( 1743 ) مسألة : قال : وروى ( ولا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ) أبو عبد الله بن ماجه ، في " السنن " بإسناده عن عمرة عن قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { عائشة ، } . : لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول
وهذا اللفظ غير مبقى على عمومه ، فإن الأموال الزكاتية خمسة : السائمة من بهيمة الأنعام ، والأثمان ; وهي الذهب والفضة ، وقيم عروض التجارة ، وهذه الثلاثة الحول شرط في وجوب زكاتها . لا نعلم فيه خلافا ، سوى ما سنذكره في المستفاد . والرابع : ما يكال ويدخر من الزروع والثمار ، والخامس : المعدن . وهذان لا يعتبر لهما حول .
والفرق بين ما اعتبر له الحول وما لم يعتبر له ، أن ما اعتبر له الحول مرصد للنماء ، فالماشية مرصدة للدر والنسل ، وعروض التجارة مرصدة للربح ، وكذا الأثمان ، فاعتبر له الحول ; فإنه مظنة النماء ، ليكون إخراج الزكاة من الربح ، فإنه أسهل وأيسر ، ولأن الزكاة إنما وجبت مواساة ، ولم نعتبر حقيقة النماء لكثرة [ ص: 258 ] اختلافه ، وعدم ضبطه ، ولأن ما اعتبرت مظنته لم يلتفت إلى حقيقته ، كالحكم مع الأسباب ، ولأن الزكاة تتكرر في هذه الأموال ، فلا بد لها من ضابط ، كي لا يفضي إلى تعاقب الوجوب في الزمن الواحد مرات ، فينفد مال المالك .
أما الزروع والثمار ، فهي نماء في نفسها ، تتكامل عند إخراج الزكاة منها ، فتؤخذ الزكاة منها حينئذ ، ثم تعود في النقص لا في النماء ; فلا تجب فيها زكاة ثانية ، لعدم إرصادها للنماء ، والخارج من المعدن مستفاد خارج من الأرض ، بمنزلة الزرع والثمر ، إلا أنه إن كان من جنس الأثمان ، ففيه الزكاة عند كل حول ، لأنه مظنة للنماء ، من حيث إن الأثمان قيم الأموال ، ورأس مال التجارات ، وبهذا تحصل المضاربة والشركة ، وهي مخلوقة لذلك ، فكانت بأصلها وخلقتها ، كمال التجارة المعد لها .
( 1744 ) فصل : انعقد عليه حول الزكاة من حينئذ ، فإذا تم حول وجبت الزكاة فيه ، وإن كان عنده نصاب ، لم يخل المستفاد من ثلاثة أقسام : أحدها ، أن يكون المستفاد من نمائه كربح مال التجارة ونتاج السائمة ، فهذا يجب ضمه إلى ما عنده من أصله ، فيعتبر حوله بحوله . فإن استفاد مالا مما يعتبر له الحول ، ولا مال له سواه ، وكان نصابا ، أو كان له مال من جنسه لا يبلغ نصابا ، فبلغ بالمستفاد نصابا ،
لا نعلم فيه خلافا ; لأنه تبع له من جنسه ، فأشبه النماء المتصل ، وهو زيادة قيمة عروض التجارة ، ويشمل العبد والجارية . الثاني ، أن يكون المستفاد من غير جنس ما عنده ، فهذا له حكم نفسه ، لا يضم إلى ما عنده في حول ولا نصاب ، بل إن كان نصابا استقبل به حولا وزكاه ، وإلا فلا شيء فيه . وهذا قول جمهور العلماء .
