أما قوله : ( فأخرجنا منه خضرا ) فقال الزجاج : معنى خضر ، كمعنى أخضر ، يقال : اخضر فهو أخضر وخضر ، مثل اعور فهو أعور وعور . وقال الليث : هو الزرع ، وفي الكلام كل نبات من الخضر ، وأقول : إنه تعالى حصر النبت في الآية المتقدمة في قسمين ؛ حيث قال : ( الخضر في كتاب الله إن الله فالق الحب والنوى ) فالذي ينبت من الحب هو الزرع ، والذي ينبت من النوى هو الشجر ، فاعتبر هذه القسمة أيضا في هذه الآية ، فابتدأ بذكر الزرع ، وهو المراد بقوله : ( فأخرجنا منه خضرا ) وهو الزرع ، كما رويناه عن الليث . وقال : يريد القمح والشعير والسلت والذرة والأرز ، والمراد من هذا الخضر العود الأخضر الذي يخرج أولا ، ويكون السنبل في أعلاه ، وقوله : ( ابن عباس نخرج منه حبا متراكبا ) يعني يخرج من ذلك الخضر حبا متراكبا بعضه على بعض في سنبلة واحدة ، وذلك لأن الأصل هو ذلك العود الأخضر ، وتكون السنبلة مركبة عليه من فوقه ، وتكون الحبات متراكبة بعضها فوق بعض ، ويحصل فوق السنبلة أجسام دقيقة حادة كأنها الإبر ، والمقصود من تخليقها أن تمنع الطيور من التقاط تلك الحبات المتراكبة .
ولما ذكر ما ينبت من الحب أتبعه بذكر ، وهو القسم الثاني ، فقال : ( ما ينبت من النوى ومن النخل من طلعها قنوان دانية ) وهاهنا مباحث :
البحث الأول : أنه تعالى قدم ذكر الزرع على ذكر النخل ، وهذا يدل على أن ، وهذا البحث قد أفرد الزرع أفضل من النخل فيه تصنيفا مطولا . الجاحظ
البحث الثاني : روى الواحدي عن أبي عبيدة أنه قال : أطلعت النخل إذا أخرجت طلعها ، وطلعها كيزانها قبل أن ينشق عن الإغريض ، والإغريض يسمى طلعا أيضا ، قال : والطلع أول ما يرى من عذق النخلة ، الواحدة طلعة ، وأما : ( قنوان ) فقال الزجاج : القنوان جمع قنو ، مثل صنوان وصنو . وإذا ثنيت القنو قلت : قنوان بكسر النون ، فجاء هذا الجمع على لفظ الاثنين والإعراب في النون للجمع .
إذا عرفت تفسير اللفظ فنقول : قوله : ( قنوان دانية ) قال : يريد العراجين التي قد تدلت من الطلع دانية ممن يجتنيها . وروي عنه أيضا أنه قال : قصار النخل اللاصقة عذوقها بالأرض . قال ابن عباس الزجاج : ولم [ ص: 89 ] يقل : ومنها قنوان بعيدة ؛ لأن ذكر أحد القسمين يدل على الثاني كما قال : ( سرابيل تقيكم الحر ) [ النحل : 81 ] ولم يقل : سرابيل تقيكم البرد ؛ لأن ذكر أحد الضدين يدل على الثاني ، فكذا هاهنا وقيل أيضا : ذكر الدانية في القريبة ، وترك البعيدة ؛ لأن النعمة في القريبة أكمل وأكثر .
والبحث الثالث : قال صاحب " الكشاف " : ( قنوان ) رفع بالابتداء ، ( ومن النخل ) خبره ، ( من طلعها ) بدل منه ، كأنه قيل : وحاصلة من طلع النخل قنوان ، ويجوز أن يكون الخبر محذوفا لدلالة "أخرجنا" عليه ، تقديره : ومخرجة من طلع النخل قنوان . ومن قرأ : " يخرج منه حب متراكب " كان " قنوان " عنده معطوفا على قوله : " حب " وقرئ : " قنوان " بضم القاف وبفتحها على أنه اسم جمع كوكب ؛ لأن فعلان ليس من باب التكسير .