إن العمل التطوعي في الإسلام جزء من الإحسان العام، ومردوده إلى المتطوع نفسه ( فمن تطوع خيرا فهو خير له ) (البقرة:184).
ولعل المرأة، التي تطـوعت لكنس المسـجد لهو خـير عمل تطـوعي، حتى لما توفيت لم يشأ الصحابة أن يزعجوا الرسول صلى الله عليه وسلم للصلاة عليها، إذ توفيت بليل، لكنه لما افتقدها عليه الصلاة والسلام وفقد أثرها التطوعي سأل عنها، فلما علم بما حدث، قال: ( دلوني على قبرها".. ) من هي؟ ليس مهما أمام ما قامت به من عمل تطوعي جعل لها قيمة فعلية، حتى مع جهل من هي؟! [ ص: 64 ]
وبهذا، فالمجتمع الإسلامي لا يكون إلا مجتمعا متماسك الأوصال، قويا بتضامنه، غنيا بتلاحمه، سليما من شعور العداوة والبغضاء بين أفراده وجماعاته، تنتقل فيه مكوناته من الفردية والأنانية الفردية إلى الإنسانية الواحدة الشاعرة بواجباتها في الإصلاح والبناء والتعمير، وتتسابق إلى العمل الإيجابي، بل تسمو إلى أكثر من ذلك، فتنتقل من مرحلة الشعور بالوحدة إلى مرحلة الإيثار، أي تفضيل (الغير) على النفس، فالمؤمنون وصفهم القرآن الكريم بقوله تعالى: ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) (الحشر:9).
ومما يرتبط بمسألتي الخير والإحسان، أيضا:
بعث همم الأفراد ومواهب المروءة فيهم إلى بذل المكرمات.. ذلك أن في الأفراد طاقات لا حد لها في حب الخير والاستعداد لمختلف الخدمات الاجتماعية، وهي كمواهب العقل، لم يخلقها الله سدى بل خلقها لتحقق ذاتها وتؤدي وظيفتها في الحياة.. فإن كان من الواجب تشجيع طاقات الذهن، واستثارة كامنها لتؤدي وظيفتها في الحياة، فإن تشجيع مواهب المروءة الفطـرية في الأفراد أحـق وأولى، لا لثـمارها وما تبدع من مثـل كريـمة في الحياة فحسب، بل لأنها أيضا من السبيل الذي يعد الرجال ذوي القيم ويخرج للأمة ثروتها الأساسية من النفوس السامية الكريمة، فإنه ليس أفضل من فعل الخير إلا النفس التي فعلته، والنية التي بعثته.. والأمة التي تعنى بهذا، تعنى بدعامات أسباب المجد كله، وكفاها شرفا وأهلية للحياة ما تشيع من عزائم الخير ومواجيد الحب، بل كفاها برا بالحق، وبالحياة وبنفسها، أنها [ ص: 65 ] تستخرج من مناجم النفوس والفطر أثمن كنوزها وأشرف معادنها، وتهب للحياة أشرف معانيها، وترقى بالإنسانية إلى أكرم قيمها، وذلك هو المثل الأعلى، الذي أراده الله للإنسانية وللحياة [1] .
وإذا أردنا أن نتلمس بعض مظاهر الخـير والإحسان، نـجـد أن الإسلام وجه عناية خاصة لكبار السن: ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ) (العنكبوت:8)، فمسؤولية الوالدين منوطة بأبنائهم، وإذا لم يكن لهم أبناء انتقلت المسؤولية إلى المجتمع ممثلا في الدولة، يعزز ذلك ما تزخر به النصوص من ترغيب في الخير وفي الإحسان إلى الآخرين، وخاصة العاجزين، بما فيهم كبار السن والذي ينشئ في النفس المؤمنة دافعا تلقائيا إلى بذل الخير طواعية في تلك الوجوه.
ورعاية كبار السن لا تقف عند الجانب المادي، بل يدخل فيها الجانب النفسي والعاطفي، الذي هم أشد حاجة إليه: ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ) (الإسراء:23-24). [ ص: 66 ]