( والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين ) [ القصة العاشرة ، ] قصة مريم عليها السلام
قوله تعالى : ( والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين )
اعلم أن التقدير : واذكر التي أحصنت فرجها ، ثم فيه قولان :
أحدهما : أنها أحصنت فرجها إحصانا كليا من الحلال والحرام جميعا كما قالت : ( ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ) [ مريم : 20 ] .
والثاني : من نفخة جبريل عليه السلام ، حيث منعته من جيب درعها قبل أن تعرفه ، والأول أولى ؛ لأنه الظاهر من اللفظ .
وأما قوله : ( فنفخنا فيها من روحنا ) فلقائل أن يقول : نفخ الروح في الجسد عبارة عن إحيائه ، قال تعالى : ( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ) [ الحجر : 29 ] أي أحييته ، وإذا ثبت ذلك كان قوله : ( فنفخنا فيها من روحنا ) ظاهر الإشكال ؛ لأنه يدل على إحياء مريم عليها السلام ؟ والجواب من وجوه :
أحدها : معناه فنفخنا الروح في عيسى فيها ، أي أحييناه في جوفها ، كما يقول الزمار : نفخت في بيت فلان ، أي في المزمار في بيته .
وثانيها : فعلنا مريم عليها السلام من جهة روحنا وهو النفخ في جبريل عليه السلام ؛ لأنه نفخ في جيب درعها ، فوصل النفخ إلى جوفها ؛ ثم بين تعالى بأخصر الكلام ما خص به مريم وعيسى عليهما السلام من الآيات فقال : ( وجعلناها وابنها آية للعالمين ) أما مريم فآياتها كثيرة :
أحدها : ظهور الحبل فيها لا من ذكر فصار ذلك آية ومعجزة خارجة عن العادة .
وثانيها : أن رزقها كان يأتيها به الملائكة من الجنة ، وهو قوله تعالى : ( أنى لك هذا قالت هو من عند الله ) [ آل عمران : 37 ] .
وثالثها ورابعها : قال الحسن : إنها لم تلتقم ثديا يوما قط ، وتكلمت هي أيضا في صباها كما تكلم عيسى عليه السلام ، وأما عيسى عليه السلام فقد تقدم بيانها ، فبين سبحانه أنه جعلهما آية للناس يتدبرون فيما خصا به من الآيات ، ويستدلون به على قدرته وحكمته سبحانه وتعالى ؛ فإن قيل : هلا قيل آيتين كما قال : ( آيات وجعلنا الليل والنهار آيتين ) [ الإسراء : 12 ] ؟ قلنا : لأن حالهما بمجموعهما آية واحدة ، وهي ولادتها إياه من غير فحل ؛ وهنا آخر القصص .