وروي عن ابن مسعود وابن عباس أن الزكاة تجب فيه حين استفاده . قال ومعاوية عن غير واحد : يزكيه حين يستفيده . وروى بإسناده عن أحمد قال : كان ابن مسعود ، يعطينا ويزكيه . وعن عبد الله الأوزاعي في من أنه يزكي الثمن حين يقع في يده إلا أن يكون له شهر يعلم ، فيؤخره حتى يزكيه مع ماله . وجمهور العلماء على خلاف هذا القول ; منهم باع عبده أو داره ، أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم . وعلي
قال على هذا جمهور العلماء ، والخلاف في ذلك شذوذ ، ولم يعرج عليه أحد من العلماء ، ولا قال به أحد من أئمة الفتوى . وقد روي عن ابن عبد البر في من أحمد إذا قبض المال يزكيه . وإنما نرى أن باع داره بعشرة آلاف درهم إلى سنة ، قال ذلك ; لأنه ملك الدراهم في أول الحول ، وصارت دينا له على المشتري ، فإذا قبضه زكاه للحول الذي مر عليه في ملكه ، كسائر الديون . أحمد
وقد صرح بهذا المعنى في رواية عن أبيه ، فقال : بكر بن محمد ، زكاها إذا حال عليها الحول ، من حين قبضها ، وإن كانت على المكتري فمن يوم وجبت له فيها الزكاة . بمنزلة الدين إذا وجب له على صاحبه ، زكاة من يوم وجب له . القسم الثالث ، أن يستفيد مالا من جنس نصاب عنده ، قد انعقد عليه حول الزكاة بسبب مستقل ، مثل أن يكون عنده أربعون من الغنم ، مضى عليها بعض الحول ، فيشتري أو يتهب مائة ، فهذا لا تجب فيه الزكاة حتى يمضي عليه حول أيضا . إذا كرى دارا أو عبدا في سنة بألف ، فحصلت له الدراهم وقبضها ،
وبهذا قال وقال الشافعي يضمه إلى ما عنده في الحول ، فيزكيهما جميعا عند تمام حول المال الذي كان عنده ، إلا أن يكون عوضا عن مال مزكى ; لأنه يضم إلى جنسه في النصاب ، فوجب ضمه إليه في [ ص: 259 ] الحول كالنتاج ، ولأنه إذا ضم في النصاب وهو سبب ، فضمه إليه في الحول الذي هو شرط أولى . أبو حنيفة
وبيان ذلك أنه فإن الزكاة تجب فيها إذا تم حولها ، بغير خلاف ، ولولا المائتان ما وجب فيها شيء ، فإذا ضمت إلى المائتين في أصل الوجوب فكذلك في وقته ، ولأن إفراده بالحول يفضي إلى تشقيص الواجب في السائمة ، واختلاف أوقات الواجب ، والحاجة إلى ضبط مواقيت التملك ، ومعرفة قدر الواجب في كل جزء ملكه ، ووجوب القدر اليسير الذي لا يتمكن من إخراجه ، ثم يتكرر ذلك في كل حول ووقت ، وهذا حرج مدفوع بقوله تعالى : { لو كان عنده مائتا درهم ، مضى عليها نصف الحول ، فوهب له مائة أخرى ، وما جعل عليكم في الدين من حرج } .
وقد اعتبر الشرع ذلك بإيجاب غير الجنس فيما دون خمس وعشرين من الإبل ، وجعل الأوقاص في السائمة ، وضم الأرباح والنتاج إلى حول أصلها مقرونا بدفع هذه المفسدة ، فيدل على أنه علة لذلك ، فيجب تعدية الحكم إلى محل النزاع . وقال كقوله في السائمة ; دفعا للتشقيص في الواجب ، وكقولنا في الأثمان ; لعدم ذلك فيها . ولنا ، حديث مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم { عائشة ، } : لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول .
وروى الترمذي ، عن أنه قال : من استفاد مالا ، فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول . وروي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن ابن عمر ، الترمذي قال : الموقوف أصح ، وإنما رفعه عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم ، وهو ضعيف . وقد روي عن أبي بكر الصديق وعلي وابن عمر وعائشة وعطاء وعمر بن عبد العزيز وسالم أنه لا زكاة في المستفاد حتى يحول عليه الحول . والنخعي
ولأنه مملوك أصلا ، فيعتبر فيه الحول شرطا ، كالمستفاد من غير الجنس ، ولا تشبه هذه الأموال الزروع والثمار ، لأنها تتكامل ثمارها دفعة واحدة ، ولهذا لا تتكرر الزكاة فيها ، وهذه نماؤها بنقلها ، فاحتاجت إلى الحول .
