واختلف الناس في هذا - : فقالت كما قلنا .
وقالت طائفة : الأقراء الحيض - مع اتفاق الجميع على الطاعة - لقوله عز وجل : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } .
قال : القروء جمع " قرء " والقرء في لغة أبو محمد العرب التي بها نزل القرآن : يقع على الطهر ويقع على الحيض ، ويقع على الطهر والحيض - : [ ص: 30 ] أنا بذلك أبو سعيد الجعفري أنا محمد بن علي المقري أنا أنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس النحوي أنا أبو جعفر الطحاوي محمد بن محمد بن حسان أنا أنا عبد الملك بن هشام أبو زيد الأنصاري قال : سمعت يقول فذكره كما أوردنا - وقال أبا عمرو بن العلاء الأعشى :
أفي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها غريم عزائكا مورثة مالا وفي الأصل رفعة
لما ضاع فيها من قروء نسائكا
يا رب ذي ضغن على قارض له قروء كقروء الحائض
وممن روي عنه مثل قولنا جماعة - : كما روينا من طريق عن عبد الرزاق عن معمر الزهري عن عن سعيد بن المسيب قال : زيد بن ثابت فقد بانت من زوجها . وبه إلى إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين مثل قول نصا ، قال زيد الزهري : وهو قول أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام - وبه يأخذ الزهري .
ومن طريق عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع مثل قول ابن عمر المذكور نصا - وهو قول زيد أبان بن عثمان ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر .
وبه يقول ، مالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأصحابهم . وأبو سليمان
وقال بعض هؤلاء : إذا رأت أول الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها ولا يجوز لها أن تتزوج حتى ترى الطهر من تلك الحيضة .
كما روينا من طريق أنا سعيد بن منصور عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ثور بن زيد عن عكرمة عن قال : إذا حاضت الثالثة فقد برئت منه ، إلا أنها لا تتزوج حتى تطهر . [ ص: 31 ] ومن طريق ابن عباس عن حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد ذهبت منه - قال سالم بن عبد الله بن عمر يحيى فقلت له : أتتزوج في الحيضة الثالثة ؟ قال : لا ، روي هذا القول عن . إسحاق بن راهويه
وتوقفت في ذلك طائفة - : كما روينا عن الحجاج بن المنهال أنا عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن نافع قال سليمان بن يسار ، فأتي طلق رجل امرأته طلقة أو طلقتين فلما دخلت في الحيضة الثالثة مات فطلبت ميراثه في ذلك ، فأرسل في ذلك إلى رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم : معاوية بن أبي سفيان فضالة بن عبيد ، فلم يجد عندهم بذلك علما .
واضطرب في ذلك - : فمرة قال : الأقراء الأطهار ومرة قال : الأقراء الحيض ، ومرة توقف في ذلك . أحمد بن حنبل
واختلف القائل بأنها الحيض - : فقالت طائفة : له رجعة ما كانت في الحيضة الثالثة ، فإذا رأت الطهر منها فلا رجعة عليها .
كما روينا من طريق عن عبد الرزاق أخبرني ابن جريج عمرو بن مسلم عن قال : يراجعها ما كانت في الدم - وهو قول طاوس - . سعيد بن جبير
روينا من طريق أنا سعيد بن منصور عن سفيان بن عيينة عمرو بن دينار عن قال : هو أحق بها ما كانت في الدم . سعيد بن جبير
وهو قول ، ابن شبرمة والأوزاعي ، وروينا عن بعض الصحابة ما يدل على ذلك .
كما روينا من طريق عن مالك عن نافع قال : ابن عمر حيضتان ، عدة الأمة ثلاث حيض . ومن طريق وعدة الحرة الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن مثل ذلك سواء سواء . زيد بن ثابت
[ ص: 32 ] وقالت طائفة : كما روينا من طريق عن عبد الرزاق عن معمر زيد بن رفيع عن معبد الجهني قال : إذا غسلت فرجها من الحيضة الثالثة فقد بانت منه .
