وعود المنظور الإسلامي للإدارة التربوية

يعد المنظور الإسلامي للإدارة التربوية بالكثير مما نعرضه فيما يلي:

- يعدنا المنظور الإسلامي بمدارس تحقق أعلى قدر من الأهداف التعليمية والنشاطات ضمن القيود والمصادر المتاحة. ويتضافر الإنجاز الأكاديمي فيها مع السمو الروحي والنمو الجسمي ليخرج خريجين ينتمون إلى رسالة تتجاوز ذواتهم.

سيكون المكان نظيفا وموائما للتعلم. ستكون المدارس مليئة بالبهجة وجذابة للجمهور الداخلي والخارجي للمدرسة. ويمكن قياس ذلك من خلال مدى حب الجمهور، خاصة الطلاب للمكان، وجعله مركز إشعاع. ستكون معدلات الغياب والتسرب والتوتر والضغط والاحتراق النفسي محتملة. سيمكن معالجة الصراع بطريقة مفيدة. لا يركز الناس على توافه الأمور والمصالح الشخصية. سوف تتسم العلاقات عبر الشخصية بالثقة والحب واللين والإيثار. ستسود المكان روح الرعاية والمشاركة والشغف العلمي والتطلع للنجاح والإنجاز وتحقيق سبق جديد في كل مجال. سيتم تشجيع التنافس جنبا إلى جنب مع التعاون. سيتمسك الناس بحقوقهم ويؤدون واجباتهم برشاقة.

وسيعمل المناخ الصحي على عدم السماح بالاستشراء لكل أنواع الغيبة والنميمة والفضيحة والنفاق، وهي أمراض تستشري في المؤسسات المعاصرة. [ ص: 120 ] لن يكون المكان مناسبا للحسد والكراهية والإشاعة، لن توضع المعوقات في طريق النمو المهني. سيكون الناس طموحين، ولديهم نظرة احترام للذات، متسامحين وصبورين. سيكون المكان خاليا من العنف والعصابات والإيدز وتعاطي المخدرات والتحرش الجنسي والحمل دون زواج والانحرافات الجنسية وكل أشكال الانحطاط الأخلاقي، وسيكون سوء السلوك في حده الأدنى. ستكون الاتصالات أفقية ورأسية ومن جميع الجهات. سيكون الناس منفتحي الذهن، متفاعلين، واثقين من أنفسهم.

تسير المحبة والتعاطف واللين والرحمة جنبا إلى جنب مع الفعالية وكفاءة الإنتاج، ويحل التمكين والسلطة الأفقية والشورى محل الهرمية والسلطة الفوقية والعمل من خلال الآخرين، هـدف الإداريين ليس التحايل والتحكم بل الفهم والتعاون. وهذا يؤثر في علاقات الإدارة بالعاملين وعلاقات العاملين ببعضهم، وعلاقات الجمهور الداخلي والخارجي للمدرسة من حيث صنع القرار ووضع الأولويات والتخطيط والتنظيم والجدولة وجميع العمليات الإدارية الأخرى.

تتحول المدارس في المنظور الإسلامي إلى مجتمع مداولات دائم، ذلك أن الإداري لا يتعامل مع قطيع من الأتباع بل ينظر للعاملين على أنهم قادة مسؤولون لهم الحق في قول ما يفكرون به وفي وضع السياسات والممارسات موضع تساؤل، والقادة ملزمون بالاستماع والتشاور والإقناع. طبعا هـناك احتمال بفقدان الانضباط، وهذا هـو سبب الحاجة إلى قادة [ ص: 121 ] مخلصين متعلمين مؤهلين تأهيلا عاليا وقادرين. وهكذا فإن هـذا المنظور مقارنة بغيره يعد أكثر تطلبا.

