ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7وإن تشكروا يرضه لكم ) والمراد أنه لما بين أنه لا يرضى الكفر بين أنه يرضى الشكر ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اختلف القراء في هاء " يرضه " على ثلاثة أوجه :
أحدها : قرأ
نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة بضم الهاء مختلسة غير متبعة .
وثانيها : قرأ
أبو عمرو وحمزة في بعض الروايات " يرضه " ساكنة الهاء للتخفيف .
وثالثها : قرأ
نافع في بعض الروايات
وابن كثير وابن عامر والكسائي مضمومة الهاء
[ ص: 216 ] مشبعة .
قال
الواحدي رحمه الله : من القراء من أشبع الهاء حتى ألحق بها واوا ، لأن ما قبل الهاء متحرك ، فصار بمنزلة ضربه وله ، فكما أن هذا مشبع عند الجميع كذلك " يرضه " ، ومنهم من حرك الهاء ولم يلحق الواو ، لأن الأصل " يرضاه " ، والألف المحذوفة للجزم ليس يلزم حذفها فكانت كالباقية ، ومع بقاء الألف لا يجوز إثبات الواو ، فكذا ههنا .
المسألة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=19606الشكر حالة مركبة من قول واعتقاد وعمل ، أما القول فهو الإقرار بحصول النعمة ، وأما الاعتقاد فهو اعتقاد صدور النعمة من ذلك المنعم .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7ولا تزر وازرة وزر أخرى ) قال
الجبائي : هذا يدل على
nindex.php?page=treesubj&link=30530أنه تعالى لا يعذب أحدا على فعل غيره ، فلو فعل الله كفرهم لما جاز أن يعذبهم عليه ، وأيضا لا يجوز أن يعذب الأولاد بذنوب الآباء ، بخلاف ما يقول القوم ، واحتج أيضا من أنكر وجوب ضرب الدية على العاقلة بهذه الآية .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7ثم إلى ربكم مرجعكم ) واعلم أنا ذكرنا كثيرا أن أهم المطالب للإنسان أن يعرف خالقه بقدر الإمكان ، وأن يعرف ما يضره وما ينفعه في هذه الحياة الدنيوية ، وأن يعرف أحواله بعد الموت ، ففي هذه الآية ذكر الدلائل الكثيرة من العالم الأعلى والعالم الأسفل على كمال قدرة الصانع وعلمه وحكمته ، ثم أتبعه بأن أمره بالشكر ونهاه عن الكفر ، ثم بين أحواله بعد الموت بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7ثم إلى ربكم مرجعكم ) ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : المشبهة تمسكوا بلفظ " إلى " على أن إله العالم في جهة ، وقد أجبنا عنه مرارا .
المسألة الثانية : زعم القوم أن هذه الأرواح كانت قبل الأجساد ، وتمسكوا بلفظ الرجوع الموجود في هذه الآية ، وفي سائر الآيات .
المسألة الثالثة : دلت هذه الآية على
nindex.php?page=treesubj&link=30336_30290إثبات البعث والقيامة .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7فينبئكم بما كنتم تعملون ) وهذا تهديد للعاصي وبشارة للمطيع ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7إنه عليم بذات الصدور ) كالعلة لما سبق ، يعني أنه يمكنه أن ينبئكم بأعمالكم ، لأنه عالم بجميع المعلومات ، فيعلم ما في قلوبكم من الدواعي والصوارف ، وقال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013635إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أقوالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَرْضَى الْكُفْرَ بَيَّنَ أَنَّهُ يَرْضَى الشُّكْرَ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي هَاءِ " يَرْضَهُ " عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : قَرَأَ
نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ بِضَمِّ الْهَاءِ مُخْتَلَسَةً غَيْرَ مُتْبَعَةٍ .
وَثَانِيهَا : قَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " يَرْضَهْ " سَاكِنَةَ الْهَاءِ لِلتَّخْفِيفِ .
