أما
nindex.php?page=treesubj&link=28900قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210وإلى الله ترجع الأمور ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : من المجسمة من قال : كلمة "إلى" لانتهاء الغاية ، وذلك يقتضي أن يكون الله تعالى في مكان ينتهى إليه يوم القيامة ، أجاب أهل التوحيد عنه من وجهين :
الأول :
nindex.php?page=treesubj&link=30364أنه تعالى ملك عباده في الدنيا كثيرا [ ص: 186 ] من أمور خلقه فإذا صاروا إلى الآخرة فلا مالك للحكم في العباد سواه كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=19والأمر يومئذ لله ) [الانفطار : 19] وهذا كقولهم : رجع أمرنا إلى الأمير إذا كان هو يختص بالنظر فيه ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=42وإلى الله المصير ) [النور : 42] مع أن الخلق الساعة في ملكه وسلطانه .
الثاني : قال
أبو مسلم : إنه تعالى قد ملك كل أحد في دار الاختبار والبلوى أمورا امتحانا فإذا انقضى أمر هذه الدار ووصلنا إلى دار الثواب والعقاب كان الأمر كله لله وحده وإذا كان كذلك فهو أهل أن يتقى ويطاع ، ويدخل في السلم كما أمر ، ويحترز عن خطوات الشيطان كما نهى .
المسألة الثانية : قرأ
ابن كثير وأبو عمرو وعاصم "ترجع" بضم التاء على معنى ترد ، يقال : رجعته أي رددته ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=50ولئن رجعت إلى ربي ) [فصلت : 50] وفي موضع آخر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=36ولئن رددت إلى ربي ) [الكهف : 36] وفي موضع آخر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=62ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ) [الأنعام : 62] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=99رب ارجعون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=100لعلي أعمل صالحا ) [المؤمنون : 99] أي ردني ، وقرأ
ابن عامر وحمزة والكسائي "ترجع" بفتح التاء أي تصير ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=53ألا إلى الله تصير الأمور ) [الشورى : 53] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=25إن إلينا إيابهم ) [الغاشية : 25] (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48إلى الله مرجعكم ) [المائدة : 48] .
قال
القفال رحمه الله : والمعنى في القراءتين متقارب ، لأنها ترجع إليه جل جلاله ، وهو جل جلاله يرجعها إلى نفسه بإفناء الدنيا وإقامة القيامة ، ثم قال : وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210ترجع الأمور ) بضم التاء ثلاث معان :
أحدها : هذا الذي ذكرناه ، وهو أنه جل جلاله يرجعها كما قال في هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210وقضي الأمر ) وهو قاضيها .
والثاني : أنه على مذهب العرب في قولهم : فلان يعجب بنفسه ، ويقول الرجل لغيره : إلى أين يذهب بك ، وإن لم يكن أحد يذهب به .
والثالث : أن ذوات الخلق وصفاتهم لما كانت شاهدة عليهم بأنهم مخلوقون محدثون محاسبون ، وكانوا رادين أمرهم إلى خالقهم ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210ترجع الأمور ) أي يردها العباد إليه وإلى حكمه بشهادة أنفسهم ، وهو كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=1يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض ) [الجمعة : 1] فإن هذا التسبيح بحسب شهادة الحال ، لا بحسب النطق باللسان ، وعليه يحمل أيضا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=15ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها ) [الرعد : 15] قيل : إن المعنى يسجد له المؤمنون طوعا ، ويسجد له الكفار كرها بشهادة أنفسهم بأنهم عبيد الله ، فكذا يجوز أن يقال : إن العباد يردون أمورهم إلى الله ، ويعترفون برجوعها إليه ، أما المؤمنون فبالمقال ، وأما الكفار فبشهادة الحال .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28900قَوْلُهُ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : مِنَ الْمُجَسِّمَةِ مَنْ قَالَ : كَلِمَةُ "إِلَى" لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَكَانٍ يُنْتَهَى إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَجَابَ أَهْلُ التَّوْحِيدِ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30364أَنَّهُ تَعَالَى مَلَّكَ عِبَادَهُ فِي الدُّنْيَا كَثِيرًا [ ص: 186 ] مِنْ أُمُورِ خَلْقِهِ فَإِذَا صَارُوا إِلَى الْآخِرَةِ فَلَا مَالِكَ لِلْحُكْمِ فِي الْعِبَادِ سِوَاهُ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=19وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) [الِانْفِطَارِ : 19] وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ : رَجَعَ أَمْرُنَا إِلَى الْأَمِيرِ إِذَا كَانَ هُوَ يَخْتَصُّ بِالنَّظَرِ فِيهِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=42وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) [النُّورِ : 42] مَعَ أَنَّ الْخَلْقَ السَّاعَةَ فِي مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ .
الثَّانِي : قَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ : إِنَّهُ تَعَالَى قَدْ مَلَّكَ كُلَّ أَحَدٍ فِي دَارِ الِاخْتِبَارِ وَالْبَلْوَى أُمُورًا امْتِحَانًا فَإِذَا انْقَضَى أَمْرُ هَذِهِ الدَّارِ وَوَصَلْنَا إِلَى دَارِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ كَانَ الْأَمْرُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ أَهْلٌ أَنْ يُتَّقَى وَيُطَاعَ ، وَيَدْخُلَ فِي السِّلْمِ كَمَا أَمَرَ ، وَيَحْتَرِزَ عَنْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ كَمَا نَهَى .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ "تُرْجَعُ" بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى مَعْنَى تَرِدُ ، يُقَالُ : رَجَعْتُهُ أَيْ رَدَدْتُهُ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=50وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي ) [فُصِّلَتْ : 50] وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=36وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي ) [الْكَهْفِ : 36] وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=62ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ) [الْأَنْعَامِ : 62] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=99رَبِّ ارْجِعُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=100لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ) [الْمُؤْمِنُونَ : 99] أَيْ رُدَّنِي ، وَقَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ "تَرْجِعُ" بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ تَصِيرُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=53أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ) [الشُّورَى : 53] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=25إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ) [الْغَاشِيَةِ : 25] (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ ) [الْمَائِدَةِ : 48] .
قَالَ
الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَالْمَعْنَى فِي الْقِرَاءَتَيْنِ مُتَقَارِبٌ ، لِأَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَيْهِ جَلَّ جَلَالُهُ ، وَهُوَ جَلَّ جَلَالُهُ يُرْجِعُهَا إِلَى نَفْسِهِ بِإِفْنَاءِ الدُّنْيَا وَإِقَامَةِ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ قَالَ : وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) بِضَمِّ التَّاءِ ثَلَاثُ مَعَانٍ :
أَحَدُهَا : هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، وَهُوَ أَنَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ يُرْجِعُهَا كَمَا قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210وَقُضِيَ الْأَمْرُ ) وَهُوَ قَاضِيهَا .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ عَلَى مَذْهَبِ الْعَرَبِ فِي قَوْلِهِمْ : فُلَانٌ يُعْجَبُ بِنَفْسِهِ ، وَيَقُولُ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ : إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ بِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَذْهَبُ بِهِ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ ذَوَاتِ الْخُلُقِ وَصِفَاتِهِمْ لَمَّا كَانَتْ شَاهِدَةً عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ مُحْدَثُونَ مُحَاسَبُونَ ، وَكَانُوا رَادِّينَ أَمْرَهُمْ إِلَى خَالِقِهِمْ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) أَيْ يَرُدُّهَا الْعِبَادُ إِلَيْهِ وَإِلَى حُكْمِهِ بِشَهَادَةِ أَنْفُسِهِمْ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=1يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) [الْجُمُعَةِ : 1] فَإِنَّ هَذَا التَّسْبِيحَ بِحَسَبِ شَهَادَةِ الْحَالِ ، لَا بِحَسَبِ النُّطْقِ بِاللِّسَانِ ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ أَيْضًا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=15وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا ) [الرَّعْدِ : 15] قِيلَ : إِنَّ الْمَعْنَى يَسْجُدُ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ طَوْعًا ، وَيَسْجُدُ لَهُ الْكُفَّارُ كَرْهًا بِشَهَادَةِ أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّهُمْ عَبِيدُ اللَّهِ ، فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ الْعِبَادَ يَرُدُّونَ أُمُورَهُمْ إِلَى اللَّهِ ، وَيَعْتَرِفُونَ بِرُجُوعِهَا إِلَيْهِ ، أَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَبِالْمَقَالِ ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَبِشَهَادَةِ الْحَالِ .