- يساعد التوازن، الذي يميز التصور الإسلامي، على مواجهة الثنائيات الشائكة مثل (ما ينبغي) و (ما هـو واقع) ، ومثل ثنائية (الفرد - المنظمة) وثنائية (التوجه الإنساني - المهمة) ، هـذا إضافة للقضايا المثيرة للجدل مثل المصادر الشرعية للمعرفة الإدارية، ودور المعرفة النظرية، وما إلى ذلك. إزاء هـذه القضايا يعمل المنظور الإسلامي على التوازن بين ما هـو كائن وما يجب أن يكون، بين ميول الفرد وتوقعات المنظمة. الحقائق هـي أساس القرارات ولكن الحقائق تتعرض للتشويه، وهنا يأتي دور القيم. المعرفة العلمية والأمبيريقية يجب أن تنور عمل الإداري، ولكنها ليست المعرفة الوحيدة التي يعتد بها. معرفة الوحي ليست فقط مشروعة بل وتحكم المعرفة المتولدة من مصادر أخرى.

وهذا المنظور الفذ قادر على استيعاب الثنائيات ومصالحة القضايا المتنافرة التي سببت المواجهات بين النظريات والتوترات المعروفة في تراث الإدارة التربوية. الإدارة التربوية من هـذا المنظور تصبح موجهة للنتائج وللإنسان معا. سوف تتوازن الاستجابة للحاجات المادية والأشواق الروحية والسيكولوجية. وسوف يصبح العلم ونصوص الوحي والعقل والخبرة والقياس والاستنتاج والحدس مصادر مشروعة للمعرفة الإدارية مع [ ص: 122 ] تميز الوحي بكونه المرجع لهذه المصادر كافة. وسوف يعطى اهتمام للبنية الإدارية والثقافة معا.

وفق هـذا المنظور تسير المثالية والواقعية جنبا إلى جنب. المنظور الإسلامي يتسم بالمعيارية والوصفية. ومع أنه يجب اعتبار (ما هـو واقع) إلا أن (ما هـو واقع) يجب ألا يملي ما يجب أن يكون. وهذا من شأنه إعطاء الإداريين مرونة لمواءمة قيادتهم ونمطهم القيادي بالمستويات التعليمية ومستوى الالتزام عند العاملين دون خوف من فقدان الثقة على القدرة على الإفادة من قدرات العاملين. وباستخدام بعض المصطلحات التقنية يمكن للإداري أن يبدأ كقائد تبادلي (Transactional) إذا كان العاملون لديه يؤمنون بالعمل على قدر الأجر. إذا كانوا فيمكن استخدام القواعد والإجراءات والحوافز الخارجية والمكافآت التي تستجيب لحاجات الجسد والأمن والحاجات الاجتماعية وحاجات (الأنا) . ولكن من المنظور الإسلامي يجب أن تكون هـذه مرحلة انتقالية، يعمل القائد خلالها على تحويل المنظمة إلى عاملين يلتزمون بالقيم الإسلامية المشتركة، ويطمحون للتحسين، ويخبرون نوعا من فعالية الذات، ويصبحون مدفوعين داخليا. ويبحثون عن معنى وأهمية لوجودهم. تصل مرحلة التحول هـذه ذروتها بتجاوز القائد والعاملين مصالحهم الذاتية ليلتزموا بقضية تتجاوز الذات. في هـذه المرحلة يحتاج القائد إلى استثارة الروح المعنوية والكفاءة والاستقلالية والحس بالجدارة، وفوق ذلك كله رضا الله والحياة الآخرة وليس الإجراءات والقوانين. [ ص: 123 ] مثل هـذا المنحى يحول العاملين إلى دعاة من خلال الجدية والإخلاص في العمل والالتزام ونيل ثقة الآخرين، ومن خلال الكفاءة والفعالية والاهتمام بالغير وحب تقديم الخدمة، بغض النظر عن المردود الفوري خاصة المادي.

- يساعد مفهوم الإدارة/ الخلافة على حل المآزق الأخلاقية وصراع القيم؛ لأنه يساعد على تحديد ما هـو مهم وما هـو أقل أهمية, يساعد على التخطيط والجدولة ووضع الأولويات وهكذا. لذلك ستكون الإدارة أكثر عمقا وأقل شكلية وأكثر شمولا؛ كل قضية تناقش من حيث صلتها بالقضايا الأخرى وفي ضوء ممهداتها وعواقبها. ويجب ألا يؤثر أي قرار سلبا على ثلاث أولويات: الدين والإنسان والبيئة. بالعكس، كل قرار أو نشاط يجب أن يعزز مكانة العناصر المشار إليها. ونعني بالإنسان هـنا أي طرف من الجمهور الداخلي أو الخارجي للمدرسة (الطالب، المعلم، الإداري، أو أعضاء المجتمع الخارجي) . وكذلك البيئة تشير إلى جميع أشكال البيئة الثقافية والاجتماعية والمادية.

