الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

المخدرات من القلق إلى الاستعباد

الدكتور / محمد محمود الهواري

المـخـدرات LES DROGUES

لمحـة تاريخيـة عرفت العصور القديمة، الخواص التي تتمتع بها بعض النباتات المسماة أحيانا بالنباتات السحرية: فالخشخاش Pavot الذي يستخرج منه الأفيون Opium زرعه المصريون القدامى، وصنعوا منه الشرابات التي تشعل نار الحب Philtre والشرابات المنومة أو المهدئة أو المسكنة للآلام Sedatifs.

وكذلك القنب الهندي Cannabis، الذي يزرع في سهوب الهند، والذي يستخرج منه الحشيش Haschich استعمل لإثارة الشطحات الاعتقادية في الاحتفالات الدينية.

وهذا وإن انتشار هـذه النباتات وخلاصاتها، قد تم عبر العصور، وبصورة بطيئة اعتبارا من الشرق إلى الغرب.

فإذا ما استثنينا بعض المركبات المذكورة قديما في دساتير الأدوية مثل الأودانوم (منذ القرن الخامس عشر فلم يظهر استعمال الحشيش والأفيون عمليا في الغرب إلا في القرن التاسع عشر، وتعرف كثير من الناس عليها من خلال الدراسات الأدبية والقصصية؛ كما في كتاب جنة الأحلام Paradis artificiel لبودلير Baudlaire. [ ص: 18 ] وعقب هـذا الاطلاع الأدبي، بدأ الاهتمام الطبي والفيزيولوجي. ففي عام 1840 نشر العالم مورو Moreou من تور Tours دراسة هـامة عن الاضطرابات المهلوسة والعقلية التي يسببها الحشيش. ثم اتسعت الدراسة العلمية حتى وصلت إلى دراسة حالات الاعتياد والعوز الناجمة عن الإدمان.

وبدأ الإنذار الطبي مع التطور الصناعي الهائل في إطار الصيدلة والكيمياء، حيث طرحت في الأسواق العالمية مقادير وفيرة من مركبات الأفيون: كالمورفين والكودئين والهيروئين وما شابه، ومن ثم الكوكائين وأمثاله.

وعندما بدأ اهتمام المهربين بهذه المركبات في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، ظهرت إلى العيان جائحات الإدمان على المورفين والكوكائين والايتر والهيروئين مما حدا بالسلطات الحكومية أن تهتم بهذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة. ومنذ ذلك الحين أصبحت مشكلة الإدمان مشكلة اجتماعية. وسنت القوانين والأنظمة على المستوى القطري، ثم على المستوى الدولي، لمكافحة الإدمان وأسبابه. ونجمت عن عصبة الأمم (اللجنة الدولية للأفيون والعقاقير الأخرى الضارة ) ؛ ثم تحولت فيما بعد في منظمة الأمم المتحدة إلى اللجنة الدولية للمخدرات.

وهذه التدابير الوقائية والقانونية ضرورية بقدر تطور أساليب عصابات [ ص: 19 ] التهريب، وبقدر التطور الصناعي الكيميائي والصيدلاني. ففي كل يوم عقار جديد، يتمتع بخواص المخدرات، ويؤدي استعماله المديد إلى الإدمان والاستعباد؛ وإلى الأخطار الناجمة عن الأفيونيات.

وإزاء هـذا الإدمان الصارخ في وجه المجتمع من جراء زيادة عدد الوفيات، لا بد لنا من الإشارة إلى عدد من المواد المؤتلفة، مع حياتنا اليومية، والتي يؤدي استعمالها اليومي إلى نوع من الإدمان أو الاستعباد الغاشم؛ وقد ينجم عنها انعكاسات نفسية وجسمية بالغة الخطورة. من هـذه المركبات نذكر المشروبات الغولية (الخمور) والتبغ، والقهوة والشاي التي يظنها بعضهم عديمة التأثير عمليا لدى كثير من الأشخاص الذين يتناولونها باعتدال؛ إلا أنها في الواقع سموم خطيرة تنخر في جسم المجتمعات كما تنخر دابة الأرض في العصا؛ فلا تترك عضوا من أعضاء البدن إلا وتفعل فيه إضعافا وتخريبا. يقول رئيس قسم الأمراض النفسية بجامعة لندن: (إن الغول (الكحول) هـو السم الوحيد المرخص بتداوله على نطاق واسع في العالم كله [1] ، ويجده تحت يده كل من يريد أن يهرب من مشاكله، ولذا يتناوله بكثرة كل مضطربي الشخصية، ويؤدي هـو إلى اضطراب الشخصية ومرضها. أما الجرعة الواحدة من الغول، فقد تسبب التسمم وتؤدي: إما إلى الهيجان؛ أو إلى الغيبوبة. والمدمنون على شرب الخمر غالبا ما يتعرضون للتحلل الأخلاقي الكامل المترافق مع الجنون) . [ ص: 20 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية