الفصل الثالث
في تفسير قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرحمن الرحيم ، وفيه فوائد
الفائدة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=29448_29485الرحمن : هو المنعم بما لا يتصور صدور جنسه من العباد ،
nindex.php?page=treesubj&link=29448_29485والرحيم : هو المنعم بما يتصور جنسه من العباد ، حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12358إبراهيم بن أدهم أنه قال : كنت ضيفا لبعض القوم ، فقدم المائدة ، فنزل غراب وسلب رغيفا ، فاتبعته تعجبا ، فنزل في بعض التلال ، وإذا هو برجل مقيد مشدود اليدين ، فألقى الغراب ذلك الرغيف على وجهه .
وروي عن
ذي النون أنه قال : كنت في البيت إذ وقعت ولولة في قلبي ، وصرت بحيث ما ملكت نفسي ، فخرجت من البيت وانتهيت إلى شط النيل ، فرأيت عقربا قويا يعدو فتبعته ، فوصل إلى طرف النيل ، فرأيت ضفدعا واقفا على طرف الوادي ، فوثب العقرب على ظهر الضفدع وأخذ الضفدع يسبح ويذهب ، فركبت السفينة وتبعته فوصل الضفدع إلى الطرف الآخر من النيل ، ونزل العقرب من ظهره ، وأخذ يعدو فتبعته ، فرأيت شابا نائما تحت شجرة ، ورأيت أفعى يقصده ، فلما قربت الأفعى من ذلك الشاب وصل العقرب إلى الأفعى ، فوثب العقرب على الأفعى فلدغه ، والأفعى أيضا لدغ العقرب ، فماتا معا ، وسلم الإنسان منهما . ويحكى أن ولد الغراب كما يخرج من قشر البيضة يخرج من غير ريش فيكون كأنه قطعة لحم أحمر ، والغراب يفر منه ولا يقوم بتربيته ، ثم إن البعوض يجتمع عليه لأنه يشبه قطعة لحم ميت ، فإذا وصلت البعوض إليه التقم تلك البعوض واغتذى بها ، ولا يزال على هذه الحال إلى أن يقوى وينبت ريشه ويخفى لحمه تحت ريشه ، فعند ذلك تعود أمه إليه ، ولهذا السبب جاء في أدعية العرب : يا رزاق النعاب في عشه ، فظهر بهذه الأمثلة أن
nindex.php?page=treesubj&link=29703_29485_29693_19961فضل الله عام ، وإحسانه شامل ، ورحمته واسعة .
[ ص: 190 ] واعلم أن الحوادث على قسمين : منه ما يظن أنه رحمة مع أنه لا يكون كذلك ، بل يكون في الحقيقة عذابا ونقمة ، ومنه ما يظن في الظاهر أنه عذاب ونقمة ، مع أنه يكون في الحقيقة فضلا وإحسانا ورحمة . أما القسم الأول : فالوالد إذا أهمل ولده حتى يفعل ما يشاء ولا يؤدبه ولا يحمله على التعلم ، فهذا في الظاهر رحمة وفي الباطن نقمة . وأما القسم الثاني كالوالد إذا حبس ولده في المكتب وحمله على التعلم فهذا في الظاهر نقمة ، وفي الحقيقة رحمة ، وكذلك الإنسان إذا وقع في يده الآكلة فإذا قطعت تلك اليد فهذا في الظاهر عذاب ، وفي الباطن راحة ورحمة ، فالأبله يغتر بالظواهر ، والعاقل ينظر في السرائر .