- وبالمعرفة المناسبة عن الإنسان، كما هـو موصوف في القرآن، يصبح الإداريون في موقع أفضل للتعامل، مع الطلاب والعاملين والمسئولين والجمهور، إن الموقف الإسلامي من القرآن يساعد في توصيف الأدوار وتقييم الأداء ويوفر أساسا لبرامج التدريب والوظائف الأخرى المعروفة جيدا في ميدان إدارة الموارد البشرية.

- يمكن المصالحة بين التوقعات المثالية والواقعية على أساس تطوري يبدأ مما هـو واقعي للوصول إلى ما هـو مثالي وحسب هـذا المنحى يشكل العاملون [ ص: 124 ] والطلاب والمجتمع المحلي مصادر ثرية لا تنضب. وهذا المنحى المتوازن يقلص مظاهر الاحتراق النفسي والتوتر التي يشكو منها المدرسون والإداريون والتي مع التوقعات غير الواقعية والأعباء غير المعقولة قد تقود إلى اللامبالاة والاغتراب والأداء الشكلي والنفاق.

- يصون المنظور الإسلامي كرامة الإنسان في المنظمة (الطلاب، العاملين، وأعضاء المجتمع المحلي) . ويقتضي المركز المميز للإنسان والطبيعة الرسالية للإدارة أن ينظر لأعضاء الجمهور الداخلي والخارجي للمدرسة كشركاء متساوين في عنايتهم بالشأن المدرسي وليس كوسائل أو مصادر تستخدم لتحقيق أغراض المدرسة. إن الحرص على تطبيق الإجراءات والقوانين والهرم التنظيمي والإنتاجية وكفاءة التشغيل وما إلى ذلك من اعتبارات يجب ألا يهدد كرامة الإنسان. ومثل هـذا المفهوم يلطف من الآثار السلبية للحياة التنظيمية المعاصرة مثل الملل والانغلاق وفجوات الاتصال وما إلى ذلك. إن التوازن يقتضي رعاية مصالح من يقومون بالإدارة ومن يدارون وكذلك من يتأثرون بالقرارات.

- تؤثر منظومة القيم والأخلاق الإسلامية على جميع ميادين الإدارة - صنع القرار والعلاقات بين العاملين والمدخلات والمخرجات والتخطيط والتقييم والضبط وما إلى ذلك. يؤكد من المنظور الإسلامي على القيم الضرورية لتطوير وتحسين الأداء التنظيمي مثلا ومن بينها التنافس والتعاون والتحسين وكفاءة التشغيل والرشاقة والذكاء والجدية في العمل من جهة، وعلى قيم [ ص: 125 ] العناية والمشاركة والحب والتعاون والعناية بالآخر من جهة أخرى. مرة ثانية وهذا يجسد التوازن والشمول.

- يجب ألا يؤدي التركيز على النتائج مثلا إلى إلحاق الأذى أو زيادة الأعباء على العاملين، أو استخدام التحايل معهم، أو إهمال الضعفاء والمحرومين، في المقابل لا يجوز أن تؤدي قيم الرعاية والعناية والاهتمام واللين إلى إهمال مصالح المنظمة. الإداري الذي يعمل من المنظور الإسلامي يجب أن يكون محبا، إنساني التوجه، ولكنه يجب ألا يتردد في إظهار رفضه للنتائج المخيبة للآمال. ومثل هـذا المنهج يعد خروجا على أساليب الدراوينية الاجتماعية والتسيب.

إن تشرب هـذه القيم والأخلاق مع غيرها من المبادئ تجعل الإدارة الإسلامية متميزة عن النماذج السائدة.

ويقلل غرس القيم من خرق القوانين وإساءة استخدام الإجراءات والقوانين. بل إنه يقلص الحاجة إلى اللجوء إلى القانون. وهذا مهم جدا خاصة هـذه الأيام حيث يكثر في بعض البلدان رفع قضايا ضد المعلمين والإداريين في المحاكم، وهو ما يهدد التربية بفقدان طابعها النبيل الرسالي.