وقالت طائفة : إن له أن يرتجعها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة - : كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال أنا أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن أنه كان عند ابن مسعود فأتته امرأة مع رجل فقالت : طلقني ثم تركني حتى إذا كنت في آخر ثلاث حيض وانقطع عني الدم وضعت غسلي ونزعت ثيابي فقرع الباب وقال : قد راجعتك ؟ فقال عمر بن الخطاب عمر : ما تقول فيها ؟ فقال : أراه أحق بها ما دون أن تحل لها الصلاة ، فقال له لابن مسعود : نعم ما رأيت ، وأنا أرى ذلك . عمر
ومن طريق عن عبد الرزاق عن معمر الزهري عن : أن سعيد بن المسيب قال : لزوجها الرجعة عليها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحل لها الصلاة . علي بن أبي طالب
ومن طريق عن حماد بن سلمة حميد عن الحسن : أن رجلا ؟ فاختصما إلى طلق امرأته طلقة ، فلما أرادت أن تغتسل من الحيضة الثالثة راجعها ، فاستحلفهما بالله الذي لا إله إلا هو لقد حلت لها الصلاة ؟ فأبت أن تحلف ، فردها إليه - وصح مثله أيضا عن أبي موسى الأشعري . ابن مسعود
ومن طريق عن عبد الرزاق عن معمر زيد بن رفيع عن قال : أرسل أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود إلى عثمان في ذلك ؟ فقال أبي بن كعب : أرى أنه أحق بها حتى تغتسل من حيضتها الثالثة ، وتحل لها الصلاة ؟ قال : فما أعلم أبي بن كعب إلا أخذ بذلك . عثمان
ومن طريق عن وكيع عن محمد بن راشد مكحول عن ، معاذ بن جبل مثله . ومن طريق وأبي الدرداء عن وكيع عيسى الحناط عن الشعبي عن ثلاثة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخير ، فالخير - : منهم : ، أبو بكر ، وعمر : أنه أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة . وابن عباس
ومن طريق عن عبد الرزاق عمر بن راشد عن : أن يحيى بن أبي كثير [ ص: 33 ] قال : لا تبين حتى تغتسل من الحيضة الثالثة ، وتحل لها الصلوات وصح هذا عن عبادة بن الصامت عطاء بن أبي رباح وعبد الكريم الجزري ، ، وسعيد بن المسيب ، وسوى في ذلك بين المسلمة والذمية . والحسن بن حي
وقال : إن فرطت في الغسل عشرين سنة فله الرجعة عليها . شريك بن عبد الله القاضي
قال : هذا ظاهر ما روينا عن الصحابة آنفا - نعني القائلين : هو أحق بها ما لم تغتسل وتحل لها الصلوات . أبو محمد
وقالت طائفة كما روينا عن عن عبد الرزاق عن ابن جريج إسماعيل بن مسلم عن الحسن البصري قال : إلا أن ترى الطهر ثم تؤخر اغتسالها حتى تفوتها تلك الصلاة ، فإن فعلت فقد بانت حينئذ . وبه - يقول سفيان الثوري
، وقال وأبو حنيفة وأصحابه : إن كانت حيضتها عشرة أيام فبتمامها تنقضي عدتها ، ولا تحل للأزواج - اغتسلت أو لم تغتسل ، رأت الطهر أو لم تره . أبو حنيفة
قالوا : وأما الذمية فبانقطاع الدم من الحيضة الثالثة تنقضي عدتها وتحل للأزواج - كانت عدتها عشرا أو أقل من عشر ، اغتسلت أو لم تغتسل .
قالوا : وأما المسلمة التي حيضها أقل من عشرة أيام فله الرجعة عليها ما لم تغتسل كلها ولو لم يبق لها من الغسل إلا عضو واحد كامل .
[ ص: 34 ] قالوا : وكان القياس أنه إن بقي لها عضو كامل لم تغسل أن لا يكون له عليها رجعة ؟ قالوا : ولكن ندع القياس ، ونستحسن أن يكون له عليها الرجعة ، فإن لم يبق لها أن تغسل إلا بعض عضو فلا رجعة له عليها ، وقد حل لها الزواج .
