1514 مسألة :
ولا يحل أصلا ، لا كلب صيد ولا كلب ماشية ، ولا غيرهما ، فإن اضطر إليه ولم يجد من يعطيه إياه فله ابتياعه ، وهو حلال للمشتري حرام على البائع ينتزع منه الثمن متى قدر عليه ، كالرشوة في دفع الظلم ، وفداء الأسير ، ومصانعة الظالم ولا فرق . [ ص: 493 ] بيع كلب
واسم الحائط يقع على البستان وجدار الدار فقط . ولا يحل اتخاذ كلب أصلا ، إلا لماشية ، أو لصيد ، أو لزرع ، أو لحائط
ولا يحل أيضا : ، فمن قتلها ضمنها بمثلها ، أو بما يتراضيان عليه عوضا منه ، إلا الأسود البهيم ، أو الأسود ذا النقطتين أينما كانت النقطتان منه فإن عظمتا حتى لا تسميا في اللغة العربية نقطتين ، لكن تسمى لمعتين : لم يجز قتله ، فلا يحل ملكه أصلا لشيء مما ذكرنا ، وقتله واجب حيث وجد . قتل الكلاب
برهان ذلك ما روينا من طريق نا مسلم إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه نا عن الوليد بن مسلم الأوزاعي عن حدثني يحيى بن أبي كثير إبراهيم بن قارظ عن حدثني السائب بن يزيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { رافع بن خديج } فهذان صاحبان في نسق . ثمن الكلب خبيث ، ومهر البغي خبيث ، وكسب الحجام خبيث
ومن طريق عن مالك ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن { أبي مسعود الأنصاري } أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ، ومهر البغي ، وحلوان الكاهن
وصح أيضا من طريق أبي هريرة وجابر وأبي جحيفة
فهذا نقل تواتر لا يسع تركه ولا يحل خلافه .
وروينا من طريق أحمد بن شعيب نا الحسن بن أحمد بن شبيب نا محمد بن عبد الرحمن بن نمير نا أسباط نا عن الأعمش قال : قال عطاء بن أبي رباح : { أبو هريرة } أربع من السحت ، ضراب الفحل ، وثمن الكلب ، ومهر البغي ، وكسب الحجام .
ورويناه عن أيضا . [ ص: 494 ] جابر
ومن طريق نا ابن أبي شيبة عن وكيع عن إسرائيل عن عبد الكريم قيس بن حبتر عن رفعه { ابن عباس } وأقل ما فيه أن يكون قول ثمن الكلب ومهر البغي وثمن الخمر حرام . ابن عباس
ومن طريق نا ابن أبي شيبة ابن إدريس عن أشعث عن قال : أخبث الكسب كسب الزمارة ، وثمن الكلب . ابن سيرين
الزمارة : الزانية ، سمعت أبا عبيدة يقول ذلك .
ومن طريق نا ابن أبي شيبة يونس بن محمد نا شريك عن أبي فروة سمعت يقول : ما أبالي ثمن كلب أكلت ، أو ثمن خنزير . عبد الرحمن بن أبي ليلى
ومن طريق نا ابن أبي شيبة ابن إدريس عن سمعت شعبة الحكم ، يكرهان ثمن الكلب ولا يصح خلافهما عن أحد من الصحابة وهو قول وحماد بن أبي سليمان ، مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأبي سليمان ، وغيرهم . وأبي ثور
وخالف الحنفيون السنن في ذلك ، وأباحوا بيع الكلاب ، وأكل أثمانها .
واحتجوا في ذلك بما روينا من طريق أحمد بن شعيب ، قال : أخبرني إبراهيم بن الحسن بن أحمد المصيصي نا حجاج بن محمد عن عن حماد بن سلمة عن أبي الزبير { جابر بن عبد الله } أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن السنور والكلب إلا كلب صيد
وبما روينا من طريق نا قاسم بن أصبغ محمد بن إسماعيل نا نا ابن أبي مريم يحيى بن أيوب حدثني المثنى بن الصباح عن عن عطاء بن أبي رباح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أبي هريرة ثمن الكلب سحت إلا كلب صيد }
وما رويناه من طريق عمن أخبره عن ابن وهب ابن شهاب عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { } [ ص: 495 ] ثلاث هن سحت : حلوان الكاهن ، ومهر الزانية ، وثمن الكلب العقور .
ومن طريق عن ابن وهب الشمر بن نمير عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن { علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب العقور . }
قال : أما حديثا أبو محمد هذان فأسقط من أن يشتغل بهما إلا جاهل بالحديث ، أو مكابر يعلم الحق فيوليه ظهره ، لأن ابن وهب حسين بن عبد الله في غاية السقوط والاطراح باتفاق أهل النقل ، والآخر منقطع في موضعين .
ثم لو صحا لما كان لهم فيهما حجة ، لأنه ليس فيهما إلا النهي عن ثمن الكلب العقور فقط وهذا حق ، وليس فيه إباحة ثمن ما سواه من الكلاب وجاءت الآثار المتواترة التي قدمنا بزيادة على هذين لا يحل تركها .
وأما حديث : ففي غاية السقوط لأن فيه أبي هريرة يحيى بن أيوب ، والمثنى بن الصباح ، وهما ضعيفان جدا قد شهد على مالك يحيى بن أيوب بالكذب ، وجرحه أحمد
وأما المثنى : فجرحه بضعف الحديث ، وتركه أحمد يحيى ، وعبد الرحمن
ثم لو صح لكان حجة عليهم ; لأنه ليس فيه إلا استثناء كلب الصيد فقط ، وهم يبيحون ما حرم فيه من فهم مخالفون لما فيه . ثمن كلب الزرع ، وكلب الماشية ، وسائر الكلاب
وأما حديث : فإنه من رواية جابر عنه ، ولم يسمعه منه بإقرار أبي الزبير على نفسه ، حدثني أبي الزبير يوسف بن عبد الله النمري نا عبد الله بن عمر ومحمد بن يوسف الأزدي نا إسحاق بن أحمد العقيلي نا زكريا بن يحيى الحلواني نا محمد بن سعيد بن أبي مريم نا أبي نا ، قال : إن الليث بن سعد دفع إلي كتابين ، فقلت في نفسي : لو سألته أسمع هذا كله من أبا الزبير ؟ فرجعت إليه فقلت : هذا كله سمعته من جابر ؟ فقال : منه ما سمعته ، ومنه ما حدثت عنه ، فقلت له : أعلم لي على ما سمعت ؟ فأعلم لي على هذا الذي عندي . جابر
قال : فكل حديث لم يقل فيه أبو محمد : أنه سمعه من أبو الزبير ، أو حدثه به جابر أو لم يروه جابر عنه عن الليث فلم يسمعه من جابر بإقراره . جابر
وهذا الحديث لم يذكر فيه سماعا من أبو الزبير ، ولا هو مما عند جابر فصح أنه لم يسمعه من الليث ، فحصل منقطعا . [ ص: 496 ] جابر
ثم لو صح لكانوا مخالفين له ، لأنه ليس فيه إباحة ثمن شيء من الكلاب غير كلب الصيد ، والنهي عن ثمن سائرها وهم يبيحون أثمان سائر الكلاب المتخذة لغير الصيد : فبطل كل ما تعلقوا به من الآثار .
وأما النظر فإنهم قالوا : كان النهي عن ثمنها حين الأمر بقتلها ، فلما حرم قتلها وأبيح اتخاذ بعضها انتسخ النهي عن ثمن ما أبيح اتخاذه منها .
قال : هذا كذب بحت على الله تعالى ، وعلى رسوله عليه السلام ، لأنه إخبار بالباطل ، وبما لم يأت به قط نص ، ودعوى بلا برهان ، وليس نسخ شيء بموجب نسخ شيء آخر ، وليس إباحة اتخاذ شيء بمبيح لبيعه ، فهؤلاء هم القوم المبيحون اتخاذ دود القز ، ونحل العسل ، ولا يحلون ثمنهما إضلالا وخلافا للحق ، واتخاذ أمهات الأولاد حل ، ولا يحل بيعهن : فظهر فساد هذا الاحتجاج . أبو محمد
وقالوا : حرم ثمن الكلب ، وكسب الحجام ، فلما نسخ تحريم كسب الحجام نسخ تحريم ثمن الكلب ؟ قال : وهذا كذب كالذي قبله ، وكلام فاسد ، ودعوى بلا برهان . أبو محمد
ويلزمهم أيضا : أن ينسخ أيضا تحريم مهر الزانية ; لأنه ذكر معهما ، ثم من لهم بنسخ تحريم إذا وقع على الوجه المنهي عنه . كسب الحجام
فوضح فساد قولهم جملة ، وهذا مما خالفوا فيه الآثار المتواترة ، وصاحبين لا يصح خلافهما عن أحد من الصحابة .
فإن ذكروا قضاء عثمان بقيمة الكلب العقور ؟ قلنا : ليس هذا خلافا ; لأنه ليس بيعا ، ولا ثمنا ، إنما هو قصاص مال عن فساد مال فقط ، ولا ثمن لميت أصلا . وعبد الله بن عمرو
وروينا من طريق أنا ابن أبي شيبة عن وكيع عن حماد بن سلمة عن أبي الزبير ، جابر وأبي المهزم عن : أنهما كرها ثمن الكلب إلا كلب صيد ، وكرها أبي هريرة ثمن الهر وأبو المهزم ضعيف جدا ، وقد خالفوهما في ثمن الهر كما ترى . [ ص: 497 ]
وقد روينا إباحة ثمن الكلب عن ، عطاء ويحيى بن سعيد ، ، وعن وربيعة إباحة ثمن كلب الصيد ، ولا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . إبراهيم
وأما من احتاج إليه ، فقد قال الله تعالى : { ولا تنسوا الفضل بينكم } فما لا يحل بيعه ، وتحل هبته ، فإمساك من عنده منه فضل عن حاجته ذلك : الفضل عمن هو مضطر إليه ظلم له .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } والظلم واجب أن يمنع منه وبالله تعالى التوفيق المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه
وأما اتخاذها : فإننا روينا من طريق حدثني مسلم أنا إسحاق بن منصور نا روح بن عبادة : أخبرني ابن جريج أنه سمع أبو الزبير يقول : { جابر بن عبد الله } . أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم نهى رسول الله عن قتلها ، وقال : عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان
ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عمران بن موسى نا أنا يزيد بن زريع عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عبد الله بن مغفل } . لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها ، فاقتلوا منها الأسود البهيم ، وأيما قوم اتخذوا كلبا ليس بكلب حرث ، أو صيد ، أو ماشية ، فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراط
ومن طريق حدثنا مسلم حرملة حدثنا أخبرني ابن وهب عن يونس ابن شهاب عن عن سعيد بن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة من اقتنى كلبا ليس بكلب [ ص: 498 ] صيد ، ولا ماشية ، ولا أرض ، فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم } وتدخل الدار في جملة الأرض ; لأنها أرض .
فهذه الأحاديث فيها نص ما قلنا .
وقد روينا عن أمرنا بقتل الكلب الأسود ، وقد ذكرناه بإسناده في " كتاب الصيد " من ديواننا هذا وبالله تعالى التوفيق . إبراهيم النخعي