لا مساومة في المنظور الإسلامي على القيم الجوهرية، الإجراءات والقوانين والموضوعية والعقلانية وما إلى ذلك غير كافية لنجاح المنظمات ولا بد من تدعيمها بالقيم والأخلاق. وبهذا الصدد يقول الزرقا (Zarqa, 1998) .

يحتاج المجتمع للأخلاق والقانون. قد يبدو القانون أكثر حضورا، لأن له إجراءات ويمارس بقدرة الدولة على فرض القوانين، ولكن القانون [ ص: 126 ] لا يستطيع أن يعمر دون أساس أخلاقي. فالقوانين التي تتحدى المعتقدات الأخلاقية لا يمكن فرضها بفعالية.

وكانت القيم والأخلاق قد أقصيت من النماذج الإدارية السائدة، لأنه لا يمكن إخضاعها للتحقيق الأمبيريقي. ولكنها أخذت تحظى بمزيد من الاهتمام في العقود القليلة الماضية. ومع ذلك هـناك خلافات حادة حول القيم وحول مصدر القيم وما إذا كان هـناك قيم مطلقة غير مرتبطة بالزمان والمكان أم أن القيم موقفية منفعية الطابع وبالتالي يمكن المساومة عليها، وما إذا كانت ذات طابع قانوني وما إلى ذلك من قضايا مثيرة للجدل.

يلاحظ ( سير جيوفاني ) أن القيم الشاملة، قيم الخير والغرض والجودة طويلة الأمد والأهمية، غائبة في الفكر الإداري الغربي المعاصر، الذي يؤكد الدقة وكفاءة التشغيل والعقلانية والقابلية للقياس والموضوعية اعتقادا بأن الإدارة الجيدة هـي إدارة حاسمة. وهو يعزو ذلك إلى أن الإدارة في الغرب موجهة للنتائج وأنها تاكتيكية أكثر منها استراتيجية . وهذا ما يجعلها تعطي مزيدا من الأهمية للشكل لا للجوهر. وفي المدرسة تصبح خطط التحسين أكثر أهمية من تحسين النتائج، ويصبح وضع درجات في نظام تقييم أداء المدرس أكثر أهمية بل وبديلا للتدريس الجيد، ويصبح تراكم النقاط في المساقات وورش الخدمة بديلا عن التغيير في الممارسة، وتصبح خطط الانضباط بديلا عن الانضباط، ويصبح النمط القيادي أكثر أهمية من الغرض والجوهر، ويصبح التعاون بديلا للالتزام، والإذعان بديلا عن النتائج. وتكون [ ص: 127 ] النتيجة النهائية (انزياح الهدف) وفقدان البصيرة، والسماح للعميلات التقنية والإجراءات أن تصبح غايات في حد ذاتها، ويتكرر الإشراف والتقييم آلاف المرات بقليل من النتائج.

- لمثل هـذا المنظور قدرة على استثمار أعلى مستويات من الإمكانيات الإنسانية، فهو يزود المنتمين إليه، أكاديمين وممارسين، بحس الاتجاه. وهكذا يمكنهم الاقتراب من موضوعهم بشكل شامل، وربط الأحداث ببعضها، خاصة تلك التي لا تبدو مترابطة، ويحدد الخيوط التي تجري بينها جميعا، ويطرح حلولا مناسبة. وفي ضوء المنظور الإسلامي يكون الإداريون في وضع أفضل لتوضيح وفهم السلوك التنظيمي في مؤسساتهم، يسبرون الأغوار ويتقصون الجذور ويولدون المعاني.

- يحول المنظور الإسلامي الإداريين إلى قادة للقادة، يقومون بمهمة رسالية. في ضوء المنظور الإسلامي لن يكون الإداريون مهتمين بتصريف واجباتهم الروتينية وحسب بل بالمبادرة وقيادة المؤسسة نحو آفاق أرحب. كما أنهم يرون مؤسساتهم في علاقتها بالمؤسسة الأم وهي المجتمع والأمة والإنسانية ككل. [ ص: 128 ]

وعود المنظور الإسلامي للإدارة التربوية

يَعِد المنظور الإسلامي للإدارة التربوية بالكثير مما نعرضه فيما يلي:

- يعدنا المنظور الإسلامي بمدارس تحقق أعلى قدر من الأهداف التعليمية والنشاطات ضمن القيود والمصادر المتاحة. ويتضافر الإنجاز الأكاديمي فيها مع السمو الروحي والنمو الجسمي ليخرج خريجين ينتمون إلى رسالة تتجاوز ذواتهم.

