1994 - مسألة : وسواء فيما ذكرنا - لا حد في ذلك - إلا أنه لا تصدق المرأة في ذلك إذا أنكر الزوج قولها ، إلا بأربع عدول من النساء عالمات ، يشهدن أنها حاضت حيضا أسود ثم طهرت منه - هكذا ثلاثة أقراء - أو بشهادة امرأتين كذلك مع يمينها ; لأن الله عز وجل لم يحد في ذلك حدا ، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم { تقارب الأقراء أو تباعدها وما كان ربك نسيا } .
ومن الباطل المتيقن أن يكون تعالى أراد أن يكون للأقراء مقدار لا يكون أقل منه ثم يسكت عن ذلك ؟ ليكلفنا علم الغيب الذي حجبه عنا ، أو يكلنا إلى الظنون الكاذبة ، والأقوال الفاسدة التي لا يشك في بطلانها .
وأما أن لا تصدق في ذلك إذا أنكر الزوج - فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بالبينة على من ادعى ، وهي مدعية بطلان حق ثابت لزوجها في رجعتها - أحبت أم كرهت - فلا تصدق إلا ببينة عدل .
- : [ ص: 57 ] روينا من طريق عن وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد الشعبي ، قال : جاءت امرأة إلى قد طلقها زوجها فادعت أنها حاضت ثلاثة حيض في الشهر ؟ فقال علي بن أبي طالب علي : قل فيها ؟ فقال لشريح : إن جاءت ببينة - ممن يرضى دينه ، وأمانته - من بطانة أهلها أنها حاضت في شهر ثلاثا : طهرت عند كل قرء وصلت ، فهي صادقة ؟ وإلا فهي كاذبة ، فقال شريح : قالون - يعني : أصبت بالرومية . علي
- ومن طريق عن حماد بن سلمة قال : إن امرأة طلقت فحاضت في نحو من أربعين ليلة ثلاث حيض ، فاختصموا إلى قتادة فرفعهم إلى شريح ؟ فقال علي بن أبي طالب : إن شهد أربعة من نسائها أن حيضها كان هكذا أبانت منه ، وإلا فلتعتد ثلاث حيض في ثلاثة أشهر . علي
ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا أبو عوانة عن المغيرة عن في امرأة حاضت في شهر أو أربعين ليلة ثلاث حيض ؟ قال : إذا شهدت لها العدول من النساء أنها قد رأت ما يحرم عليها الصلاة من طموث النساء الذي هو الطموث المعروف ، فقد خلا أجلها قال إبراهيم النخعي : هذا كله قولنا - وقد رويت رواية نذكرها - إن شاء الله تعالى - : روينا من طريق أبو محمد عن وكيع ، سفيان الثوري - قال وسفيان بن عيينة : عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى ، وعن مسروق - وقال أبي بن كعب - عن ابن عيينة عمرو بن دينار عن ، قالا جميعا : من الأمانة أن المرأة اؤتمنت على فرجها . عبيد بن عمير
[ ص: 58 ] ومن طريق عن وكيع عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني : أنه ذكر عنده النساء ؟ فقال : لم نؤمر بفتحهن ؟ قال سليمان بن يسار : صدق أبو محمد رضي الله عنه أبي : في أن المرأة اؤتمنت على فرجها ، وكذلك الرجل أيضا : كل أحد موكل في دينه الذي يغيب عن الناس به إلى أمانته - وليس في هذا ما يوجب تصديقها على إبطال حق زوجها في الرجعة ; لقول الله تعالى : { وعبيد بن عمير ولا تكسب كل نفس إلا عليها } وكذلك قول " لم نؤمر بفتح النساء " قول صحيح ما نازعه في ذلك أحد ، وتكليفها البينة على أنها حاضت كتكليف البينة على عيوب النساء الباطنة ولا فرق ؟ . سليمان بن يسار
قال : ثم اختلف هؤلاء ، فروي عن أبو محمد : لا تصدق في انقضاء العدة في أقل من ستين يوما ولا تصدق النفساء في أقل من خمسة وثمانين يوما . أبي حنيفة
وقال ، أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن وسفيان في أحد قوليه - - في موجب أقواله - لا تصدق في انقضاء العدة في أقل من تسعة وثلاثين يوما . ومالك
قال : هذا أقيس على أصولهم ; لأنه يجعلها مطلقة في آخر طهرها ، ثم ثلاث حيض ، كل حيضة من ثلاثة أيام - وهو أقل الحيض عندهم - وطهران ، كل طهر خمسة عشر يوما - وهو أقل الطهر عندهم . أبو محمد
واختلفوا في - فقال النفساء : لا أصدقها في أقل من خمسة وستين يوما . أبو يوسف
وقال : لا أصدقها في أقل من أربعة وخمسين يوما وساعة . محمد بن الحسن
وقال : لا أصدق المعتدة بالأقراء في أقل من خمسة وأربعين يوما . الحسن بن حي
وقال الأوزاعي : لا أصدقها في أقل من أربعين يوما .
وقال : إن لم تأت ببينة لم تصدق في أقل من ثلاثة أشهر . أبو عبيد
وعلى أحد أقوال : لا تصدق في أقل من اثنين وثلاثين يوما ، وبعض يوم ; لأن الشافعي عنده في هذا القول يوم ، أقل الحيض خمسة عشر يوما . ، وأقل الطهر
[ ص: 59 ] قال : قال الله عز وجل : { أبو محمد ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } .
فصح - أن هذه الاختلافات ليست من عند الله عز وجل لا شك في ذلك ، وإذ ليست من عند الله فليست بشيء ، وإنما أتوا في ذلك لتحديدهم أقل الحيض ، وأقل الطهر ، ومن الباطل تحديد شيء لم يحده الله عز وجل فهو شرع لم يأذن به الله تعالى .
فإن قالوا : قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : { } . تحيض في علم الله ستا أو سبعا
قلنا : لا يصح ، ولو صح لكان عليكم لا لكم ; لأنكم لا تقولون بهذا التحديد ، في أقل الحيض ولا في أكثر .
فإن قالوا : صح أنه عليه الصلاة والسلام قال : { } ؟ قلنا : لا شك في أنه عليه الصلاة والسلام إنما أمر بذلك من كانت تحيض أياما وليالي - وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام قال : { انظري عدد الأيام والليالي التي كنت ، تحيضين } فلم يجعل عليه الصلاة والسلام لذلك حدا لا يكون أقل منه . إذا أتاك قرؤك فلا تصلي ، فإذا مر القرء فتطهري ، ثم صلي من القرء إلى القرء
فصح أن ذلك الخبر لمن لها أيام وليالي معروفة .
فهذا الآخر لمن لم يبلغ الليالي ولا الأيام : كل خبر على ظاهره دون تكليف تأويل فاسد ، أو ترك أحدهما للآخر - وبالله تعالى التوفيق .
فإن قيل : إن الله تعالى جعل ثلاثة أشهر بإزاء ثلاثة أقراء ؟ [ ص: 60 ] قلنا : نعم ، وليس ذلك بموجب أنه لا يكون قرء في أقل من شهر ، ولا في أكثر منه ، وأنتم أول مبطل لهذه الحجة ، لأنكم تجيزون كون قرءين في شهر واحد ، وتجيزون أن يكون قرء واحد أكثر من ثلاثة أشهر - فبطل كل ما شغبوا به .
فإن قالوا : لا تظهر البراءة من الرحم في نصف شهر فأقل ؟ قلنا : ولا في ثلاثة أشهر ، وكلكم يجعل العدة تتم بالأقراء في أقل من ثلاثة أشهر - .
وأما فإنه قال : الحيض متى ظهر - : تركت الصلاة والصوم ، وحرم وطؤها على زوجها - فمتى رأت الطهر منه صلت ، وصامت وحلت لزوجها ، إلا أن ذلك لا يكون طهرا تعتد به في العدة . مالك
قال : وهذا في غاية الفساد ، إذ من المحال أن يكون حيضا وطهرا يحيل حكم الصلاة ، والصيام ; وإباحة الوطء وتحريمه ، ولا يكون حيضا وطهرا يعد قرءا في العدة - هذا قول لا خفاء بفساده ; لأنه خلاف للقرآن والسنن ، ولقول كل من سلف . أبو محمد
وما نعلم ، لأبي حنيفة ، أنهما تعلقا في هذه المسألة بقول أحد من السلف ، فوجب الرجوع إلى كلام الله عز وجل وبيان رسوله صلى الله عليه وسلم . ومالك
فوجدناه تعالى قال : { ثلاثة قروء } ولم يحد في ذلك بعدد أيام لا تتجاوز : { وما كان ربك نسيا } .
وأمر عليه الصلاة والسلام - إذا أقبلت الحيضة - أن تدع الصلاة ، فإذا أدبرت صلت ، وصامت ، وحلت لبعلها .
وقال عليه الصلاة والسلام : { } ولم يحد عليه الصلاة والسلام حدا ، فلا يجوز لأحد التحديد في ذلك إلا أنه إن أنكر زوجها ذلك لم تصدق إلا ببينة عدل كما ذكرنا . دم الحيض أسود يعرف فإذا أقبل فدعي الصلاة
وكذلك إن - فالزوج غير مصدق إلا ببينة ، وهي مصدقة مع يمينها ; لأنها مدعى عليها ، وبالله تعالى التوفيق . ادعى الزوج أن عدتها قد تمت وقالت : هي لم تتم
[ ص: 61 ] قال : وقد شغب بعضهم في تصديقها في انقضاء عدتها بقول الله تعالى : { أبو محمد ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر } قال : وليس في هذه الآية دليل على وجوب تصديقها ، ولا ندري من أين وقع لهم أن هذه الآية توجب تصديقها ؟ وقد روينا من طريق أبو محمد عن عبد الرزاق عن ابن جريج في تفسير هذه الآية قال : لا يحل لها أن تقول : أنا حبلى - وليست حبلى - ولا لست حبلى - وهي حبلى - ولا أنا حائض - وليست حائضا - ولا لست حائضا - وهي حائض - وعن مجاهد قال : الولد لا تكتمه ، ولا أدري لعل الحيضة معه . عطاء
قال : المدعية أنها قد أتمت عدتها لم تكتم شيئا خلقه الله تعالى في رحمها ، إنما ادعت أنه تعالى قد خلق حيضها ، وهي إما كاذبة وإما صادقة فلا مدخل لها فيما في الآية من تحريم كتمان ما خلق الله في رحمها - وليس في أن ذلك لا يحل لها ما يسقط حق الزوج الذي أوجبه الله تعالى في الرجعة . أبو محمد
[ ص: 62 ] قال : ولو أبو محمد عرض عليها من القوابل من لا يشك في عدالتهن أربع ، ولا بد . ادعت أنها حامل ، وأنكر الزوج ذلك
فإن شهدن بحملها قضى بما يوجبه الحمل ، وإن شهدن بأن لا حمل بها بطلت دعواها - فلو شهدن - بحملها ثم صح أنهن كذبن أو أوهمن قضى عليها برد ما أخذت من الزوج من نفقة وكسوة - ، وبالله تعالى التوفيق .