إذا عرفت هذا فكل ما في العالم من محنة وبلية وألم ومشقة فهو وإن كان عذابا وألما في الظاهر إلا أنه حكمة ورحمة في الحقيقة ، وتحقيقه ما قيل في الحكمة : إن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير ،
nindex.php?page=treesubj&link=20490فالمقصود من التكاليف تطهير الأرواح عن العلائق الجسدانية كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ) [ الإسراء : 7 ]
nindex.php?page=treesubj&link=31752والمقصود من خلق النار صرف الأشرار إلى أعمال الأبرار ، وجذبها من دار الفرار إلى دار القرار ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=50ففروا إلى الله ) [ الذاريات : 50 ] وأقرب مثال لهذا الباب قصة
موسى والخضر عليهما السلام ، فإن
موسى كان يبني
nindex.php?page=treesubj&link=28266الحكم عن ظواهر الأمور فاستنكر تخريق السفينة وقتل الغلام وعمارة الجدار المائل ، وأما
الخضر فإنه كان يبني أحكامه على الحقائق والأسرار فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=79أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=80وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=81فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=82وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك ) [ الكهف : 79 82 ] فظهر بهذه القصة أن الحكيم المحقق هو الذي يبني أمره على الحقائق لا على الظاهر ، فإذا رأيت ما يكرهه طبعك وينفر عنه عقلك فاعلم أن تحته أسرارا خفية وحكما بالغة ، وأن حكمته ورحمته اقتضت ذلك ، وعند ذلك يظهر لك أثر من بحار أسرار قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرحمن الرحيم ) .
الفائدة الثانية : الرحمن : اسم خاص بالله ، والرحيم : ينطلق عليه وعلى غيره .
فإن قيل : فعلى هذا الرحمن أعظم ، فلم ذكر الأدنى بعد ذكر الأعلى ؟
والجواب : لأن الكبير العظيم لا يطلب منه الشيء الحقير اليسير ، حكي أن بعضهم ذهب إلى بعض الأكابر ، فقال : جئتك لمهم يسير ، فقال : اطلب للمهم اليسير رجلا يسيرا . كأنه تعالى يقول : لو اقتصرت على ذكر الرحمن لاحتشمت عني ولتعذر عليك سؤال الأمور اليسيرة ، ولكن كما علمتني رحمانا تطلب مني الأمور العظيمة ، فأنا أيضا رحيم ؛ فاطلب مني شراك نعلك وملح قدرك ، كما
قال تعالى لموسى : " يا موسى سلني عن ملح قدرك وعلف شاتك " .
الفائدة الثالثة : وصف نفسه بكونه رحمانا رحيما ، ثم إنه أعطى
مريم عليها السلام رحمة واحدة حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21ورحمة منا وكان أمرا مقضيا ) [ مريم : 21 ] فتلك الرحمة صارت سببا لنجاتها من توبيخ الكفار الفجار ، ثم إنا نصفه كل يوم أربعة وثلاثين مرة أنه رحمن وأنه رحيم ، وذلك لأن الصلوات سبع عشرة ركعة ، ويقرأ لفظ "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرحمن الرحيم " في كل ركعة مرتين ، مرة في " بسم الله الرحمن الرحيم " ومرة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرحمن الرحيم ) فلما صار ذكر الرحمة مرة واحدة سببا لخلاص
مريم عليها السلام عن
[ ص: 191 ] المكروهات أفلا يصير ذكر الرحمة هذه المرات الكثيرة طول العمر سببا لنجاة المسلمين من النار والعار والدمار ؟
الفائدة الرابعة : أنه تعالى رحمن لأنه يخلق ما لا يقدر العبد عليه ، رحيم لأنه يفعل ما لا يقدر العبد على جنسه ، فكأنه تعالى يقول : أنا رحمن لأنك تسلم إلي نطفة مذرة فأسلمها إليك صورة حسنة ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64وصوركم فأحسن صوركم ) [ غافر : 64 ] وأنا رحيم لأنك تسلم إلي طاعة ناقصة فأسلم إليك جنة خالصة .
