( ولا يخاف عقباها )
أما ولا يخاف عقباها ) ففيه وجوه : قوله تعالى : (
أولها : أنه كناية عن الرب تعالى إذ هو أقرب المذكورات ، ثم اختلفوا فقال بعضهم : لا يخاف تبعة في العاقبة إذ العقبى والعاقبة سواء ، كأنه بين أنه تعالى يفعل ذلك بحق . وكل ما فعل ما يكون حكمة وحقا فإنه لا يخاف عاقبة فعله ، وقال بعضهم : ذكر ذلك لا على وجه التحقيق لكن على وجه التحقير لهذا الفعل ، أي : هو أهون من أن تخشى فيه عاقبة ، والله تعالى يجل أن يوصف بذلك ، ومنهم من قال : المراد منه التنبيه على أنه بالغ في التعذيب ، فإن كل ملك يخشى عاقبة فإنه يتقي بعض الاتقاء ، والله تعالى لما لم يخف شيئا من العواقب ، لا جرم ما اتقى شيئا .
وثانيها : أنه كناية عن صالح الذي هو الرسول أي : ولا يخاف صالح عقبى هذا العذاب الذي ينزل بهم وذلك كالوعد لنصرته ودفع المكاره عنه لو حاول محاول أن يؤذيه لأجل ذلك .
وثالثها : المراد أن ذلك الأشقى الذي هو أحيمر ثمود فيما أقدم من عقر الناقة ( ولا يخاف عقباها ) وهذه الآية وإن كانت متأخرة لكنها على هذا التفسير في حكم المتقدم ، كأنه قال : ( إذ انبعث أشقاها ولا يخاف عقباها ) والمراد بذلك ، أنه أقدم على عقرها وهو كالآمن من نزول الهلاك به وبقومه ، ففعل هذا مع الخوف الشديد فعل من لا يخاف البتة ، فنسب في ذلك إلى الجهل والحمق ، وفي قراءة النبي عليه السلام : " ولم يخف " وفي مصاحف أهل المدينة والشام " فلا يخاف " والله أعلم ، روي أن صالحا لما وعدهم العذاب بعد ثلاث ، قال التسعة الذين عقروا الناقة : هلموا فلنقتل صالحا ، فإن كان صادقا فأعجلناه قبلنا ، وإن كان كاذبا ألحقناه بناقته ، فأتوه ليبيتوه فدمغتهم الملائكة بالحجارة ، فما أبطأوا على أصحابهم أتوا منزل صالح ، فوجدوهم قد رضخوا بالحجارة ، فقالوا لصالح : أنت قتلتهم ، ثم هموا به فقامت عشيرته دونه لبسوا السلاح وقالوا لهم : والله لا تقتلونه قد وعدكم أن العذاب نازل بكم في ثلاث ، فإن كان صادقا زدتم ربكم غضبا ، وإن كان كاذبا فأنتم من وراء ما تريدون ، فانصرفوا عنه تلك الليلة ، فأصبحوا وجوههم مصفرة ، فأيقنوا بالعذاب ، فطلبوا صالحا ليقتلوه فهرب صالح والتجأ إلى سيد بعض بطون ثمود وكان مشركا فغيبه عنهم فلم يقدروا عليه ثم شغلهم عنه ما نزل بهم من العذاب ، فهذا هو قوله : ( ولا يخاف عقباها ) والله أعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .