المسألة الثانية : قال بعضهم : ( الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) يحتمل أن يكون كالتفسير لكونهم متقين ، وذلك لأن ، أما الفعل فإما أن يكون فعل القلب ، وهو قوله : ( المتقي هو الذي يكون فاعلا للحسنات وتاركا للسيئات الذين يؤمنون ) - وإما أن يكون فعل الجوارح ، وأساسه الصلاة والزكاة والصدقة ؛ لأن العبادة إما أن تكون بدنية وأجلها الصلاة ، أو مالية ، وأجلها الزكاة ؛ ولهذا سمى الرسول عليه السلام : " " وأما الترك فهو داخل في الصلاة لقوله تعالى : ( الصلاة عماد الدين ، والزكاة قنطرة الإسلام اتل ما أوحي إليك من الكتاب ) [العنكبوت : 45] والأقرب أن لا تكون هذه الأشياء تفسيرا لكونهم متقين ؛ وذلك لأن كمال السعادة لا يحصل إلا بترك ما لا ينبغي وفعل ما ينبغي ، فالترك هو التقوى ، والفعل إما فعل القلب ، وهو الإيمان ، أو فعل الجوارح ، وهو الصلاة والزكاة ، وإنما ، لأن القلب كاللوح القابل لنقوش العقائد الحقة والأخلاق الفاضلة ، واللوح يجب تطهيره أولا عن النقوش الفاسدة ، حتى يمكن إثبات النقوش الجيدة فيه ، وكذا القول في الأخلاق ، فلهذا السبب قدم التقوى وهو ترك ما لا ينبغي ، ثم ذكر بعده فعل ما ينبغي . قدم التقوى الذي هو الترك على الفعل الذي هو الإيمان والصلاة والزكاة