الفائدة الخامسة :
روي أن فتى قربت وفاته واعتقل لسانه عن شهادة أن لا إله إلا الله ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه به ، فقام ودخل عليه ، وجعل يعرض عليه الشهادة وهو يتحرك ويضطرب ولا يعمل لسانه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما كان يصلي ؟ أما كان يصوم ؟ أما كان يزكي ؟ فقالوا : بلى ، فقال : هل عق والديه ؟ فقالوا : بلى ، فقال عليه السلام : هاتوا بأمه ، فجاءت وهي عجوز عوراء ، فقال عليه السلام : هلا عفوت عنه ، فقالت : لا أعفو لأنه لطمني ففقأ عيني ، فقال عليه السلام : هاتوا بالحطب والنار ، فقالت : وما تصنع بالنار ؟ فقال عليه السلام : أحرقه بالنار بين يديك جزاء لما عمل بك ، فقالت : عفوت عفوت ، أللنار حملته تسعة أشهر ؟ أللنار أرضعته سنتين ؟ فأين رحمة الأم ؟ فعند ذلك انطلق لسانه ، وذكر أشهد أن لا إله إلا الله . والنكتة أنها كانت رحيمة ، وما كانت رحمانة فلأجل ذلك القدر القليل من الرحمة ما جوزت الإحراق بالنار ، فالرحمن الرحيم الذي لم يتضرر بجنايات عبيده مع عنايته بعباده كيف يستجيز أن يحرق المؤمن الذي واظب على شهادة أن لا إله إلا الله سبعين سنة بالنار ؟
الفائدة السادسة : لقد اشتهر أن
nindex.php?page=treesubj&link=30997النبي عليه السلام لما كسرت رباعيته قال : اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ، فظهر أنه يوم القيامة يقول : أمتي ، أمتي ، فهذا كرم عظيم منه في الدنيا وفي الآخرة ، وإنما حصل فيه هذا الكرم وهذا الإحسان لكونه رحمة كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) [ الأنبياء : 107 ] فإن كان أثر الرحمة الواحدة هذا المبلغ ، فكيف كرم من هو رحمن رحيم ؟ وأيضا روي أنه عليه السلام قال :
اللهم اجعل حساب أمتي على يدي ، ثم إنه امتنع عن الصلاة على الميت لأجل أنه كان مديونا بدرهمين ، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة عن البيت بسبب الإفك ، فكأنه تعالى قال له : إن لك رحمة واحدة وهي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) [ الأنبياء : 107 ] والرحمة الواحدة لا تكفي في إصلاح المخلوقات ، فذرني وعبيدي واتركني وأمتك ، فإني أنا الرحمن الرحيم ، فرحمتي لا نهاية لها ، ومعصيتهم متناهية ، والمتناهي في جنب غير المتناهي يصير فانيا ، فلا جرم معاصي جميع الخلق تفنى في بحار رحمتي ، لأني أنا الرحمن الرحيم .
الفائدة السابعة :
nindex.php?page=treesubj&link=30239_29448قالت القدرية : كيف يكون رحمانا رحيما من خلق الخلق للنار ولعذاب الأبد ؟ وكيف يكون رحمانا رحيما من يخلق الكفر في الكافر ويعذبه عليه ؟ وكيف يكون رحمانا رحيما من أمر بالإيمان ثم صد ومنع عنه ؟ وقالت
الجبرية : أعظم أنواع النعمة والرحمة هو الإيمان ، فلو لم يكن الإيمان من الله بل كان من العبد لكان اسم الرحمن الرحيم بالعبد أولى منه بالله ، والله أعلم .
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وَفِيهِ فَوَائِدُ
الْفَائِدَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=29448_29485الرَّحْمَنُ : هُوَ الْمُنْعِمُ بِمَا لَا يُتَصَوَّرُ صُدُورُ جِنْسِهِ مِنَ الْعِبَادِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29448_29485وَالرَّحِيمُ : هُوَ الْمُنْعِمُ بِمَا يُتَصَوَّرُ جِنْسُهُ مِنَ الْعِبَادِ ، حُكِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12358إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ أَنَّهُ قَالَ : كُنْتُ ضَيْفًا لِبَعْضِ الْقَوْمِ ، فَقَدَّمَ الْمَائِدَةَ ، فَنَزَلَ غُرَابٌ وَسَلَبَ رَغِيفًا ، فَاتَّبَعْتُهُ تَعَجُّبًا ، فَنَزَلَ فِي بَعْضِ التِّلَالِ ، وَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُقَيَّدٍ مَشْدُودِ الْيَدَيْنِ ، فَأَلْقَى الْغُرَابُ ذَلِكَ الرَّغِيفَ عَلَى وَجْهِهِ .
