الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف - رحمه الله تعالى ( والمستحب nindex.php?page=treesubj&link=22630_25973أن يغسل فوق المرفقين وفوق الكعبين لقوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=16580تأتي أمتي يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ، فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل } ) .
( الشرح ) هذا الحديث رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم عن نعيم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=19074رأيت nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ، ثم غسل اليسرى حتى أشرع في العضد ، ثم مسح رأسه ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق ، ثم اليسرى حتى أشرع في الساق ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ } .
وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=7032أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء ، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله } ، هذا لفظ رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وعن nindex.php?page=showalam&ids=11973أبي حازم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=29224كنت خلف nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه وهو يتوضأ للصلاة فكان يمر يده حتى تبلغ إبطيه فقلت : يا nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة ما هذا الوضوء ؟ فقال : سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول : تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بلفظه هنا ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بمعناه في أواخر الكتاب في كتاب اللباس في إتلاف الصور ، وفيه التصريح ببلوغ nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه بالماء إبطيه وعن نعيم { nindex.php?page=hadith&LINKID=7485أنه رأى nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة رضي الله عنه يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين ثم غسل رجليه حتى رفع إلى [ ص: 458 ] الساقين ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، والغرة بياض في وجه الفرس ، والتحجيل في يديه ورجليه ، ومعنى الحديث يأتون بيض الوجوه والأيدي والأرجل . أما حكم المسألة فاتفق أصحابنا على استحباب غسل ما فوق المرفقين والكعبين ، ثم إن جماعة منهم أطلقوا استحباب ذلك ولم يحدوا غاية الاستحباب بحد كما أطلقه المصنف - رحمه الله - ، وقال جماعة : يستحب إلى نصف الساق والعضد ، وقال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=14958حسين وآخرون : يبلغ به الإبط والركبة ، وقال البغوي : نصف العضد فما فوقه ونصف الساق فما فوقه والله أعلم .
( فرع ) اختلفت عبارات الأصحاب في nindex.php?page=treesubj&link=22630المراد بتطويل الغرة ، فظاهر كلام المصنف - رحمه الله - أنها في اليدين والرجلين ، وكذا قاله إمام الحرمين رحمه الله في كتابه الأساليب في الخلاف في مسألة تكرار مسح الرأس ، ثم في مسألة مسح الأذنين ، وصاحب العدة وغيرهما ، وقال الغزالي - رحمه الله - : إذا قطعت يده فوق المرفق استحب إمساس الماء ما بقي من عضده ، فإن تطويل الغرة مستحب ، وهذا مما أنكر على الغزالي لتصريحه بأن الغرة تكون في اليد ، ولا خلاف عند أهل اللغة وغيرهم في أن الغرة مختصة بالوجه .
وقال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=14958حسين في تعليقه : إسباغ الوضوء سنة وإطالة للغرة ، وهو أن يستوعب جميع الوجه بالغسلة حتى يغسل جزءا من رأسه ، ويغسل اليدين إلى المنكبين ، والرجلين إلى الركبتين .
وقال المتولي : تطويل الغرة سنة ، وهو أن يغسل بعض مقدم رأسه مع الوجه ، وتطويل التحجيل سنة ، وهو أن يغسل بعض العضد مع المرفق وبعض الساق مع القدم .
وقال الرافعي - رحمه الله - : اختلف الأصحاب في ذلك ففرق بعضهم بين الغرة والتحجيل فقالوا : تطويل الغرة غسل مقدمات الرأس مع الوجه وكذا صفحة العنق ، وتطويل التحجيل غسل بعض العضد والساق وغايته استيعاب العضد والساق ، قال : وفسر كثيرون تطويل الغرة بغسل شيء من العضد والساق ، وأعرضوا عما حوالي الوجه ، قال : والأول أولى وأوفق لظاهر [ ص: 459 ] الحديث .
وقال الرافعي في موضع آخر عند استحباب غسل باقي العضد بعد القطع : إن قيل : كيف قال الغزالي يغسل الباقي لتطويل الغرة ، والغرة إنما هي في الوجه والذي في اليد التحجيل ؟ قلنا : تطويل الغرة والتحجيل نوع واحد من السنن ، فيجوز أن يكون قوله لتطويل الغرة إشارة إلى النوع ، على أن أكثرهم لا يفرقون بينهما ويطلقون تطويل الغرة في اليد ، قال : ورأيت بعضهم احتج عليه بقوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=24868فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل } وإنما يمكن الإطالة في اليد ; لأن الوجه يجب استيعابه ، قال الرافعي : وهذا الاحتجاج ليس بشيء ; لأن الإطالة في الوجه أن يغسل إلى اللبة وصفحة العنق وهو مستحب نص عليه الأئمة ، هذا كلام الرافعي .
قلت : الصحيح أن الغرة غير التحجيل لقوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=24868فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله } فهذا صريح في المغايرة بينهما ، ورواية الاقتصار على الغرة لا تخالف هذا ; لأن في هذا زيادة ، وزيادة الثقة مقبولة ، ولأنه قد يطلق أحد القرينين ويكون الآخر مرادا كقوله تعالى - : { nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81سرابيل تقيكم الحر } أي : والبرد ، وإذا ثبت تغايرهما فأحسن ما فيه ما قدمناه عن المتولي والرافعي ، ومرادهما غسل جزء يسير من الرأس وما يلاصق الوجه من صفحة العنق ، وهذا غير الجزء الواجب الذي لا يتم غسل الوجه إلا به .
( فرع ) هذا الذي ذكرناه من استحباب غسل ما فوق المرفقين والكعبين هو مذهبنا لا خلاف فيه بين أصحابنا ، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة كما سبق .
وقال أبو الحسن بن بطال المالكي في شرح صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : هذا الذي قاله nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة لم يتابع عليه ، والمسلمون مجمعون على أن الوضوء لا يتعدى به ما حد الله ورسوله ولم يجاوز رسول الله صلى الله عليه وسلم قط مواضع الوضوء فيما بلغنا ، وهذا الذي قاله ابن بطال من الإنكار على nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة خطأ ; لأن nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة لم يفعله من تلقاء نفسه ، بل أخبر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك كما قدمناه عنه ، ولأن تفسير الراوي إذا لم يخالف الظاهر يجب قبوله على المذهب الصحيح لأهل الأصول ، وأما نقله الإجماع فلا يقبل مع خلاف nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وأصحابنا ، وأما كون أكثر [ ص: 460 ] العلماء لم يذكروه ولم يقولوا به فلا يمنع كونه سنة بعد صحة الأحاديث فيه ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر : { nindex.php?page=hadith&LINKID=38830فمن زاد على هذا فقد أساء } فالمراد زاد في العدد فغسل أكثر من ثلاث مرات ، كما سنوضحه قريبا إن شاء الله - تعالى - والله أعلم .