وخلاصة ما تقدم في الفصول والمباحث السابقة، أن دواوين السنة قد اشتملت على عدد ضخم من الأحاديث الصحاح والحسان تدور كلها حول فعل الخير، وحسن الخلق، وجمال المعاشرة، ولطف المعاملة.
ومن مظاهر ذلك ما طلبه الإسلام من المسلم أن يقوم به في كل يوم من فعل الخيرات، ومن خدمات يقدمها للمجتمع طائعا مختارا، تقوية للضعيف وإعانة للعاجز، وإغاثة للملهوف، كما قال تعالى: ( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) (الحج:77).
والإسـلام يرشد المسلم أن يفيض بالخير والنفع لكل من حوله، لا يبخل بمال ولا يضن بجهد تجاه من هو في حاجة إلى الإعانة والمواساة.
ولفعل الخير المطلوب من المسلم مجالات كثيرة، من إطعام الجائع وسقي العطشان، وإسعاف الجريح ومداواة المريض، وكسوة العريان.. [ ص: 191 ]
وفي السنة أحاديث كثيرة - كما مر في فصول البحث ومباحثه - تدعو لفعل الخيرات وترغب فيه، من إطعام وسقي ماء...
ولا يقف فعل الخير عند الإطعام والسقي، بل يشمل كل ما ينفع الناس ماديا أو أدبيا، وما يدفع أو يرفع ضررا، أو يزيل أذى من طريقهم ولو كان عظما أو شوكة، أو غصنا.
ولا تنحصر الصدقة، التي حث عليها الإسلام، بأهل اليسار مثلا، بل كل واحد قادر على أن يفعلها في أكثر الأحوال بغير مشقة.
وقد وسعت السنة النبوية آفاق هذه الصدقة، فلم تترك جانبا من جوانب الخير ولا مجالا من مجالات البر وخدمة الناس إلا أحاطت به وحضت عليه ونوهت بفضله، ولو كان مجرد بشاشة وجه أو ابتسامة، أو حلاوة لسان، فكلها صدقة ولها أجر عند الله لا يضيع منه مثقال ذرة.
ويضاعف فضـل هـذه الصـدقة المطلوبة من المسلم، كلما كان المنـتـفع بها مكروبا أو ملهوفا أو شديد الحاجة إليها، فعلى قدر حاجته تكون أعظم، ويكون ثوابها أجزل.
ولهذا كثرت الأحاديث في الحث على تفريج الكربات، والمعونة في الشدائد والأزمات، وإنظار المعسر.. فإن اليسر من الحسنات، إذا كان خالصا لله، كفر كثيرا من السيئات. [ ص: 192 ]