا : فلم يذكر عليه الصلاة والسلام في كل ذلك عددا . إنما الرضاعة من المجاعة ولا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء
وذكروا مما لا خير فيه - : خبرا رويناه من طريق عن ابن وهب مسلمة بن علي عن رجال من أهل العلم عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن قالت { أم الفضل بنت الحارث سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عما يحرم من الرضاعة ؟ فقال : الرضعة والرضعتان } .
قال : أما هذا الخبر ، فخبر سوء موضوع ، أبو محمد ومسلمة بن علي فساقط لا يروى عنه ، قد أنكر الناس على الرواية عنه ، ثم ذكره عمن لم يسمه ، فلا معنى لأن يشتغل بالباطل . ابن وهب
وأما الأخبار الثابتة التي ذكرنا قبل والآية المذكورة ، فإن كل ذلك حق ، لكن لما جاءت رواية الثقات التي ذكرنا بأنه لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ، وأنه إنما يحرم خمس رضعات : كانت هذه الأخبار زائدة على ما في تلك الآية ، وفي تلك الأخبار ، وكانت [ ص: 200 ] رواية في حديث ابن جريج أبي حذيفة " أرضعيه خمس رضعات ، هي زائدة على رواية من ذكرنا ، ثقة لا يجوز ترك زيادته التي انفرد بها . وابن جريج
وقد فعل المخالفون لنا مثل هذا حيث يجب أن يفعل ، وحيث لا يجب أن يفعل - : كتركهم عموم القرآن في قطع السارق لرواية فاسدة في العشرة الدراهم ولرواية صالحة في ربع الدينار .
وكزيادة المالكيين التدلك في الغسل على ما في القرآن لغير نص ، وكزيادة الحنفيين الوضوء بالنبيذ ، ومن الرعاف ، والقيء لروايات في غاية الفساد .
وترك الزيادة التي يرويها العدل خطأ لا تجوز ; لأنها رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثابتة فمن خالفها فقد خالف أمره عليه الصلاة والسلام - فهذا لا يجوز .
واعترضوا بالآثار التي جاءت بخمس رضعات محرمات بما رويناه عن أنه قال : كان لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم رضاعات محرمات ، ولسائر النساء رضاعات معلومات ، ثم ترك ذلك بعد . طاوس
وأنه سئل عن قول من يقول : لا يحرم من الرضاع دون سبع رضعات ثم صار إلى خمس - وقال : قد كان ذلك فحدث بعد ذلك أمر جاء بالتحريم المرة الواحدة تحرم . طاوس
قال : هذا قول أبو محمد لم يسنده إلى صاحب فضلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومثل هذا لا تقوم به حجة ، ولا يحل القطع بالنسخ بظن تابعي . طاوس
وقالوا أيضا : قول الراوي : فمات عليه الصلاة والسلام وهو مما يقرأ من القرآن ؟ قول منكر ، وجرم في القرآن ، ولا يحل أن يجوز أحد سقوط شيء من القرآن بعد موت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ .
فقلنا : ليس كما ظننتم إنما معنى قول عبد الله بن أبي بكر في روايته لما ذكرتم ، [ ص: 201 ] ثم - إنه عليه الصلاة والسلام - مات وهو مما يقرأ مع القرآن بحروف الجر يبدل بعضها من بعض ، ومما يقرأ من القرآن الذي بطل أن يكتب في المصاحف ، وبقي حكمه ، كآية الرجم سواء سواء - فبطل اعتراضهم المذكور .
واعترضوا على الخبر الثابت الذي فيه { } بأن قالوا : هو خبر مضطرب في سنده ، فمرة عن لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الرضعة ولا الرضعتان ، ومرة عن عائشة ؟ الزبير
فقلنا : فكان ماذا ؟ هذا قوة للخبر أن يروى من طرق ، وما يعترض بهذا في الآثار إلا جاهل بما يجب في قول النقل الثابت ; لأنه اعتراض لا دليل على صحته أصلا ، إنما هو دعوى فاسدة .
والعجب كله أنهم يعيبون الأخبار الثابتة بنقلها مرة عن صاحب ، ومرة عن آخر ، ثم لا يفكر الحنفيون في أخذهم بحديث أيمن فيما تقطع فيه يد السارق ، وهو حديث ساقط مضطرب فيه أشد الاضطراب .
ولا يفكر المالكيون في أخذهم في ذلك بحديث ربع الدينار .
وفي الصدقة في الفطر بخبر ، وكلاهما أشد اضطرابا من خبر الرضعتين ، ولكنهم يتعلقون بما أمكنهم . أبي سعيد
وقالوا : أحد رواة ذلك الخبر ، وقد روي عنه : أن قليل الرضاع وكثيره لا يحرم ؟ فقلنا : فكان ماذا ؟ إنما الحجة في روايته لا رأيه ، وقد أفردنا في كتابنا المعروف ب " الإعراب " اضطراب الطائفتين في هذا المعنى ، وأخذهم برواية الراوي وتركهم لرأيه في خلافه لما رواه . عروة بن الزبير
وذكروا أيضا - اعتراضات في غاية الفساد والغثاثة ، لا يخفى سقوطها على ذي فهم ، عمدتها ما ذكرنا - وبالله تعالى التوفيق - .
فوجب الأخذ بهذه الأخبار ، ولما كان عليه الصلاة والسلام قد أخبر أنه { } علمنا أن المصة غير الرضعة ، فمن ذلك قلنا : إن لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ولا المصة ولا المصتان ، وأن المصة لا تحرم ، إلا إذا علمنا أنها قد سدت مسدا من الجوع ولا يوقن بوصولها إلى الأمعاء ، وأن اليسير من ذلك الذي لا يسد مسدا من الجوع ، ولا يوقن بوصوله إلى الأمعاء لا يحرم شيئا أصلا - وبالله تعالى التوفيق . استنفاد الراضع ما في الثديين متصلا رضعة واحدة