سيكون المكان نظيفًا وموائمًا للتعلم. ستكون المدارس مليئة بالبهجة وجذابة للجمهور الداخلي والخارجي للمدرسة. ويمكن قياس ذلك من خلال مدى حب الجمهور، خاصة الطلاب للمكان، وجعله مركز إشعاع. ستكون معدلات الغياب والتسرب والتوتر والضغط والاحتراق النفسي محتملة. سيمكن معالجة الصراع بطريقة مفيدة. لا يركز الناس على توافه الأمور والمصالح الشخصية. سوف تتسم العلاقات عبر الشخصية بالثقة والحب واللين والإيثار. ستسود المكان روح الرعاية والمشاركة والشغف العلمي والتطلع للنجاح والإنجاز وتحقيق سبق جديد في كل مجال. سيتم تشجيع التنافس جنبًا إلى جنب مع التعاون. سيتمسك الناس بحقوقهم ويؤدون واجباتهم برشاقة.

وسيعمل المناخ الصحي على عدم السماح بالاستشراء لكل أنواع الغيبة والنميمة والفضيحة والنفاق، وهي أمراض تستشري في المؤسسات المعاصرة. [ ص: 120 ] لن يكون المكان مناسبًا للحسد والكراهية والإشاعة، لن توضع المعوقات في طريق النمو المهني. سيكون الناس طموحين، ولديهم نظرة احترام للذات، متسامحين وصبورين. سيكون المكان خاليًا من العنف والعصابات والإيدز وتعاطي المخدرات والتحرش الجنسي والحمل دون زواج والانحرافات الجنسية وكل أشكال الانحطاط الأخلاقي، وسيكون سوء السلوك في حده الأدنى. ستكون الاتصالات أفقية ورأسية ومن جميع الجهات. سيكون الناس منفتحي الذهن، متفاعلين، واثقين من أنفسهم.

تسير المحبة والتعاطف واللين والرحمة جنبًا إلى جنب مع الفعالية وكفاءة الإنتاج، ويحل التمكين والسلطة الأفقية والشورى محل الهرمية والسلطة الفوقية والعمل من خلال الآخرين، هـدف الإداريين ليس التحايل والتحكم بل الفهم والتعاون. وهذا يؤثر في علاقات الإدارة بالعاملين وعلاقات العاملين ببعضهم، وعلاقات الجمهور الداخلي والخارجي للمدرسة من حيث صنع القرار ووضع الأولويات والتخطيط والتنظيم والجدولة وجميع العمليات الإدارية الأخرى.

تتحول المدارس في المنظور الإسلامي إلى مجتمع مداولات دائم، ذلك أن الإداري لا يتعامل مع قطيع من الأتباع بل ينظر للعاملين على أنهم قادة مسؤولون لهم الحق في قول ما يفكرون به وفي وضع السياسات والممارسات موضع تساؤل، والقادة ملزمون بالاستماع والتشاور والإقناع. طبعًا هـناك احتمال بفقدان الانضباط، وهذا هـو سبب الحاجة إلى قادة [ ص: 121 ] مخلصين متعلمين مؤهلين تأهيلا عاليًا وقادرين. وهكذا فإن هـذا المنظور مقارنة بغيره يعد أكثر تطلبًا.

- يساعد التوازن، الذي يميز التصور الإسلامي، على مواجهة الثنائيات الشائكة مثل (ما ينبغي) و (ما هـو واقع) ، ومثل ثنائية (الفرد - المنظمة) وثنائية (التوجه الإنساني - المهمة) ، هـذا إضافة للقضايا المثيرة للجدل مثل المصادر الشرعية للمعرفة الإدارية، ودور المعرفة النظرية، وما إلى ذلك. إزاء هـذه القضايا يعمل المنظور الإسلامي على التوازن بين ما هـو كائن وما يجب أن يكون، بين ميول الفرد وتوقعات المنظمة. الحقائق هـي أساس القرارات ولكن الحقائق تتعرض للتشويه، وهنا يأتي دور القيم. المعرفة العلمية والأمبيريقية يجب أن تنور عمل الإداري، ولكنها ليست المعرفة الوحيدة التي يعتد بها. معرفة الوحي ليست فقط مشروعة بل وتحكم المعرفة المتولدة من مصادر أخرى.

وهذا المنظور الفذ قادر على استيعاب الثنائيات ومصالحة القضايا المتنافرة التي سببت المواجهات بين النظريات والتوترات المعروفة في تراث الإدارة التربوية. الإدارة التربوية من هـذا المنظور تصبح موجهة للنتائج وللإنسان معًا. سوف تتوازن الاستجابة للحاجات المادية والأشواق الروحية والسيكولوجية. وسوف يصبح العلم ونصوص الوحي والعقل والخبرة والقياس والاستنتاج والحدس مصادر مشروعة للمعرفة الإدارية مع [ ص: 122 ] تميز الوحي بكونه المرجع لهذه المصادر كافة. وسوف يعطى اهتمام للبنية الإدارية والثقافة معًا.

وفق هـذا المنظور تسير المثالية والواقعية جنبًا إلى جنب. المنظور الإسلامي يتسم بالمعيارية والوصفية. ومع أنه يجب اعتبار (ما هـو واقع) إلا أن (ما هـو واقع) يجب ألا يملي ما يجب أن يكون. وهذا من شأنه إعطاء الإداريين مرونة لمواءمة قيادتهم ونمطهم القيادي بالمستويات التعليمية ومستوى الالتزام عند العاملين دون خوف من فقدان الثقة على القدرة على الإفادة من قدرات العاملين. وباستخدام بعض المصطلحات التقنية يمكن للإداري أن يبدأ كقائد تبادلي (Transactional) إذا كان العاملون لديه يؤمنون بالعمل على قدر الأجر. إذا كانوا فيمكن استخدام القواعد والإجراءات والحوافز الخارجية والمكافآت التي تستجيب لحاجات الجسد والأمن والحاجات الاجتماعية وحاجات (الأنا) . ولكن من المنظور الإسلامي يجب أن تكون هـذه مرحلة انتقالية، يعمل القائد خلالها على تحويل المنظمة إلى عاملين يلتزمون بالقيم الإسلامية المشتركة، ويطمحون للتحسين، ويخبرون نوعًا من فعالية الذات، ويصبحون مدفوعين داخليًّا. ويبحثون عن معنى وأهمية لوجودهم. تصل مرحلة التحول هـذه ذروتها بتجاوز القائد والعاملين مصالحهم الذاتية ليلتزموا بقضية تتجاوز الذات. في هـذه المرحلة يحتاج القائد إلى استثارة الروح المعنوية والكفاءة والاستقلالية والحس بالجدارة، وفوق ذلك كله رضا الله والحياة الآخرة وليس الإجراءات والقوانين. [ ص: 123 ] مثل هـذا المنحى يحول العاملين إلى دعاة من خلال الجدية والإخلاص في العمل والالتزام ونيل ثقة الآخرين، ومن خلال الكفاءة والفعالية والاهتمام بالغير وحب تقديم الخدمة، بغض النظر عن المردود الفوري خاصة المادي.

- يساعد مفهوم الإدارة/ الخلافة على حل المآزق الأخلاقية وصراع القيم؛ لأنه يساعد على تحديد ما هـو مهم وما هـو أقل أهمية, يساعد على التخطيط والجدولة ووضع الأولويات وهكذا. لذلك ستكون الإدارة أكثر عمقُا وأقل شكلية وأكثر شمولا؛ كل قضية تناقش من حيث صلتها بالقضايا الأخرى وفي ضوء ممهداتها وعواقبها. ويجب ألا يؤثر أي قرار سلبًا على ثلاث أولويات: الدين والإنسان والبيئة. بالعكس، كل قرار أو نشاط يجب أن يعزز مكانة العناصر المشار إليها. ونعني بالإنسان هـنا أي طرف من الجمهور الداخلي أو الخارجي للمدرسة (الطالب، المعلم، الإداري، أو أعضاء المجتمع الخارجي) . وكذلك البيئة تشير إلى جميع أشكال البيئة الثقافية والاجتماعية والمادية.

