(
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=17ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=19ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما )
ثم إن الله تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=17ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ) بين
nindex.php?page=treesubj&link=7952_7953_7956من يجوز له التخلف وترك الجهاد ، وما بسببه يجوز ترك الجهاد وهو ما يمنع من الكر والفر ، وبين ذلك ببيان ثلاثة أصناف : الأول : ( الأعمى ) فإنه لا يمكنه الإقدام على العدو والطلب ، ولا يمكنه الاحتراز والهرب ، والأعرج كذلك ، والمريض كذلك ، وفي معنى الأعرج : الأقطع والمقعد ، بل ذلك أولى بأن يعذر ، ومن به عرج لا يمنعه من الكر والفر لا يعذر ، وكذلك المرض القليل الذي لا يمنع من الكر والفر كالطحال والسعال إذ به يضعف ، وبعض أوجاع المفاصل لا يكون عذرا . وفيه مسائل :
المسألة الأولى : أن هذه أعذار تكون في نفس المجاهد ، ولنا أعذار خارجة كالفقر الذي لا يتمكن صاحبه من استصحاب ما يحتاج إليه ، والاشتغال بمن لولاه لضاع كطفل أو مريض ، والأعذار تعلم من الفقه ، ونحن نبحث فيما يتعلق بالتفسير في بيان مسائل :
المسألة الأولى : ذكر الأعذار التي في السفر ؛ لأن غيرها ممكن الإزالة بخلاف العرج والعمى .
المسألة الثانية : اقتصر منها على الأصناف الثلاثة ، لأن العذر إما أن يكون بإخلال في عضو أو باختلال في القوة ، والذي بسبب إخلال العضو ، فإما أن يكون بسبب اختلال في العضو الذي به الوصول إلى العدو
[ ص: 82 ] والانتقال في مواضع القتال ، أو في العضو الذي تتم به فائدة الحصول في المعرفة والوصول ، والأول : هو الرجل ، والثاني : هو العين ؛ لأن بالرجل يحصل الانتقال ، وبالعين يحصل الانتفاع في الطلب والهرب . وأما الأذن والأنف واللسان وغيرها من الأعضاء ، فلا مدخل لها في شيء من الأمرين . بقيت اليد ، فإن المقطوع اليدين لا يقدر على شيء ، وهو عذر واضح ولم يذكره ، نقول : لأن فائدة الرجل وهي الانتقال تبطل بالخلل في إحداهما ، وفائدة اليد وهي الضراب والبطش لا تبطل إلا ببطلان اليدين جميعا ، ومقطوع اليدين لا يوجد إلا نادرا ، ولعل في جماعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن أحد
nindex.php?page=treesubj&link=27490مقطوع اليدين فلم يذكره ، أو لأن المقطوع ينتفع به في الجهاد ، فإنه ينظر ولولاه لاستقل به مقاتل ، فيمكن أن يقاتل ، وهو غير معذور في التخلف ؛ لأن المجاهدين ينتفعون به بخلاف الأعمى ، فإن قيل : كما أن مقطوع اليد الواحدة لا تبطل منفعة بطشه ، كذلك الأعور لا تبطل منفعة رؤيته ، وقد ذكر الأعمى ، وما ذكر الأشل وأقطع اليدين ؟ قلنا : لما بينا أن مقطوع اليدين نادر الوجود ، والآفة النازلة بإحدى اليدين لا تعمهما ، والآفة النازلة بالعين الواحدة تعم العينين ؛ لأن منبع النور واحد وهما متجاذبان ، والوجود يفرق بينهما ، فإن الأعمى كثير الوجود ، ومقطوع اليدين نادر .
المسألة الثالثة : قدم الآفة في الآلة على الآفة في القوة ؛ لأن الآفة في القوة تزول وتطرأ ، والآفة في الآلة إذا طرأت لا تزول ، فإن الأعمى لا يعود بصيرا فالعذر في محل الآلة أتم .