قول آخر - وهو أنه إن بقي عليها من العضو أكثر من قدر الدرهم البغلي [ فله الرجعة عليها ، فإن بقي عليها منه قدر الدرهم البغلي ] فلا رجعة له عليها ، ولا يحل لها الزواج حتى تغسل تلك اللمعة . ولأبي حنيفة
قال : فلو ، فله عليها الرجعة ما لم تصل . رأت الطهر من الحيضة الثالثة وهي مسافرة لا ماء معها فتيممت
قال : فلو وجدت ماء قد شرب منه حمار - ولم تجد غيره - فاغتسلت به ، أو تيممت فلا رجعة له عليها ، ولا يحل مع ذلك لها الزواج .
قال : أما قول أبو محمد - ففي غاية الفساد ، وهو قول لا يعرف عن أحد قبله - وكذلك تحديد من حد انقطاع العدة بأن يمضي لها وقت صلاة فلا تغتسل ; لأنه قول لا دليل على صحته أصلا ، لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا رواية صحيحة [ ولا سقيمة ] ولا قول صاحب . أبي حنيفة
وكذلك قول من قال حتى تغسل فرجها من الحيضة الثالثة فسقطت هذه الأقوال كلها .
ولم يبق إلا قول من قال : هو أحق بها ما لم تغتسل وتحل لها الصلاة ، وقول من قال : إن بطهرها من الحيضة الثالثة تتم عدتها - وهو قولنا .
فوجدنا حجة من قال : هو أحق بها ما لم تحل لها الصلوات - يحتجون بأنه صح عن ، عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وروي عن وابن مسعود ، أبي بكر الصديق ، وأبي موسى الأشعري ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وأبي الدرداء ، وابن عباس ، وغيرهم ، وإن لم يصح عنهم - قالوا : ومثل هذا لا يقال بالرأي . وعبادة بن الصامت
قال : وما نعلم لهم شغبا غير هذا ، وهو باطل ; لأنه لا يحل أن يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن الذي أخبر عليه الصلاة والسلام أنه أكذب الحديث ، ما لم يأت [ ص: 35 ] عنه عليه الصلاة والسلام لا سيما والثابت عن أبو محمد ، عمر ما ذكرنا قبل من أنه رأي رأياه لا عن أثر عندهما قالاه . وابن مسعود
ومع ذلك فلا يفرح الحنفيون بهذا الشغب ، فهم أول مخالف للصحابة في هذا المكان ; لأن الثابت عمن ذكرنا من الصحابة - رضي الله عنهم - أن له الرجعة ما لم تحل لها الصلاة ، وهم يقطعون عنه الرجعة قبل أن تحل لها الصلاة إذا بقي لها شيء من أعضاء جسدها ولو قدر الدرهم .
قال وقد خالف من ذكرنا هذا من رأى من الصحابة أن بدخولها في الحيضة الثالثة تتم عدتها - فبطل هذا القول أيضا بلا شك إذ لا دليل على صحته من قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، فلم يبق إلا قول من قال [ إن ] بانقطاع الدم من الحيضة الثالثة تتم عدتها - وهو قول من قال : الأقراء الحيض ، فوجدنا من حجتهم أنه لو كان القرء الطهر لكانت العدة قرأين وشيئا من قرء والله تعالى أوجب ثلاث قروء ، فصح أنها الحيض التي تستوفى ثلاث منها كاملة . أبو محمد
قال : ليس كذلك بل بعض القرء قرء بلا شك ، وبعض الحيض حيض . أبو محمد
قال وذكروا ما روينا من طريق أبو محمد أبي داود أنا أنا محمد بن مسعود عن أبو عاصم عن ابن جريج مظاهر بن أسلم عن عن القاسم بن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { عائشة أم المؤمنين } . طلاق الأمة طلقتان ، وعدتها حيضتان
ونا حمام أنا يحيى بن مالك بن عائذ أنا أبو الحسن بن أبي غسان أنا أبو يحيى زكريا ابن يحيى الساجي أنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي أنا أنا عمر بن شبيب المسلي عبد الله بن عيسى عن عن عطية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن عمر } . طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان
قال : هذان خبران ساقطان لا يجوز الاحتجاج بهما ; لأن أبو محمد مظاهر بن أسلم [ ص: 36 ] ضعيف - وكذلك ، عمر بن شبيب ضعيفان لا يحتج بهما ، ولو صح أحدهما أو كلاهما لما خالفناه . وعطية
قال : فإن ذكر ذاكر الخبر الثابت { أبو محمد } والخبر الثابت عنه عليه السلام أنه أمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضتها ؟ قلنا : لم ننكر أن الحيض يسمى قرءا ، كما أنكم لا تنكرون أن الطهر يسمى قرءا ، وإنما اختلفنا في أي ذلك المراد من قوله تعالى : { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال للمستحاضة : إذا أتاك قرؤك فلا تصلي وإذا مر القرء تطهري ثم صلي من القرء إلى القرء ثلاثة قروء } .
وقالوا : إنما أمر الله تعالى بطلاق النساء لاستقبال العدة .
قالوا : فلو كان القرء هو الطهر لكان مطلقا في العدة ؟ فقلنا : هذا خطأ من حكمكم وبنائكم على مقدمة صحيحة ونعم ، إن الطلاق إنما أمر الله تعالى بالطلاق في استقبال العدة ، فلو كانت العدة التي هي الأقراء الحيض ، لكان بين الطلاق وبين أول العدة مدة ليست فيها معتدة ، وهذا باطل .
قال : فسقط كل ما احتجوا به - وبقي قولنا - فوجدنا حجة من قال به - : ما روينا من طريق أبو محمد أنا البخاري إسماعيل بن عبد الله أنا عن مالك { نافع : أنه طلق امرأته ، وهي حائض ، فسأل ابن عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد ، وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء عمر } . عن
فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطهر ، وأخبر أنه العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء - فصح أن القرء هو الطهر .
[ ص: 37 ] وأيضا - فإن العدة واجبة فرضا إثر الطلاق بلا مهلة - فصح أنها الطهر المتصل بالطلاق ، لا الحيض الذي لا يتصل بالطلاق .
ولو كان القرء هو الحيض لوجب عندهم على أصلهم فيمن طلق حائضا أن تعتد بتلك الحيضة قرءا - وقد قال بذلك الحسن .
كما روينا من طريق عن عبد الرزاق عثمان بن مطر عن سعيد بن أبي عروبة عن عن مطر الوراق الحسن فيمن أنها تعتد بها من أقرائها . طلق امرأته ثلاثا وهي حائض
وقال : وحدثني ابن أبي عروبة ، قتادة وأبو معشر ، قال عن قتادة ، وقال سعيد بن المسيب أبو معشر عن ، قالا جميعا : لا تعتد بها . إبراهيم
قال : وأي القولين كان مراد الله تعالى ، فالأقراء الأطهار أم الحيض ؟ فإن قولنا يقتضيهما جميعا ; لأن الطلاق يقع في الطهر فهو قرء ، ثم الطهر الثاني ، ثم الثالث ، وبين الطهر الأول والثاني حيض ، ثم بين الثاني والثالث حيض ، ثم دفعة حيض آخر الثلاث . أبو محمد
وقد قلنا : إن بعض الحيض حيض ، وبعض الطهر طهر ، وبعض القرء قرء ، فهي ثلاثة أقراء بكل حال - وبقول الحسن نقول إن طلقها ثلاثا - وهي حائض - فإنها تعتد بتلك الحيضة ، ثم بالطهر الذي يليها ، ثم بالحيضة الثانية ثم بالطهر الثاني ، ثم بالحيضة الثالثة فإذا رأت الطهر منها - فهو طهر ثالث - حلت به للأزواج ، وهكذا [ ص: 38 ] القول في عدة الأمة التي تعتق فتختار فراق زوجها - إن كانت حين ذلك حائضا - ولا فرق .
وكذلك نقول في المطلقة ثلاثا في طهر مسها فيه ، وفي المعتقة تختار فراق زوجها أنهما يعتدان بذلك الطهر قرءا .
وقد صح عن الزهري أنها لا تعتد به ، لكن بثلاثة أقراء مستأنفة .