( الشرح ) قوله : ( لأنه عقد معاوضة يوجب الملك ) احترز بالمعاوضة عن الهبة ، فإنها لا تملك بالعقد ، بل بالقبض ، وعن الوصية ( وبقوله ) يوجب الملك عن الكتابة ، فإنها عقد معاوضة لكن لا توجب الملك ، فإن العبد لا يملك نفسه أبدا ، وإنما فائدة عتقه تقدم ملك فيه ( وقوله ) فأشبه عتق المرهون يعني على أصح الأقوال الثلاثة المشهورة فيه ( وقوله ) ثبت للغير فيه حق هذا مما أنكره بعض أهل العربية على الفقهاء وغيرهم ، فقال : لفظة " غير " لا تدخل عليها الألف ، وكذا كل وبعض ، وجوزه آخرون ، [ ص: 254 ] وقد أوضحته في تهذيب الأسماء واللغات .
( أما الأحكام ) فقال أصحابنا : في ملك المبيع في زمن خيار المجلس وخيار الشرط ثلاثة أقوال مشهورة ، ذكرهاالمصنف بدليلها ( أحدها ) أنه ملك للمشتري ينتقل إليه بنفس العقد ويكون الثمن ملكا للبائع ، قال الماوردي : وهذا نصه في باب زكاة الفطر ( والثاني ) أنه باق على ملك البائع ، ولا يملكه المشتري إلا بعد انقضاء الخيار من غير فسخ ، ويكون الثمن باقيا على ملك المشتري ، قال الماوردي : وهذا نصه في الأم ( والثالث ) موقوف ، فإن تم البيع حكمنا بأنه كان ملكا للمشتري بنفس العقد . وإلا فقد بان أن ملك البائع لم يزل . وهكذا يكون الثمن موقوفا على هذا القول ، وفي موضوع الأقوال ثلاثة طرق حكاها المتولي وغيره ( أحدها ) أنه إذا كان الخيار لهما إما بالشرط وإما بالمجلس ( أما ) إذا كان لأحدهما ، فالمبيع على ملكه لأنه ملك التصرف ( والطريق الثاني ) أنه لا خلاف في المسألة ، بل إن كان الخيار للبائع فالملك له ، وإن كان للمشتري فله ، وإن كان لهما فموقوف وتنزل الأقوال على هذه الأحوال ( والثالث ) طرد الأقوال في جميع الأحوال وهو الأصح عند عامة الأصحاب منهم العراقيون والحليمي ، هذا نقل الرافعي .
[ ص: 255 ] وقال إمام الحرمين : طرد الأئمة الأحوال الثلاثة فيه إذا كان لهما أو لأحدهما قال : وقال بعض المحققين : إن كان الخيار لهما ففيه الأقوال ، وإن كان الخيار للمشتري فالأصح أن الملك له وإن كان الخيار للبائع ( فالأصح ) أن المبيع باق على ملكه ، قال الإمام : وكان شيخي يقول : يتجه أن يجعل ذلك قولا رابعا . واختلف أصحابنا في الأصح من هذه الأقوال ، فصححت طائفة القول بأن المشتري يملك بنفس العقد ، ومنهم الشيخ أبو حامد والماوردي والقاضي أبو الطيب وإمام الحرمين وغيرهم ، وبه قطع المحاملي في المقنع ، وسليم الرازي في الكفاية ، والجرجاني في التحرير وهو مذهب ، وصححت طائفة قول الوقف ، ممن صححه أحمد البغوي ، وصححت طائفة التفصيل فقالوا : إن كان الخيار للبائع ، فالأصح أن الملك له ، وإن كان الخيار للمشتري وحده فالأصح أن الملك له . وإن كان لهما فالأصح أنه موقوف ، وممن صحح هذا التفصيل ، وحكاه عنه القفال الروياني في البحر ، وأشار إلى موافقته وصححه أيضا صاحب البيان والرافعي في كتابيه الشرح الكبير والمحرر ، وقطع به الروياني في الحلية ، والله أعلم .
( التفريع ) قال أصحابنا - رحمهم الله - : لهذه الأقوال فروع كثيرة منها ما يذكر في أبوابه ، ومنها ما يذكر هنا ( فمنها ) ، فإن تم البيع فهو للمشتري ( إن قلنا ) الملك له أو موقوف ( وإن قلنا ) الملك للبائع فوجهان ( أصحهما ) وبه قال الجمهور : الكسب للبائع ، لأن الملك له عند حصوله ، وقال كسب العبد والأمة المبيعين في زمن الخيار : هو للمشتري واستدل له أبو علي الطبري المتولي وغيره بأن سبب زوال ملك البائع موجود حال الزيادة .