وَثَالِثُهَا : قَرَأَ
نَافِعٌ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ
وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ مَضْمُومَةَ الْهَاءِ
[ ص: 216 ] مُشْبَعَةً .
قَالَ
الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : مِنَ الْقُرَّاءِ مَنْ أَشْبَعَ الْهَاءَ حَتَّى أَلْحَقَ بِهَا وَاوًا ، لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْهَاءِ مُتَحَرِّكٌ ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ ضَرَبَهُ وَلَهُ ، فَكَمَا أَنَّ هَذَا مُشْبَعٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ كَذَلِكَ " يَرْضَهُ " ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَرَّكَ الْهَاءَ وَلَمْ يُلْحِقِ الْوَاوَ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ " يَرْضَاهُ " ، وَالْأَلِفُ الْمَحْذُوفَةُ لِلْجَزْمِ لَيْسَ يَلْزَمُ حَذْفُهَا فَكَانَتْ كَالْبَاقِيَةِ ، وَمَعَ بَقَاءِ الْأَلْفِ لَا يَجُوزُ إِثْبَاتُ الْوَاوِ ، فَكَذَا هَهُنَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=19606الشُّكْرُ حَالَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ قَوْلٍ وَاعْتِقَادٍ وَعَمَلٍ ، أَمَّا الْقَوْلُ فَهُوَ الْإِقْرَارُ بِحُصُولِ النِّعْمَةِ ، وَأَمَّا الِاعْتِقَادُ فَهُوَ اعْتِقَادُ صُدُورِ النِّعْمَةِ مِنْ ذَلِكَ الْمُنْعِمِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) قَالَ
الْجُبَّائِيُّ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30530أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ ، فَلَوْ فَعَلَ اللَّهُ كُفْرَهُمْ لَمَا جَازَ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ عَلَيْهِ ، وَأَيْضًا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَذَّبَ الْأَوْلَادُ بِذُنُوبِ الْآبَاءِ ، بِخِلَافِ مَا يَقُولُ الْقَوْمُ ، وَاحْتَجَّ أَيْضًا مَنْ أَنْكَرَ وُجُوبَ ضَرْبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ ) وَاعْلَمْ أَنَّا ذَكَرْنَا كَثِيرًا أَنَّ أَهَمَّ الْمُطَالِبِ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَعْرِفَ خَالِقَهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ، وَأَنْ يَعْرِفَ مَا يَضُرُّهُ وَمَا يَنْفَعُهُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَوِيَّةِ ، وَأَنْ يَعْرِفَ أَحْوَالَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ ذَكَرَ الدَّلَائِلَ الْكَثِيرَةَ مِنَ الْعَالَمِ الْأَعْلَى وَالْعَالَمِ الْأَسْفَلِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ الصَّانِعِ وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِأَنْ أَمَرَهُ بِالشُّكْرِ وَنَهَاهُ عَنِ الْكُفْرِ ، ثُمَّ بَيَّنَ أَحْوَالَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ ) ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الْمُشَبِّهَةُ تَمَسَّكُوا بِلَفْظِ " إِلَى " عَلَى أَنَّ إِلَهَ الْعَالَمِ فِي جِهَةٍ ، وَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ مِرَارًا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : زَعَمَ الْقَوْمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْوَاحَ كَانَتْ قَبْلَ الْأَجْسَادِ ، وَتَمَسَّكُوا بِلَفْظِ الرُّجُوعِ الْمَوْجُودِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَفِي سَائِرِ الْآيَاتِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30336_30290إِثْبَاتِ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) وَهَذَا تَهْدِيدٌ لِلْعَاصِي وَبِشَارَةٌ لِلْمُطِيعِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=7إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) كَالْعِلَّةِ لِمَا سَبَقَ ، يَعْنِي أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنَبِّئَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ ، لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ ، فَيَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ مِنَ الدَّوَاعِي وَالصَّوَارِفِ ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013635إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَا إِلَى أَقْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ .