[ ص: 179 ] (
إحدى وعشرون آية مكية سورة الليل )
بسم الله الرحمن الرحيم
( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى )
( سورة الليل ) قال القفال رحمه الله : نزلت هذه السورة في أبي بكر وإنفاقه على المسلمين ، وفي أمية بن خلف وبخله وكفره بالله ، إلا أنها وإن كانت كذلك لكن معانيها عامة للناس ، ألا ترى أن الله تعالى قال : ( إن سعيكم لشتى ) ، وقال : ( فأنذرتكم نارا تلظى ) ويروى عن علي عليه السلام أنه قال : " فكل ميسر لما خلق له " ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدنا حوله ، فقال : ما منكم نفس منفوسة إلا وقد علم الله مكانها من الجنة والنار ، فقلنا : يا رسول الله أفلا نتكل ؟ فقال : اعملوا فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ) فبان بهذا الحديث عموم هذه السورة .
بسم الله الرحمن الرحيم ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى )
اعلم أنه تعالى أقسم بالليل الذي يأوي فيه كل حيوان إلى مأواه ويسكن الخلق عن الاضطراب ويغشاهم النوم الذي جعله الله راحة لأبدانهم وغذاء لأرواحهم ، ثم أقسم بالنهار إذا تجلى ; لأن النهار إذا جاء انكشف بضوئه ما كان في الدنيا من الظلمة ، وجاء الوقت الذي يتحرك فيه الناس لمعاشهم وتتحرك الطير من أوكارها والهوام من مكامنها ، فلو كان الدهر كله ليلا لتعذر المعاش ولو كان كله نهارا لبطلت الراحة ، لكن على ما قال سبحانه : ( المصلحة كانت في تعاقبهما وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة ) [ الفرقان : 62 ] ، ( وسخر لكم الليل والنهار ) [ النحل : 12 ] أما قوله : ( والليل إذا يغشى ) فاعلم أنه تعالى لم يذكر مفعول يغشى ، فهو إما الشمس من قوله : ( والليل إذا يغشاها ) [ الشمس : 4 ] وإما النهار من قوله : ( يغشي الليل النهار ) [ الأعراف : 54 ] وإما كل شيء يواريه بظلامه من قوله : ( إذا وقب ) [ الفلق : 3 ] وقوله : ( والنهار إذا تجلى ) أي ظهر بزوال ظلمة الليل ، أو ظهر وانكشف بطلوع الشمس .
وقوله تعالى : ( وما خلق الذكر والأنثى )
وفيه مسائل : [ ص: 180 ]
المسألة الأولى : في تفسيره وجوه :
أحدها : أي والقادر العظيم القدرة الذي قدر على ، وقيل : هما خلق الذكر والأنثى من ماء واحد آدم وحواء .
وثانيها : أي وخلقه الذكر والأنثى .
وثالثها : " ما " بمعنى " من " أي ومن خلق الذكر والأنثى ، أي والذي خلق الذكر والأنثى .
المسألة الثانية : قرأ النبي صلى الله عليه وسلم " والذكر والأنثى " وقرأ ابن مسعود : " والذي خلق الذكر والأنثى " وعن الكسائي : " وما خلق الذكر والأنثى " بالجر ، ووجهه أن يكون معنى : " وما خلق " أي : وما خلقه الله تعالى ، أي : ومخلوق الله ، ثم يجعل الذكر والأنثى بدلا منه ، أي : ومخلوق الله الذكر والأنثى ، وجاز إظهار اسم الله لأنه معلوم أنه لا خالق إلا هو .
المسألة الثالثة : يتناول القسم بجميع ذوي الأرواح الذين هم أشرف المخلوقات ; لأن كل حيوان فهو إما ذكر أو أنثى ، والخنثى فهو في نفسه لا بد وأن يكون إما ذكرا أو أنثى ، بدليل أنه لو حلف بالطلاق أنه لم يلق في هذا اليوم لا ذكرا ولا أنثى ، وكان قد لقي خنثى فإنه يحنث في يمينه . القسم بالذكر والأنثى