[ ص: 379 ] مسألة قال : ( ولا تصح الهبة والصدقة فيما يكال أو يوزن إلا بقبضه ) وجملة ذلك أن الهبة والصدقة والهدية والعطية معانيها متقاربة ، وكلها تمليك في الحياة بغير عوض ، واسم العطية شامل لجميعها ، وكذلك الهبة . والصدقة والهدية متغايران ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة . وقال في اللحم الذي تصدق به على بريرة : { } هو عليها صدقة ، ولنا هدية
فالظاهر أن من أعطى شيئا ينوي به إلى الله تعالى للمحتاج ، فهو صدقة . ومن دفع إلى إنسان شيئا للتقرب إليه ، والمحبة له ، فهو هدية . وجميع ذلك مندوب إليه ، ومحثوث عليه ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { } . وأما الصدقة ، فما ورد في فضلها أكثر من أن يمكننا حصره ، وقد قال الله تعالى : { تهادوا تحابوا إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم }
إذا ثبت هذا ، فإن . وهو قول أكثر الفقهاء منهم ; المكيل والموزون لا تلزم فيه الصدقة والهبة إلا بالقبض النخعي والثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة وقال والشافعي ، مالك : يلزم ذلك بمجرد العقد ; لعموم قوله عليه السلام : { وأبو ثور } . ولأنه إزالة ملك بغير عوض ، فلزم بمجرد العقد ، كالوقف والعتق العائد في هبته ، كالعائد في قيئه
وربما قالوا : تبرع ، فلا يعتبر فيه القبض ، كالوصية والوقف . ولأنه عقد لازم ينقل الملك ، فلم يقف لزومه على القبض كالبيع . ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن ما قلناه مروي عن أبي بكر رضي الله عنهما ، ولم يعرف لهما في الصحابة مخالف ، فروى وعمر عروة ، عن رضي الله عنها ، أن عائشة رضي الله عنه ، نحلها جذاذ عشرين وسقا من ماله بالعالية فلما مرض ، قال : يا بنية ، ما أحد أحب إلي غنى بعدي منك ، ولا أحد أعز علي فقرا منك وكنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا ، ووددت أنك حزتيه أو قبضتيه ، وهو اليوم مال الوارث أخواك وأختاك ، فاقتسموا على كتاب الله عز وجل . أبا بكر
وروى عن ابن عيينة ، عن الزهري ، عروة ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري
أن ، قال : ما بال أقوام ينحلون أولادهم ، فإذا مات أحدهم ، قال : مالي وفي يدي . وإذا مات هو ، قال : كنت نحلته ولدي ؟ لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد ، فإن مات ورثه وروى عمر بن الخطاب أن الوالد يحوز لولده إذا كانوا صغارا . قال عثمان المروذي : اتفق أبو بكر وعمر وعثمان ، أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة . ولأنها هبة غير مقبوضة ، فلم تلزم ، كما لو مات قبل أن يقبض ، فإن وعلي يقول : لا يلزم الورثة التسليم ، والخبر محمول على المقبوض ، ولا يصح القياس على الوقف والوصية والعتق . مالكا
لأن [ ص: 380 ] الوقف إخراج ملك إلى الله تعالى ، فخالف التمليكات ، والوصية تلزم في حق الوارث ، والعتق إسقاط حق وليس بتمليك ، ولأن الوقف والعتق لا يكون في محل النزاع في المكيل والموزون .
( 4439 ) فصل : وقول ( لا يصح ) . يحتمل أن يريد لا يلزم . ويحتمل أن يريد لا يثبت بها الملك قبل القبض ، فإن حكم الملك حكم الهبة ، والصحة اعتبار الشيء في حق حكمه . وأما الصحة بمعنى انعقاد اللفظ بحيث إذا انضم إليه القبض اعتبر وثبت حكمه ، فلا يصح حمل لفظه على نفيه ، لعدم الخلاف فيه ، ولأنه قال في سياق المسألة : " كما يصح في البيع " الخرقي
وقد تقرر في البيع أن بيع المكيل والموزون صحيح قبل القبض ، وإنما ينتفي الضمان وإطلاقه في التصرفات . وقوله : " ما يكال وما يوزن " ظاهره العموم في كل موزون ومكيل ، وخصه أصحابنا المتأخرون بما ليس بمتعين فيه ، كالقفيز من صبرة ، والرطل من زبدة . وقد ذكرنا ذلك في البيع ، ورجحنا العموم .