المسألة الرابعة :
nindex.php?page=treesubj&link=28912_28914قدم الأعمى على الأعرج ؛ لأن عذر الأعمى يستمر ولو حضر القتال ، والأعرج إن حضر راكبا أو بطريق آخر يقدر على القتال بالرمي وغيره .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=17ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=19ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما )
اعلم أن طاعة كل واحد منهما طاعة للآخر ، فجمع بينهما بيانا لطاعة الله ، فإن الله تعالى لو قال : ومن يطع الله كان لبعض الناس أن يقول : نحن لا نرى الله ولا نسمع كلامه ، فمن أين نعلم أمره حتى نطيعه ؟ فقال : طاعته في طاعة رسوله ، وكلامه يسمع من رسوله .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=17ومن يتول ) أي بقلبه ، ثم لما بين حال المخلفين بعد قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) [ الفتح : 10 ] عاد إلى بيان حالهم ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم ) من الصدق كما علم ما في قلوب المنافقين من المرض (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18فأنزل السكينة عليهم ) حتى بايعوا على الموت ، وفيه معنى لطيف وهو أن الله تعالى قال قبل هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=17ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات ) فجعل
nindex.php?page=treesubj&link=30491_30415طاعة الله والرسول علامة لإدخال الله الجنة في تلك الآية ، وفي هذه الآية بين أن طاعة الله والرسول وجدت من أهل
nindex.php?page=treesubj&link=29388_19636بيعة الرضوان ، أما طاعة الله فالإشارة إليها بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18لقد رضي الله عن المؤمنين ) وأما طاعة الرسول فبقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18إذ يبايعونك تحت الشجرة ) بقي الموعود به وهو إدخال الجنة ، أشار إليه بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18لقد رضي الله عن المؤمنين ) لأن الرضا يكون معه إدخال الجنة كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ) [ المجادلة : 22 ] .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18فعلم ما في قلوبهم ) والفاء للتعقيب ، وعلم الله قبل الرضا لأنه علم ما في قلوبهم من
[ ص: 83 ] الصدق ، فرضي عنهم فكيف يفهم التعقيب في العلم ؟ نقول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18فعلم ما في قلوبهم ) متعلق بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18إذ يبايعونك تحت الشجرة ) كما يقول القائل : فرحت أمس إذ كلمت زيدا فقام إلي ، أو إذ دخلت عليه فأكرمني ، فيكون الفرح بعد الإكرام ترتيبا ، كذلك ههنا قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم ) من الصدق ، إشارة إلى أن الرضا لم يكن عند المبايعة فحسب ، بل عند المبايعة التي كان معها علم الله بصدقهم ، والفاء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18فأنزل السكينة عليهم ) للتعقيب الذي ذكرته فإنه تعالى رضي عنهم ، فأنزل السكينة عليهم ، وفي " علم " بيان وصف المبايعة بكونها معقبة بالعلم بالصدق الذي في قلوبهم ، وهذا توفيق لا يتأتى إلا لمن هداه الله تعالى إلى معاني كتابه الكريم
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18وأثابهم فتحا قريبا ) هو فتح خيبر (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=19ومغانم كثيرة يأخذونها ) مغانمها ، وقيل : مغانم هجر (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=19وكان الله عزيزا ) كامل القدرة غنيا عن إعانتكم إياه ( حكيما ) حيث جعل هلاك أعدائه على أيديكم ليثيبكم عليه ، أو لأن في ذلك إعزاز قوم وإذلال آخرين ، فإنه يذل من يشاء بعزته ويعز من يشاء بحكمته .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=17لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=19وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا )
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=17لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) بَيَّنَ
nindex.php?page=treesubj&link=7952_7953_7956مَنْ يَجُوزُ لَهُ التَّخَلُّفُ وَتَرْكُ الْجِهَادِ ، وَمَا بِسَبَبِهِ يَجُوزُ تَرْكُ الْجِهَادِ وَهُوَ مَا يَمْنَعُ مِنَ الْكَرِّ وَالْفَرِّ ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِبَيَانِ ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ : الْأَوَّلُ : ( الْأَعْمَى ) فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعَدُوِّ وَالطَّلَبِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ وَالْهَرَبُ ، وَالْأَعْرَجُ كَذَلِكَ ، وَالْمَرِيضُ كَذَلِكَ ، وَفِي مَعْنَى الْأَعْرَجِ : الْأَقْطَعُ وَالْمُقْعَدُ ، بَلْ ذَلِكَ أَوْلَى بِأَنْ يُعْذَرَ ، وَمَنْ بِهِ عَرَجٌ لَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْكَرِّ وَالْفَرِّ لَا يُعْذَرُ ، وَكَذَلِكَ الْمَرَضُ الْقَلِيلُ الَّذِي لَا يَمْنَعُ مِنَ الْكَرِّ وَالْفَرِّ كَالطُّحَالِ وَالسُّعَالِ إِذْ بِهِ يَضْعُفُ ، وَبَعْضُ أَوْجَاعِ الْمَفَاصِلِ لَا يَكُونُ عُذْرًا . وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : أَنَّ هَذِهِ أَعْذَارٌ تَكُونُ فِي نَفْسِ الْمُجَاهِدِ ، وَلَنَا أَعْذَارٌ خَارِجَةٌ كَالْفَقْرِ الَّذِي لَا يَتَمَكَّنُ صَاحِبُهُ مِنِ اسْتِصْحَابِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ ، وَالِاشْتِغَالِ بِمَنْ لَوْلَاهُ لَضَاعَ كَطِفْلٍ أَوْ مَرِيضٍ ، وَالْأَعْذَارُ تُعْلَمُ مِنَ الْفِقْهِ ، وَنَحْنُ نَبْحَثُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّفْسِيرِ فِي بَيَانِ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : ذِكْرُ الْأَعْذَارِ الَّتِي فِي السَّفَرِ ؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا مُمْكِنُ الْإِزَالَةِ بِخِلَافِ الْعَرَجِ وَالْعَمَى .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اقْتُصِرَ مِنْهَا عَلَى الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ ، لِأَنَّ الْعُذْرَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِخْلَالٍ فِي عُضْوٍ أَوْ بِاخْتِلَالٍ فِي الْقُوَّةِ ، وَالَّذِي بِسَبَبِ إِخْلَالِ الْعُضْوِ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِسَبَبِ اخْتِلَالٍ فِي الْعُضْوِ الَّذِي بِهِ الْوُصُولُ إِلَى الْعَدُوِّ
[ ص: 82 ] وَالِانْتِقَالُ فِي مَوَاضِعِ الْقِتَالِ ، أَوْ فِي الْعُضْوِ الَّذِي تَتِمُّ بِهِ فَائِدَةُ الْحُصُولِ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْوُصُولِ ، وَالْأَوَّلُ : هُوَ الرِّجْلُ ، وَالثَّانِي : هُوَ الْعَيْنُ ؛ لِأَنَّ بِالرِّجْلِ يَحْصُلُ الِانْتِقَالُ ، وَبِالْعَيْنِ يَحْصُلُ الِانْتِفَاعُ فِي الطَّلَبِ وَالْهَرَبِ . وَأَمَّا الْأُذُنُ وَالْأَنْفُ وَاللِّسَانُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْأَعْضَاءِ ، فَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ . بَقِيَتِ الْيَدُ ، فَإِنَّ الْمَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ، وَهُوَ عُذْرٌ وَاضِحٌ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ، نَقُولُ : لِأَنَّ فَائِدَةَ الرِّجْلِ وَهِيَ الِانْتِقَالُ تَبْطُلُ بِالْخَلَلِ فِي إِحْدَاهُمَا ، وَفَائِدَةُ الْيَدِ وَهِيَ الضِّرَابُ وَالْبَطْشُ لَا تَبْطُلُ إِلَّا بِبُطْلَانِ الْيَدَيْنِ جَمِيعًا ، وَمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ لَا يُوجَدُ إِلَّا نَادِرًا ، وَلَعَلَّ فِي جَمَاعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ
nindex.php?page=treesubj&link=27490مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ ، أَوْ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْجِهَادِ ، فَإِنَّهُ يُنْظَرُ وَلَوْلَاهُ لَاسْتَقَلَّ بِهِ مُقَاتِلٌ ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَاتِلَ ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِي التَّخَلُّفِ ؛ لِأَنَّ الْمُجَاهِدِينَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ بِخِلَافِ الْأَعْمَى ، فَإِنْ قِيلَ : كَمَا أَنَّ مَقْطُوعَ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ لَا تَبْطُلُ مَنْفَعَةُ بَطْشِهِ ، كَذَلِكَ الْأَعْوَرُ لَا تَبْطُلُ مَنْفَعَةُ رُؤْيَتِهِ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَعْمَى ، وَمَا ذَكَرَ الْأَشَلَّ وَأَقْطَعَ الْيَدَيْنِ ؟ قُلْنَا : لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ نَادِرُ الْوُجُودِ ، وَالْآفَةُ النَّازِلَةُ بِإِحْدَى الْيَدَيْنِ لَا تَعُمُّهُمَا ، وَالْآفَةُ النَّازِلَةُ بِالْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ تَعُمُّ الْعَيْنَيْنِ ؛ لِأَنَّ مَنْبَعَ النُّورِ وَاحِدٌ وَهُمَا مُتَجَاذِبَانِ ، وَالْوُجُودُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا ، فَإِنَّ الْأَعْمَى كَثِيرُ الْوُجُودِ ، وَمَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ نَادِرٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَدَّمَ الْآفَةَ فِي الْآلَةِ عَلَى الْآفَةِ فِي الْقُوَّةِ ؛ لِأَنَّ الْآفَةَ فِي الْقُوَّةِ تَزُولُ وَتَطْرَأُ ، وَالْآفَةَ فِي الْآلَةِ إِذَا طَرَأَتْ لَا تَزُولُ ، فَإِنَّ الْأَعْمَى لَا يَعُودُ بَصِيرًا فَالْعُذْرُ فِي مَحَلِّ الْآلَةِ أَتَمُّ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28912_28914قَدَّمَ الْأَعْمَى عَلَى الْأَعْرَجِ ؛ لِأَنَّ عُذْرَ الْأَعْمَى يَسْتَمِرُّ وَلَوْ حَضَرَ الْقِتَالَ ، وَالْأَعْرَجُ إِنْ حَضَرَ رَاكِبًا أَوْ بِطْرِيقٍ آخَرَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ بِالرَّمْيِ وَغَيْرِهِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=17وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=19وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا )
اعْلَمْ أَنَّ طَاعَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَاعَةٌ لِلْآخَرِ ، فَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بَيَانًا لِطَاعَةِ اللَّهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ قَالَ : وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ كَانَ لِبَعْضِ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ : نَحْنُ لَا نَرَى اللَّهَ وَلَا نَسْمَعُ كَلَامَهُ ، فَمِنْ أَيْنَ نَعْلَمُ أَمْرَهُ حَتَّى نُطِيعَهُ ؟ فَقَالَ : طَاعَتُهُ فِي طَاعَةِ رَسُولِهِ ، وَكَلَامُهُ يُسْمَعُ مِنْ رَسُولِهِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=17وَمَنْ يَتَوَلَّ ) أَيْ بِقَلْبِهِ ، ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ حَالَ الْمُخَلَّفِينَ بَعْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ) [ الْفَتْحِ : 10 ] عَادَ إِلَى بَيَانِ حَالِهِمْ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ) مِنَ الصِّدْقِ كَمَا عَلِمَ مَا فِي قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْمَرَضِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ) حَتَّى بَايَعُوا عَلَى الْمَوْتِ ، وَفِيهِ مَعْنًى لَطِيفٌ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=17وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ ) فَجَعَلَ
nindex.php?page=treesubj&link=30491_30415طَاعَةَ اللَّهِ وَالرَّسُولِ عَلَامَةً لِإِدْخَالِ اللَّهِ الْجَنَّةَ فِي تِلْكَ الْآيَةِ ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَّنَ أَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ وَالرَّسُولِ وُجِدَتْ مِنْ أَهْلِ
nindex.php?page=treesubj&link=29388_19636بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ ، أَمَّا طَاعَةُ اللَّهِ فَالْإِشَارَةُ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ ) وَأَمَّا طَاعَةُ الرَّسُولِ فَبِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) بَقِيَ الْمَوْعُودُ بِهِ وَهُوَ إِدْخَالُ الْجَنَّةِ ، أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ ) لِأَنَّ الرِّضَا يَكُونُ مَعَهُ إِدْخَالُ الْجَنَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ) [ الْمُجَادَلَةِ : 22 ] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ) وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ ، وَعِلْمُ اللَّهِ قَبْلَ الرِّضَا لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ
[ ص: 83 ] الصِّدْقِ ، فَرَضِيَ عَنْهُمْ فَكَيْفَ يُفْهَمُ التَّعْقِيبُ فِي الْعِلْمِ ؟ نَقُولُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : فَرِحْتُ أَمْسِ إِذْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَقَامَ إِلَيَّ ، أَوْ إِذْ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَأَكْرَمَنِي ، فَيَكُونُ الْفَرَحُ بَعْدَ الْإِكْرَامِ تَرْتِيبًا ، كَذَلِكَ هَهُنَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ) مِنَ الصِّدْقِ ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الرِّضَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ فَحَسْبُ ، بَلْ عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ الَّتِي كَانَ مَعَهَا عِلْمُ اللَّهِ بِصِدْقِهِمْ ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ) لِلتَّعْقِيبِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فَإِنَّهُ تَعَالَى رَضِيَ عَنْهُمْ ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ، وَفِي " عَلِمَ " بَيَانُ وَصْفِ الْمُبَايِعَةِ بِكَوْنِهَا مُعَقَّبَةً بِالْعِلْمِ بِالصِّدْقِ الَّذِي فِي قُلُوبِهِمْ ، وَهَذَا تَوْفِيقٌ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا لِمَنْ هَدَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مَعَانِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) هُوَ فَتْحُ خَيْبَرَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=19وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا ) مَغَانِمُهَا ، وَقِيلَ : مَغَانِمُ هَجَرَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=19وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا ) كَامِلَ الْقُدْرَةِ غَنِيًّا عَنْ إِعَانَتِكُمْ إِيَّاهُ ( حَكِيمًا ) حَيْثُ جَعَلَ هَلَاكَ أَعْدَائِهِ عَلَى أَيْدِيكُمْ لِيُثِيبَكُمْ عَلَيْهِ ، أَوْ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِعْزَازَ قَوْمٍ وَإِذْلَالَ آخَرِينَ ، فَإِنَّهُ يُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِعِزَّتِهِ وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ بِحِكْمَتِهِ .