1982 - مسألة : وقد قلنا : إن فهي زوجة للذي طلقها ما [ ص: 16 ] لم تنقض عدتها ، يتوارثان ، ويلحقها طلاقه ، وإيلاؤه ، وظهاره ، ولعانه إن قذفها ، وعليه نفقتها ، وكسوتها ، وإسكانها . المطلقة طلاقا رجعيا
فإذ هي زوجته فحلال له أن ينظر منها إلى ما كان ينظر إليه منها قبل أن يطلقها ، وأن يطأها ، إذ لم يأت نص بمنعه من شيء من ذلك - وقد سماه الله تعالى " بعلا " لها ، إذ يقول عز وجل : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } .
[ ص: 17 ] قال : فإن وطئها لم يكن بذلك مراجعا لها حتى يلفظ بالرجعة ويشهد ، ويعلمها بذلك قبل تمام عدتها ، فإن راجع ولم يشهد فليس مراجعا لقول الله تعالى : { أبو محمد فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم } فرق عز وجل بين المراجعة ، والطلاق والإشهاد ، فلا يجوز إفراد بعض ذلك عن بعض ، وكان من طلق ولم يشهد ذوي عدل ، أو راجع ولم يشهد ذوي عدل ، متعديا لحدود الله تعالى .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد
فإن قيل : قد قال الله عز وجل : { وأشهدوا إذا تبايعتم } .
وقال تعالى في الدين المؤجل : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } .
فلم أجزتم البيع المؤجل وغيره إذا لم يشهد عليه ؟ وقال تعالى : { فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم } .
فلم أجزتم الدفع إلى اليتيم ماله إذا بلغ مميزا دون إشهاد ؟ قلنا : لم نجز دعواه للدفع لا حتى يأتي بالبينة ، وقضينا باليمين على اليتيم إن لم يأت المولى بالبينة على أنه قد دفع إليه ماله ، ولكن جعلناه عاصيا لله تعالى إن حلف حانثا فقط .
[ ص: 18 ] كما جعلنا المرأة التي لم يقم للزوج بينة بطلاقها ، ولا برجعتها : عاصية لله عز وجل إن حلفت حانثة ، عالمة بأنه قد طلقها أو راجعها .
وأما إجازتنا البيع المؤجل وغيره - ، وإن لم يشهدا عليه - فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنهما بالخيار ما لم يتفرقا فإذا تفرقا أو خير أحدهما الآخر فاختار البيع فقد تم البيع " أو كما قال - عليه الصلاة والسلام - مما قد ذكرناه في " كتاب البيوع " من ديواننا هذا وغيره بنصه ، وإسناده ، والحمد لله رب العالمين .
وهو في كل ذلك عاص لله عز وجل إن لم يشهد في البيع المؤجل ، وغيره ، وفي دفع المال لليتيم إذا بلغ مميزا ، وفي طلاقه ، وفي رجعته ، إذا لم يفعل كما أمره الله عز وجل .
وقد اختلف الناس في ، أيكون رجعة أم لا ؟ نعم ، وفيما دون الوطء - : فروينا عن الوطء في العدة الحكم بن عتيبة أن الوطء رجعة - وصح هذا أيضا - عن وسعيد بن المسيب ، إبراهيم النخعي ، وطاوس والحسن ، والزهري ، . ورويناه عن وعطاء الشعبي - وروي عن - ، وهو قول ابن سيرين الأوزاعي ، . وابن أبي ليلى
وقال ، مالك : إن نوى بالجماع الرجعة فهي رجعة ، وإن لم ينو به الرجعة فليس رجعة ، قالا جميعا : وأما ما دون النكاح فليس رجعة ، وإن نوى به الرجعة ؟ [ ص: 19 ] وإسحاق بن راهويه
قال : هذا تقسيم لا حجة على صحته أصلا وقال أبو محمد ، الحسن بن حي ، وسفيان الثوري : الجماع رجعة - نوى به الرجعة أو لم ينو - وكذلك اللمس . وأبو حنيفة
قال سفيان ، : إذا كان لشهوة ، وإلا فلا . وأبو حنيفة
قال : والنظر إلى الفرج بشهوة رجعة . أبو حنيفة
قال : فلو قبلته لشهوة ، أو لمسته لشهوة - وأقر هو بذلك - فهي رجعة ؟ فلو جن فقبلها لشهوة فهي رجعة ، فلو جامعته مكرهة فهي رجعة ، ولا يكون ما دون الجماع بإكراه رجعة .
قال : هذه الأقوال في غاية الفساد ; لأنها شرع في الدين بغير قرآن ، ولا سنة صحيحة ، ولا سقيمة ، ولا قياس له وجه ، ولا رأي له في السداد حظ ، ولا سبقه إليها أحد نعلمه . أبو محمد
وقال ، جابر بن زيد ، وأبو قلابة والليث بن سعد : الوطء فما دونه لا يكون رجعة - نوى به الرجعة أو لم ينو - ولا رجعة إلا بالكلام . والشافعي
قال : لم يأت بأن الجماع رجعة : قرآن ولا سنة ، ولا خلاف في أن أبو محمد رجعة ، فلا يكون رجعة إلا بما صح أنه رجعة وقال تعالى : { الرجعة بالكلام فأمسكوهن بمعروف } والمعروف ما عرف به ما في نفس الممسك الراد ، ولا يعرف ذلك إلا بالكلام ، وبالله تعالى التوفيق .
وقد قال قوم : إن معنى قول الله تعالى : { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف } إنما معناه : مقاربة بلوغ الأجل .
[ ص: 20 ] قال : وهذا خطأ وباطل بلا شك ; لأنه إخبار عن الله تعالى بأنه أراد ما لم يخبرنا - عز وجل - وبأنه أراده ولا أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم . أبو محمد
وقد قال تعالى : { وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } .
وأيضا - فلو كان ما قالوا لكان لا إمساك إلا قرب بلوغ أقصى العدة وهذا ما لا يقولونه ، لا هم ولا غيرهم .
قال : معناه - بلا شك - : { أبو محمد فإذا بلغن أجلهن } أجل عدتهن .
برهان ذلك - : أن من أول العدة إلى آخرها وقتا لرده إياها ولإمساكه لها ، ولا قول أصح من قول صححه الإجماع المتيقن من المخالف والموالف ، قال : وأما قولنا : إنه إن راجع ولم يشهد ، أو أشهد ولم يعلمها حتى تنقضي عدتها - غائبا كان أو حاضرا - وقد طلقها وأعلمها وأشهد ، فقد بانت منه ، ولا رجعة له عليها إلا برضاها بابتداء نكاح بولي ، وإشهاد وصداق مبتدأ - سواء تزوجت أو لم تتزوج دخل بها الزوج الثاني أو لم يدخل - فإن أتاها الخبر - وهي بعد في العدة - فهي رجعة صحيحة . أبو محمد
برهان ذلك - : قول الله تعالى : { يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم } ، وقال تعالى : { ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن } وهذا عين المضارة ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } ، فمضارته مردودة باطل . من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد
وأيضا - فإن الله تعالى سمى الرجعة إمساكا بمعروف ، قال تعالى { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } [ ص: 21 ] فالرجعة - هي الإمساك ، ولا تكون - بنص كلام الله تعالى إلا بمعروف والمعروف - هو إعلامها ، وإعلام أهلها ، إن كانت صغيرة أو مجنونة - فإن لم يعلمها لم يمسك بمعروف ، ولكن بمنكر ، إذ منعها حقوق الزوجية : من النفقة ، والكسوة ، والإسكان ، والقسمة فهو إمساك فاسد باطل ما لم يشهد بإعلامها فحينئذ يكون بمعروف .
وكذلك قال الله عز وجل : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } .
قال : إنما يكون " البعل " أحق بردها إن أراد إصلاحا - بنص القرآن ومن كتمها الرد ، أو رد بحيث لا يبلغها ، فلم يرد إصلاحا بلا شك ، بل أراد الفساد ، فليس ردا ولا رجعة أصلا . أبو محمد
وقد اختلف الناس في هذا على خمسة أقوال : - : .
فالقول الأول - كما روينا من طريق عن شعبة : أن الحكم بن عتيبة قال في عمر بن الخطاب : فقد بانت منه . ومن طريق امرأة طلقها زوجها ، فأعلمها ، ثم راجعها ولم يعلمها حتى تنقضي عدتها سعد بن منصور أنا عن المعتمر بن سليمان عن منصور بن المعتمر إبراهيم النخعي قال : قال إذا طلق امرأته فأعلمها طلاقها ، ثم راجعها فكتمها الرجعة حتى انقضت العدة : فلا سبيل له عليها . ومن طريق عمر بن الخطاب عن عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عمرو بن دينار أخبرني ، قال : تماريت أنا ورجل من القراء الأولين في المرأة يطلقها الرجل ثم [ ص: 22 ] يرتجعها ، فيكتمها رجعتها ؟ فقلت أنا : ليس له شيء فسألنا أبو الشعثاء جابر بن زيد القاضي ؟ فقال : ليس له إلا فسوة الضبع . ومن طريق شريحا أنا سعيد بن منصور أنا هشيم عن يونس بن عبيد قال : سأل رجل ابن سيرين فقال : إنه طلق ولم يشهد ، وراجع ولم يشهد ؟ فقال له عمران بن الحصين : طلقت بغير عدة ، وراجعت في غير سنة ، فأشهد على ما صنعت . عمران
ومن طريق أنا سعيد بن منصور أخبرني هشيم عبيدة عن الحسن بن رواح قال : سألت عن سعيد بن المسيب ؟ فقال : طلقت في غير عدة ، وارتجعت في عماء ، أشهد على ما صنعت ؟ ومن طريق رجل طلق سرا ، وراجع سرا أنا سعيد بن منصور أنا هشيم منصور عن الحسن قال : إذا طلق امرأته ثم راجعها في غيب أو مشهد ، ولم يعلمها بالرجعة حتى انقضت العدة ، فلا سبيل له عليها - فهذا قول .
وقول ثاني - رويناه من طريق عن ابن وهب قال : بلغني أن مالك قال الذي يطلق امرأته - وهو غائب - ثم يراجعها ولا يبلغها مراجعته - ، وقد بلغها طلاقه - : أنها إن تزوجت ولم يدخل بها زوجها الآخر ، أو دخل : فلا سبيل إلى زوجها الأول إليها . وقال عمر بن الخطاب : وهذا أحب ما سمعت إلي فيها وفي المفقود . ومن طريق مالك أخبرني ابن وهب عن يونس ابن شهاب عن قال : مضت السنة في الذي يطلق امرأته ثم يراجعها فيكتمها رجعتها حتى تحل فتنكح زوجا غيره : فإنه ليس له من أمرها شيء ، ولكنها من زوجها الآخر . [ ص: 23 ] قال سعيد بن المسيب : وأخبرني ابن وهب مخرمة بن بكير عن أبيه عن ، عبد الرحمن بن القاسم بن محمد مثله - وصح أيضا من طريق ونافع ابن سمعان عن الزهري مثل ذلك ، إذا كانا في بلد واحد . وقال ثالث - من طريق ، قال ابن وهب : الأمر لي لا اختلاف فيه : إنه إذا دخل بها زوجها الآخر قبل أن يدركها الأول فلا سبيل له إليها - وذلك الأمر عندنا في هذا وفي المفقود - يعني : في الذي طلقها وأعلمها ثم راجعها وأشهد ولم يبلغها . مالك
قال ابن القاسم : ثم رجع عن ذلك وقال : زوجها الأول أحق بها قال مالك ابن القاسم : أما أنا فأرى أنها إن دخل بها زوجها فلا سبيل له إليها ، فإن لم يدخل بها فهي للأول .