- وبالمعرفة المناسبة عن الإنسان، كما هـو موصوف في القرآن، يصبح الإداريون في موقع أفضل للتعامل، مع الطلاب والعاملين والمسئولين والجمهور، إن الموقف الإسلامي من القرآن يساعد في توصيف الأدوار وتقييم الأداء ويوفر أساسًا لبرامج التدريب والوظائف الأخرى المعروفة جيدًا في ميدان إدارة الموارد البشرية.

- يمكن المصالحة بين التوقعات المثالية والواقعية على أساس تطوري يبدأ مما هـو واقعي للوصول إلى ما هـو مثالي وحسب هـذا المنحى يشكل العاملون [ ص: 124 ] والطلاب والمجتمع المحلي مصادر ثرية لا تنضب. وهذا المنحى المتوازن يقلص مظاهر الاحتراق النفسي والتوتر التي يشكو منها المدرسون والإداريون والتي مع التوقعات غير الواقعية والأعباء غير المعقولة قد تقود إلى اللامبالاة والاغتراب والأداء الشكلي والنفاق.

- يصون المنظور الإسلامي كرامة الإنسان في المنظمة (الطلاب، العاملين، وأعضاء المجتمع المحلي) . ويقتضي المركز المميز للإنسان والطبيعة الرسالية للإدارة أن ينظر لأعضاء الجمهور الداخلي والخارجي للمدرسة كشركاء متساوين في عنايتهم بالشأن المدرسي وليس كوسائل أو مصادر تستخدم لتحقيق أغراض المدرسة. إن الحرص على تطبيق الإجراءات والقوانين والهرم التنظيمي والإنتاجية وكفاءة التشغيل وما إلى ذلك من اعتبارات يجب ألا يهدد كرامة الإنسان. ومثل هـذا المفهوم يلطف من الآثار السلبية للحياة التنظيمية المعاصرة مثل الملل والانغلاق وفجوات الاتصال وما إلى ذلك. إن التوازن يقتضي رعاية مصالح من يقومون بالإدارة ومن يدارون وكذلك من يتأثرون بالقرارات.

- تؤثر منظومة القيم والأخلاق الإسلامية على جميع ميادين الإدارة - صنع القرار والعلاقات بين العاملين والمدخلات والمخرجات والتخطيط والتقييم والضبط وما إلى ذلك. يؤكد من المنظور الإسلامي على القيم الضرورية لتطوير وتحسين الأداء التنظيمي مثلا ومن بينها التنافس والتعاون والتحسين وكفاءة التشغيل والرشاقة والذكاء والجدية في العمل من جهة، وعلى قيم [ ص: 125 ] العناية والمشاركة والحب والتعاون والعناية بالآخر من جهة أخرى. مرة ثانية وهذا يجسد التوازن والشمول.

- يجب ألا يؤدي التركيز على النتائج مثلا إلى إلحاق الأذى أو زيادة الأعباء على العاملين، أو استخدام التحايل معهم، أو إهمال الضعفاء والمحرومين، في المقابل لا يجوز أن تؤدي قيم الرعاية والعناية والاهتمام واللين إلى إهمال مصالح المنظمة. الإداري الذي يعمل من المنظور الإسلامي يجب أن يكون محبًّا، إنساني التوجه، ولكنه يجب ألا يتردد في إظهار رفضه للنتائج المخيبة للآمال. ومثل هـذا المنهج يعد خروجًا على أساليب الدراوينية الاجتماعية والتسيب.

إن تشرب هـذه القيم والأخلاق مع غيرها من المبادئ تجعل الإدارة الإسلامية متميزة عن النماذج السائدة.

ويقلل غرس القيم من خرق القوانين وإساءة استخدام الإجراءات والقوانين. بل إنه يقلص الحاجة إلى اللجوء إلى القانون. وهذا مهم جدًّا خاصة هـذه الأيام حيث يكثر في بعض البلدان رفع قضايا ضد المعلمين والإداريين في المحاكم، وهو ما يهدد التربية بفقدان طابعها النبيل الرسالي.