فلم يجعل لها حكم ، وجعلت تابعة للعين ، وكان لمن استقر ملك العين له ، وإن فسخ البائع فهو للبائع " إن قلنا : " الملك له أو موقوف ( وإن قلنا ) للمشتري فوجهان مشهوران ( أصحهما ) للمشتري ( والثاني ) [ ص: 256 ] للبائع ، وبه قال قال أبو إسحاق المروزي المتولي هما مبنيان على أن الفسخ يرفع العقد من حينه أو من أصله ، وفيه وجهان مشهوران في كتب الخراسانيين ( أصحهما ) من حينه ( والثاني ) من أصله ( فإن قلنا ) من حينه فهو للمشتري ، وإلا فللبائع قال أصحابنا : وفي معنى الكسب ، اللبن والشعر والثمرة ومهر الجارية إذا وطئت بشبهة أو أكرهت على الزنا وكون الجميع حكم كسب العبد على التفصيل والخلاف .
( ومنها ) النتاج ، فإن لامتداد المجلس فهو كالكسب ، وإن كانت الجارية أو البهيمة حاملا عند البيع وولدت في زمن الخيار بني على أن الحمل هل له حكم ؟ وهل يأخذ قسطا من الثمن ؟ وفيه قولان مشهوران ذكرهما وجد حدوث الولد وانفصاله في مدة الخيار المصنف بعد هذا بدليلهما ( أحدهما ) لا كالأعضاء ، فعلى هذا هو كالكسب كما سبق بلا فرق وأصحهما له قسط كما لو بيع بعد الانفصال مع الأم فعلى هذا يكون الحمل مع الأم كعينين بيعتا معا ، فإن فسخ البيع فهما للبائع وإلا فللمشتري ( ومنها ) العتق فإذا لهما أو للبائع وحده نفذ إعتاقه على كل قول ، وهذا لا خلاف فيه ، ودليله ما ذكره أعتق البائع العبد المبيع في زمن الخيار المشروط المصنف وإن أعتقه المشتري ( فإن قلنا ) الملك للبائع لم ينفذ إن فسخ البيع قطعا ، وكذا إن تم على أصح الوجهين ، وهو المنصوص لما ذكره المصنف ( وإن قلنا : ) موقوف ، فالعتق أيضا موقوف ، فإن تم البيع بان نفوذه وإلا فلا ( وإن قلنا : ) الملك للمشتري ففي نفوذ العتق وجهان ( أصحهما ) وهو ظاهر النص لا ينفذ صيانة لحق البائع على الاتصال ( والثاني ) ينفذ ، وبه قال ابن سريج ، وعلى هذا وجهان ( أصحهما ) وبه قطع المصنف أنه إنما ينفذ إذا كان موسرا بقيمته ، فإن كان معسرا فلا ، كالموهوب على أصح الأقوال ( والثاني ) ينفذ موسرا كان أو معسرا ( فإن [ ص: 257 ] قلنا : ) لا ينفذ فاختار البائع الإجازة ففي الحكم بنفوذه الآن وجهان ( أصحهما ) لا ينفذ ( فإن قلنا : ) ينفذ فهل من وقت الإجازة ؟ أم من وقت الإعتاق ؟ فيه وجهان ( أصحهما ) من وقت الإجازة ( وإن قلنا ) بقول ابن سريج ففي بطلان خيار البائع وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أحدهما ) يبطل وليس له إلا الثمن ( وأصحهما ) لا يبطل لكن لا يرد العتق ، بل إذا فسخ أخذ قيمة العبد كنظيره في الرد بالعيب .
فعلى هذا إن فالقول قول المشتري ، لأنه غارم ، هذا كله إذا كان الخيار لهما أو للبائع . اختلفا في قيمة العبد وتعذرت معرفتها لموته أو غيبته ونحو ذلك
( أما ) إذا كان للمشتري وحده فينفذ إعتاقه على جميع الأقوال بلا خلاف لأنه إما مصادف ملكه ، وإما إجازة ، وليس فيه إبطال حق لغيره ، وإن أعتقه البائع وكان الخيار للمشتري وحده ( فإن قلنا : ) الملك للمشتري لم ينفذ سواء تم البيع أو فسخ ، وفيما إذا فسخ الوجه الشاذ السابق الناظر إلى المال .
( وإن قلنا : ) موقوف لم ينفذ إن تم البيع وإلا فينفذ ( وإن قلنا : ) الملك للبائع فإن انفسخ العقد بطل العتق وإلا فقد أعتق ، تبينا ثبوت الاستيلاد وإلا فلا ، فلو ملكها بعد ذلك عاد القولان ، وعلى قولنا : الملك للمشتري في ثبوت الاستيلاد الخلاف السابق في العتق ، فإن لم يثبته في الحال وتم البيع تبينا ثبوته ، ورتب الخراسانيون الخلاف في الاستيلاد على الخلاف في العتق ، ثم اختلفوا فقيل : الاستيلاد أولى بالثبوت وقيل عكسه ، قال إمام الحرمين : ولا تبعد التسوية ، قال أصحابنا : والقول في وجوب قيمة الولد على المشتري كالقول في ملكه الذي تعلق به حق لازم ، فهو كإعتاق المرهون والله أعلم .