قال : إنما أوردنا هذا لنرى المشغبين بقول أبو محمد : " الأمر عندنا ، والأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا " حجة ، وإجماع ، لا يحل خلافه . مالك
وهذا قد رجع عن قول ذكر أنه الأمر عندهم ، والأمر الذي لا اختلاف فيه : فحسبهم وحسبكم . مالك
وروينا من طرق عن كلها منقطعة ; لأنها عن عمر إبراهيم عن أو عن عمر الحسن بن مسلم عن ، أو عن عمر عن سعيد بن المسيب ، أو عن عمر : أن أبي الزناد قال فيمن عمر : أنه إن أدركها قبل أن يدخل بها فهي امرأته ، وإن لم يدركها حتى دخل بها الثاني فهي امرأة الثاني ، حكم بذلك في طلق امرأته ثم سافر وأشهد على رجعتها قبل انقضاء العدة لا علم لها بذلك حتى تزوجت أبي كنف - وهو قول ، الليث والأوزاعي .
وقول رابع - رويناه : من طريق عن عبد الرزاق عن ابن جريج فيمن طلق ثم ارتجعها وأشهد فلم تأتها الرجعة حتى تزوجت ؟ قال : إن أصيبت فلا شيء للأول فيما بلغنا - يقال ذلك ، فإن نكحت ولم تصب ؟ فالأول أحق بها - وبه يقول عطاء . عبد الكريم
[ ص: 24 ] وقول خامس - رويناه من طريق عن وكيع عن شعبة قال : قال الحكم بن عتيبة : إذا طلق الرجل امرأته ثم راجعها ولم يعلمها : فهي امرأته إذا أشهد . ومن طريق علي بن أبي طالب عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن الحكم بن عتيبة أنه قال فيمن طلق امرأته ثم غاب ، فكتب إليها برجعتها ، فضاع الكتاب حتى انقضت عدتها ، فإن زوجها الأول أحق بها دخل بها الآخر أو لم يدخل . ومن طريق علي بن أبي طالب ، حماد بن أبي سليمان عن وقتادة مثله - ومن طريق علي إبراهيم عن في علي أبي كنف مثله
وهو قول الحكم بن عتيبة . ثم وجدناه متصلا عن كما أنا علي محمد بن سعيد بن نبات أنا عياش بن أصبغ أنا محمد بن قاسم بن محمد أنا محمد بن عبد السلام الخشني أنا أنا محمد بن المثنى عبد الأعلى أنا سعيد - هو ابن أبي عروبة - عن عن قتادة أن رجلا طلق امرأته ، وأعلمها ، وأرجعها ، وأشهد شاهدين وقال : اكتما علي ، فكتما ، حتى انقضت عدتها ، فارتفعوا إلى خلاس بن عمرو ؟ فأجاز الطلاق وجلد الشاهدين واتهمهما . علي بن أبي طالب
قال : ثم نظرنا في هذه الرواية ، فوجدناها لا حجة فيها لمن ذهب إلى هذا القول ; لأنه ليس فيها إلا إجازة الطلاق ، لا إجازة الرجعة . أبو محمد
قال : ليس إلا هذا القول ، أو الذي تخيرناه ، وما عداهما فخطأ لا إشكال فيه ; لأن زواجها أو دخوله بها ، أو وطأه لها ، لا يفسخ شيء من ذلك نكاحا صحيحا - ، وبالله تعالى التوفيق - ، وإنما هو صحة الرجعة أو فسادها ، وبقول أبو محمد الذي ذكرنا يقول علي سفيان الثوري ، ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم . وأبو سليمان