[ ص: 348 ] كتاب الوقوف والعطايا الوقوف : جمع وقف ، يقال منه : وقفت وقفا . ولا يقال : أوقفت . إلا في شاذ اللغة ، ويقال : حبست وأحبست . وبه جاء الحديث : { } . والعطايا : جمع عطية ، مثل خلية وخلايا ، وبلية وبلايا . إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها . ومعناه : تحبيس الأصل ، وتسبيل الثمرة والوقف مستحب
والأصل فيه ما روى ، قال : { عبد الله بن عمر أرضا عمر بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال : يا رسول الله ، إني أصبت أرضا بخيبر ، لم أصب قط مالا أنفس عندي منه ، فما تأمرني فيها ؟ فقال : إن شئت حبست أصلها ، وتصدقت بها ، غير أنه لا يباع أصلها ، ولا يبتاع ، ولا يوهب ، ولا يورث . قال : فتصدق بها في الفقراء ، وذوي القربى ، والرقاب ، وابن السبيل ، والضيف ، لا جناح على من وليها أن يأكل منها ، أو يطعم صديقا بالمعروف ، غير متأثل فيه ، أو غير متمول فيه عمر } متفق عليه . أصاب
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } . قال إذا مات ابن آدم ، انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به من بعده ، أو ولد صالح يدعو له الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وأكثر أهل العلم من السلف ومن بعدهم على القول بصحة الوقف
قال : لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف . ولم ير جابر الوقف ، وقال : لا حبس عن فرائض الله . قال شريح : وهذا مذهب أهل أحمد الكوفة . وذهب إلى أن الوقف لا يلزم بمجرده ، وللواقف الرجوع فيه ، إلا أن يوصي به بعد موته ، فيلزم ، أو يحكم بلزومه حاكم أبو حنيفة
وحكاه بعضهم عن ، علي ، وابن مسعود . وخالفه صاحباه ، فقالا كقول سائر أهل العلم . واحتج بعضهم بما روي { وابن عباس ، صاحب الأذان ، جعل حائطه صدقة ، وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبواه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : يا رسول الله ، لم يكن لنا عيش إلا هذا الحائط . فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ماتا ، فورثهما عبد الله بن زيد } . رواه أن المحاملي في " أماليه " ، ولأنه أخرج ماله على وجه القربة من ملكه ، فلم يلزم بمجرد القول ، كالصدقة
وهذا القول يخالف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة رضي الله عنهم ، { في وقفه : لا يباع أصلها ، ولا يبتاع ، ولا يوهب ، ولا يورث لعمر } . قال فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال الترمذي : العمل على هذا الحديث عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، لا نعلم بين أحد من المتقدمين منهم في ذلك اختلافا . قال الحميدي : تصدق رضي الله عنه بداره على ولده ، أبو بكر بربعه عند وعمر المروة على ولده برومة ، وتصدق وعثمان بأرضه علي بينبع ، وتصدق بداره الزبير بمكة وداره بمصر وأمواله بالمدينة على ولده ، وتصدق بداره سعد بالمدينة وداره بمصر على ولده ، بالوهط وداره وعمرو بن العاص بمكة على [ ص: 349 ] ولده ، بداره وحكيم بن حزام بمكة والمدينة على ولده ، فذلك كله إلى اليوم .
وقال : لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف . وهذا إجماع منهم ، فإن الذي قدر منهم على الوقف وقف ، واشتهر ذلك ، فلم ينكره أحد ، فكان إجماعا ، ولأنه إزالة ملك يلزم بالوصية ، فإذا نجزه حال الحياة لزم من غير حكم ، كالعتق . جابر
وحديث إن ثبت ، فليس فيه ذكر الوقف ، والظاهر أنه جعله صدقة غير موقوف ، استناب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى والديه أحق الناس بصرفها إليهما ، ولهذا لم يردها عليه ، إنما دفعها إليهما . ويحتمل أن الحائط كان لهما ، وكان هو يتصرف فيه بحكم النيابة عنهما ، فتصرف بهذا التصرف بغير إذنهما ، فلم ينفذاه ، وأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فرده إليهما . والقياس على الصدقة لا يصح ; لأنها تلزم في الحياة بغير حكم حاكم ، وإنما تفتقر إلى القبض ، والوقف لا يفتقر إليه ، فافترقا . عبد الله بن زيد