لا مساومة في المنظور الإسلامي على القيم الجوهرية، الإجراءات والقوانين والموضوعية والعقلانية وما إلى ذلك غير كافية لنجاح المنظمات ولا بد من تدعيمها بالقيم والأخلاق. وبهذا الصدد يقول الزرقا (Zarqa, 1998) .

يحتاج المجتمع للأخلاق والقانون. قد يبدو القانون أكثر حضورًا، لأن له إجراءات ويمارس بقدرة الدولة على فرض القوانين، ولكن القانون [ ص: 126 ] لا يستطيع أن يعمر دون أساس أخلاقي. فالقوانين التي تتحدى المعتقدات الأخلاقية لا يمكن فرضها بفعالية.

وكانت القيم والأخلاق قد أٌقصيت من النماذج الإدارية السائدة، لأنه لا يمكن إخضاعها للتحقيق الأمبيريقي. ولكنها أخذت تحظى بمزيد من الاهتمام في العقود القليلة الماضية. ومع ذلك هـناك خلافات حادة حول القيم وحول مصدر القيم وما إذا كان هـناك قيم مطلقة غير مرتبطة بالزمان والمكان أم أن القيم موقفية منفعية الطابع وبالتالي يمكن المساومة عليها، وما إذا كانت ذات طابع قانوني وما إلى ذلك من قضايا مثيرة للجدل.

يلاحظ ( سير جيوفاني ) أن القيم الشاملة، قيم الخير والغرض والجودة طويلة الأمد والأهمية، غائبة في الفكر الإداري الغربي المعاصر، الذي يؤكد الدقة وكفاءة التشغيل والعقلانية والقابلية للقياس والموضوعية اعتقادًا بأن الإدارة الجيدة هـي إدارة حاسمة. وهو يعزو ذلك إلى أن الإدارة في الغرب موجهة للنتائج وأنها تاكتيكية أكثر منها استراتيجية . وهذا ما يجعلها تعطي مزيدًا من الأهمية للشكل لا للجوهر. وفي المدرسة تصبح خطط التحسين أكثر أهمية من تحسين النتائج، ويصبح وضع درجات في نظام تقييم أداء المدرس أكثر أهمية بل وبديلا للتدريس الجيد، ويصبح تراكم النقاط في المساقات وورش الخدمة بديلا عن التغيير في الممارسة، وتصبح خطط الانضباط بديلا عن الانضباط، ويصبح النمط القيادي أكثر أهمية من الغرض والجوهر، ويصبح التعاون بديلا للالتزام، والإذعان بديلا عن النتائج. وتكون [ ص: 127 ] النتيجة النهائية (انزياح الهدف) وفقدان البصيرة، والسماح للعميلات التقنية والإجراءات أن تصبح غايات في حد ذاتها، ويتكرر الإشراف والتقييم آلاف المرات بقليل من النتائج.

- لمثل هـذا المنظور قدرة على استثمار أعلى مستويات من الإمكانيات الإنسانية، فهو يزود المنتمين إليه، أكاديمين وممارسين، بحس الاتجاه. وهكذا يمكنهم الاقتراب من موضوعهم بشكل شامل، وربط الأحداث ببعضها، خاصة تلك التي لا تبدو مترابطة، ويحدد الخيوط التي تجري بينها جميعًا، ويطرح حلولا مناسبة. وفي ضوء المنظور الإسلامي يكون الإداريون في وضع أفضل لتوضيح وفهم السلوك التنظيمي في مؤسساتهم، يسبرون الأغوار ويتقصون الجذور ويولدون المعاني.

- يحوِّل المنظور الإسلامي الإداريين إلى قادة للقادة، يقومون بمهمة رسالية. في ضوء المنظور الإسلامي لن يكون الإداريون مهتمين بتصريف واجباتهم الروتينية وحسب بل بالمبادرة وقيادة المؤسسة نحو آفاق أرحب. كما أنهم يرون مؤسساتهم في علاقتها بالمؤسسة الأم وهي المجتمع والأمة والإنسانية ككل. [ ص: 128 ]