وأما الأرباح والنتاج ، فإنما ضمت إلى أصلها ; لأنها تبع له ، ومتولدة منه ، ولم يوجد ذلك في مسألتنا ، وإن سلمنا أن علة ضمها ، ما ذكروه من الحرج ، فلا يوجد ذلك في مسألتنا ; لأن الأرباح تكثر وتتكرر في الأيام والساعات ، ويعسر ضبطها ، وكذلك النتاج ، وقد يوجد ولا يشعر به ، فالمشقة فيه أتم ، لكثرة تكرره ، بخلاف هذه الأسباب المستقلة ، فإن الميراث والاغتنام والاتهاب ونحو ذلك يندر ولا يتكرر ، فلا يشق ذلك فيه ، وإن شق فهو دون المشقة في الأرباح والنتاج ، فيمتنع قياسه عليه .
واليسر فيما ذكرنا أكثر ; لأن الإنسان يتخير بين التأخير والتعجيل ، وما ذكروه يتعين عليه التعجيل ، ولا شك أن التخيير بين شيئين أيسر من تعيين أحدهما ، لأنه مع التخيير ، فيختار أيسرهما عليه ، وأحبهما إليه ، ومع التعيين يفوته ذلك . وأما ضمه إليه في النصاب ، فلأن النصاب معتبر لحصول الغنى ، وقد حصل الغنى بالنصاب الأول ، والحول معتبر ، لاستنماء المال ; ليحصل أداء الزكاة من الربح ، ولا يحصل ذلك بمرور الحول على أصله ، فوجب أن يعتبر الحول له .
( 1745 ) فصل : ويعتبر وجود النصاب في جميع الحول ، فقال فإن نقص الحول نقصا يسيرا ، أبو بكر ثبت ، أن نقص الحول ساعة أو ساعتين معفو عنه . وظاهر كلام القاضي ، أن النقص اليسير في أثناء الحول يمنع ; لأنه قال في من إذا كان النتاج والموت حصلا في وقت واحد لم تسقط الزكاة ; لأن النصاب لم ينقص ، وكذلك إن تقدم النتاج الموت ، وإن تقدم الموت النتاج سقطت الزكاة ; [ ص: 260 ] لأن حكم الحول سقط بنقصان النصاب . له أربعون شاة فماتت منها شاة ونتجت أخرى :
ويحتمل أن كلام أبي بكر أراد به النقص في طرف الحول ، ويحتمل أن أراد بالوقت الواحد الزمن المتقارب ، فلا يكون بين القولين اختلاف . وحكي عن القاضي أن النصاب إذا كمل في طرفي الحول ، لم يضر نقصه في وسطه . ولنا ، أن قول النبي صلى الله عليه وسلم { أبي حنيفة } يقتضي مرور الحول على جميعه ، ولأن ما اعتبر في طرفي الحول اعتبر في وسطه ، كالملك والإسلام . : لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول .
( 1746 ) فصل : فالقول قوله من غير يمين . قال وإذا ادعى رب المال أنه ما حال الحول على المال ، أو لم يتم النصاب إلا منذ شهر ، أو أنه كان في يدي وديعة ، وإنما اشتريته من قريب ، أو قال : بعته في الحول ، ثم اشتريته . أو رد علي ونحو هذا ، مما ينفي وجوب الزكاة ، في رواية أحمد صالح : لا يستحلف الناس على صدقاتهم . فظاهر هذا أنه لا يستحلف وجوبا ولا استحبابا ; وذلك لأن الزكاة عبادة ، فالقول قول من تجب عليه بغير يمين ، كالصلاة والكفارات .