وَرُوِيَ عَنْ
ذِي النُّونِ أَنَّهُ قَالَ : كُنْتُ فِي الْبَيْتِ إِذْ وَقَعَتْ وَلْوَلَةٌ فِي قَلْبِي ، وَصِرْتُ بِحَيْثُ مَا مَلَكْتُ نَفْسِيَ ، فَخَرَجْتُ مِنَ الْبَيْتِ وَانْتَهَيْتُ إِلَى شَطِّ النِّيلِ ، فَرَأَيْتُ عَقْرَبًا قَوِيًّا يَعْدُو فَتَبِعْتُهُ ، فَوَصَلَ إِلَى طَرَفِ النِّيلِ ، فَرَأَيْتُ ضُفْدَعًا وَاقِفًا عَلَى طَرَفٍ الْوَادِي ، فَوَثَبَ الْعَقْرَبُ عَلَى ظَهْرِ الضُّفْدَعِ وَأَخَذَ الضُّفْدَعُ يَسْبَحُ وَيَذْهَبُ ، فَرَكِبْتُ السَّفِينَةَ وَتَبِعْتُهُ فَوَصَلَ الضُّفْدَعُ إِلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ مِنَ النِّيلِ ، وَنَزَلَ الْعَقْرَبُ مِنْ ظَهْرِهِ ، وَأَخَذَ يَعْدُو فَتَبِعْتُهُ ، فَرَأَيْتُ شَابًّا نَائِمًا تَحْتَ شَجَرَةٍ ، وَرَأَيْتُ أَفْعَى يَقْصِدُهُ ، فَلَمَّا قَرُبَتِ الْأَفْعَى مِنْ ذَلِكَ الشَّابِّ وَصَلَ الْعَقْرَبُ إِلَى الْأَفْعَى ، فَوَثَبَ الْعَقْرَبُ عَلَى الْأَفْعَى فَلَدَغَهُ ، وَالْأَفْعَى أَيْضًا لَدَغَ الْعَقْرَبَ ، فَمَاتَا مَعًا ، وَسَلِمَ الْإِنْسَانُ مِنْهُمَا . وَيُحْكَى أَنَّ وَلَدَ الْغُرَابِ كَمَا يَخْرُجُ مِنْ قِشْرِ الْبَيْضَةِ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ رِيشٍ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قِطْعَةُ لَحْمٍ أَحْمَرَ ، وَالْغُرَابُ يَفِرُّ مِنْهُ وَلَا يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ ، ثُمَّ إِنَّ الْبَعُوضَ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ قِطْعَةَ لَحْمٍ مَيِّتٍ ، فَإِذَا وَصَلَتِ الْبَعُوضُ إِلَيْهِ الْتَقَمَ تِلْكَ الْبَعُوضَ وَاغْتَذَى بِهَا ، وَلَا يَزَالُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ إِلَى أَنْ يَقْوَى وَيَنْبُتُ رِيشُهُ وَيَخْفَى لَحْمُهُ تَحْتَ رِيشِهِ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَعُودُ أُمُّهُ إِلَيْهِ ، وَلِهَذَا السَّبَبِ جَاءَ فِي أَدْعِيَةِ الْعَرَبِ : يَا رَزَّاقَ النَّعَّابِ فِي عُشِّهِ ، فَظَهَرَ بِهَذِهِ الْأَمْثِلَةِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29703_29485_29693_19961فَضْلَ اللَّهِ عَامٌّ ، وَإِحْسَانَهُ شَامِلٌ ، وَرَحْمَتَهُ وَاسِعَةٌ .
[ ص: 190 ] وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَوَادِثَ عَلَى قِسْمَيْنِ : مِنْهُ مَا يُظَنُّ أَنَّهُ رَحْمَةٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ ، بَلْ يَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ عَذَابًا وَنِقْمَةً ، وَمِنْهُ مَا يُظَنُّ فِي الظَّاهِرِ أَنَّهُ عَذَابٌ وَنِقْمَةٌ ، مَعَ أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ فَضْلًا وَإِحْسَانًا وَرَحْمَةً . أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : فَالْوَالِدُ إِذَا أَهْمَلَ وَلَدَهُ حَتَّى يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ وَلَا يُؤَدِّبُهُ وَلَا يَحْمِلُهُ عَلَى التَّعَلُّمِ ، فَهَذَا فِي الظَّاهِرِ رَحْمَةٌ وَفِي الْبَاطِنِ نِقْمَةٌ . وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي كَالْوَالِدِ إِذَا حَبَسَ وَلَدَهُ فِي الْمَكْتَبِ وَحَمَلَهُ عَلَى التَّعَلُّمِ فَهَذَا فِي الظَّاهِرِ نِقْمَةٌ ، وَفِي الْحَقِيقَةِ رَحْمَةٌ ، وَكَذَلِكَ الْإِنْسَانُ إِذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ الْآكِلَةُ فَإِذَا قُطِعَتْ تِلْكَ الْيَدُ فَهَذَا فِي الظَّاهِرِ عَذَابٌ ، وَفِي الْبَاطِنِ رَاحَةٌ وَرَحْمَةٌ ، فَالْأَبْلَهُ يَغْتَرُّ بِالظَّوَاهِرِ ، وَالْعَاقِلُ يَنْظُرُ فِي السَّرَائِرِ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَكُلُّ مَا فِي الْعَالَمِ مِنْ مِحْنَةٍ وَبَلِيَّةٍ وَأَلَمٍ وَمَشَقَّةٍ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ عَذَابًا وَأَلَمًا فِي الظَّاهِرِ إِلَّا أَنَّهُ حِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَتَحْقِيقُهُ مَا قِيلَ فِي الْحِكْمَةِ : إِنَّ تَرْكَ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ لِأَجْلِ الشَّرِّ الْقَلِيلِ شَرٌّ كَثِيرٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=20490فَالْمَقْصُودُ مِنَ التَّكَالِيفِ تَطْهِيرُ الْأَرْوَاحِ عَنِ الْعَلَائِقِ الْجَسَدَانِيَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ) [ الْإِسْرَاءِ : 7 ]
nindex.php?page=treesubj&link=31752وَالْمَقْصُودُ مِنْ خَلْقِ النَّارِ صَرْفُ الْأَشْرَارِ إِلَى أَعْمَالِ الْأَبْرَارِ ، وَجَذْبُهَا مِنْ دَارِ الْفِرَارِ إِلَى دَارِ الْقَرَارِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=50فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ) [ الذَّارِيَاتِ : 50 ] وَأَقْرَبُ مِثَالٍ لِهَذَا الْبَابِ قِصَّةُ
مُوسَى وَالْخَضِرِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، فَإِنَّ
مُوسَى كَانَ يَبْنِي
nindex.php?page=treesubj&link=28266الْحُكْمَ عَنْ ظَوَاهِرِ الْأُمُورِ فَاسْتَنْكَرَ تَخْرِيقَ السَّفِينَةِ وَقَتْلَ الْغُلَامِ وَعِمَارَةَ الْجِدَارِ الْمَائِلِ ، وَأَمَّا
الْخَضِرُ فَإِنَّهُ كَانَ يَبْنِي أَحْكَامَهُ عَلَى الْحَقَائِقِ وَالْأَسْرَارِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=79أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=80وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=81فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=82وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ) [ الْكَهْفِ : 79 82 ] فَظَهَرَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ الْحَكِيمَ الْمُحَقِّقَ هُوَ الَّذِي يَبْنِي أَمْرَهُ عَلَى الْحَقَائِقِ لَا عَلَى الظَّاهِرِ ، فَإِذَا رَأَيْتَ مَا يَكْرَهُهُ طَبْعُكَ وَيَنْفِرُ عَنْهُ عَقْلُكَ فَاعْلَمْ أَنَّ تَحْتَهُ أَسْرَارًا خَفِيَّةً وَحِكَمًا بَالِغَةً ، وَأَنَّ حِكْمَتَهُ وَرَحْمَتَهُ اقْتَضَتْ ذَلِكَ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَظْهَرُ لَكَ أَثَرٌ مِنْ بِحَارِ أَسْرَارِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ : الرَّحْمَنُ : اسْمٌ خَاصٌّ بِاللَّهِ ، وَالرَّحِيمُ : يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَعَلَى هَذَا الرَّحْمَنُ أَعْظَمُ ، فَلِمَ ذَكَرَ الْأَدْنَى بَعْدَ ذِكْرِ الْأَعْلَى ؟
وَالْجَوَابُ : لِأَنَّ الْكَبِيرَ الْعَظِيمَ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ الشَّيْءُ الْحَقِيرُ الْيَسِيرُ ، حُكِيَ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَهَبَ إِلَى بَعْضِ الْأَكَابِرِ ، فَقَالَ : جِئْتُكَ لِمُهِمٍّ يَسِيرٍ ، فَقَالَ : اطْلُبْ لِلْمُهِمِّ الْيَسِيرِ رَجُلًا يَسِيرًا . كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : لَوِ اقْتَصَرْتَ عَلَى ذِكْرِ الرَّحْمَنِ لَاحْتَشَمْتَ عَنِّي وَلَتَعَذَّرَ عَلَيْكَ سُؤَالُ الْأُمُورِ الْيَسِيرَةِ ، وَلَكِنْ كَمَا عَلِمْتَنِي رَحْمَانًا تَطْلُبُ مِنِّي الْأُمُورَ الْعَظِيمَةَ ، فَأَنَا أَيْضًا رَحِيمٌ ؛ فَاطْلُبْ مِنِّي شِرَاكَ نَعْلِكَ وَمِلْحَ قِدْرِكَ ، كَمَا
قَالَ تَعَالَى لِمُوسَى : " يَا مُوسَى سَلْنِي عَنْ مِلْحِ قِدْرِكَ وَعَلَفِ شَاتِكَ " .
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ : وَصَفَ نَفْسَهُ بِكَوْنِهِ رَحْمَانًا رَحِيمًا ، ثُمَّ إِنَّهُ أَعْطَى
مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ رَحْمَةً وَاحِدَةً حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=21وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ) [ مَرْيَمَ : 21 ] فَتِلْكَ الرَّحْمَةُ صَارَتْ سَبَبًا لِنَجَاتِهَا مِنْ تَوْبِيخِ الْكُفَّارِ الْفُجَّارِ ، ثُمَّ إِنَّا نَصِفُهُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَةً وَثَلَاثِينَ مَرَّةً أَنَّهُ رَحْمَنٌ وَأَنَّهُ رَحِيمٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ سَبْعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ، وَيُقْرَأُ لَفْظُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَرَّتَيْنِ ، مَرَّةً فِي " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَمَرَّةً فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) فَلَمَّا صَارَ ذِكْرُ الرَّحْمَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً سَبَبًا لِخَلَاصِ
مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ عَنِ
[ ص: 191 ] الْمَكْرُوهَاتِ أَفَلَا يَصِيرُ ذِكْرُ الرَّحْمَةِ هَذِهِ الْمَرَّاتِ الْكَثِيرَةِ طُولَ الْعُمْرِ سَبَبًا لِنَجَاةِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ النَّارِ وَالْعَارِ وَالدَّمَارِ ؟
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ : أَنَّهُ تَعَالَى رَحْمَنٌ لِأَنَّهُ يَخْلُقُ مَا لَا يَقْدِرُ الْعَبْدُ عَلَيْهِ ، رَحِيمٌ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا لَا يَقْدِرُ الْعَبْدُ عَلَى جِنْسِهِ ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : أَنَا رَحْمَنٌ لِأَنَّكَ تُسَلِّمُ إِلَيَّ نُطْفَةً مَذِرَةً فَأُسَلِّمُهَا إِلَيْكَ صُورَةً حَسَنَةً ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ) [ غَافِرٍ : 64 ] وَأَنَا رَحِيمٌ لِأَنَّكَ تُسَلِّمُ إِلَيَّ طَاعَةً نَاقِصَةً فَأُسَلِّمُ إِلَيْكَ جَنَّةً خَالِصَةً .
الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ :
رُوِيَ أَنَّ فَتًى قَرُبَتْ وَفَاتُهُ وَاعْتُقِلَ لِسَانُهُ عَنْ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرُوهُ بِهِ ، فَقَامَ وَدَخَلَ عَلَيْهِ ، وَجَعَلَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ وَيَضْطَرِبُ وَلَا يَعْمَلُ لِسَانُهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَا كَانَ يُصَلِّي ؟ أَمَا كَانَ يَصُومُ ؟ أَمَا كَانَ يُزَكِّي ؟ فَقَالُوا : بَلَى ، فَقَالَ : هَلْ عَقَّ وَالِدَيْهِ ؟ فَقَالُوا : بَلَى ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : هَاتُوا بِأُمِّهِ ، فَجَاءَتْ وَهِيَ عَجُوزٌ عَوْرَاءُ ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : هَلَّا عَفَوْتِ عَنْهُ ، فَقَالَتْ : لَا أَعْفُو لِأَنَّهُ لَطَمَنِي فَفَقَأَ عَيْنِيَ ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : هَاتُوا بِالْحَطَبِ وَالنَّارِ ، فَقَالَتْ : وَمَا تَصْنَعُ بِالنَّارِ ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : أُحْرِقُهُ بِالنَّارِ بَيْنَ يَدَيْكِ جَزَاءً لِمَا عَمِلَ بِكِ ، فَقَالَتْ : عَفَوْتُ عَفَوْتُ ، أَلِلنَّارِ حَمَلْتُهُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ؟ أَلِلنَّارِ أَرْضَعْتُهُ سَنَتَيْنِ ؟ فَأَيْنَ رَحْمَةُ الْأُمِّ ؟ فَعِنْدَ ذَلِكَ انْطَلَقَ لِسَانُهُ ، وَذَكَرَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . وَالنُّكْتَةُ أَنَّهَا كَانَتْ رَحِيمَةً ، وَمَا كَانَتْ رَحْمَانَةً فَلِأَجْلِ ذَلِكَ الْقَدْرِ الْقَلِيلِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا جَوَّزَتِ الْإِحْرَاقَ بِالنَّارِ ، فَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي لَمْ يَتَضَرَّرْ بِجِنَايَاتِ عَبِيدِهِ مَعَ عِنَايَتِهِ بِعِبَادِهِ كَيْفَ يَسْتَجِيزُ أَنْ يَحْرِقَ الْمُؤْمِنَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ سَبْعِينَ سَنَةً بِالنَّارِ ؟
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ : لَقَدِ اشْتُهِرَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30997النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا كُسِرَتْ رَبَاعِيَّتُهُ قَالَ : اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ، فَظَهَرَ أَنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ : أُمَّتِي ، أُمَّتِي ، فَهَذَا كَرَمٌ عَظِيمٌ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ، وَإِنَّمَا حَصَلَ فِيهِ هَذَا الْكَرَمُ وَهَذَا الْإِحْسَانُ لِكَوْنِهِ رَحْمَةً كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 107 ] فَإِنْ كَانَ أَثَرُ الرَّحْمَةِ الْوَاحِدَةِ هَذَا الْمَبْلَغُ ، فَكَيْفَ كَرَمُ مَنْ هُوَ رَحْمَنٌ رَحِيمٌ ؟ وَأَيْضًا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ :
اللَّهُمَّ اجْعَلْ حِسَابَ أُمَّتِي عَلَى يَدَيَّ ، ثُمَّ إِنَّهُ امْتَنَعَ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ لِأَجْلِ أَنَّهُ كَانَ مَدْيُونًا بِدِرْهَمَيْنِ ، وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ عَنِ الْبَيْتِ بِسَبَبِ الْإِفْكِ ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ لَهُ : إِنَّ لَكَ رَحْمَةً وَاحِدَةً وَهِيَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 107 ] وَالرَّحْمَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تَكْفِي فِي إِصْلَاحِ الْمَخْلُوقَاتِ ، فَذَرْنِي وَعَبِيدِي وَاتْرُكْنِي وَأُمَّتَكَ ، فَإِنِّي أَنَا الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، فَرَحْمَتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا ، وَمَعْصِيَتُهُمْ مُتَنَاهِيَةٌ ، وَالْمُتَنَاهِي فِي جَنْبِ غَيْرِ الْمُتَنَاهِي يَصِيرُ فَانِيًا ، فَلَا جَرَمَ مَعَاصِي جَمِيعِ الْخَلْقِ تَفْنَى فِي بِحَارِ رَحْمَتِي ، لِأَنِّي أَنَا الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ .
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30239_29448قَالَتِ الْقَدَرِيَّةُ : كَيْفَ يَكُونُ رَحْمَانًا رَحِيمًا مَنْ خَلَقَ الْخَلْقَ لِلنَّارِ وَلِعَذَابِ الْأَبَدِ ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ رَحْمَانًا رَحِيمًا مَنْ يَخْلُقُ الْكُفْرَ فِي الْكَافِرِ وَيُعَذِّبُهُ عَلَيْهِ ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ رَحْمَانًا رَحِيمًا مَنْ أَمَرَ بِالْإِيمَانِ ثُمَّ صَدَّ وَمَنَعَ عَنْهُ ؟ وَقَالَتِ
الْجَبْرِيَّةُ : أَعْظَمُ أَنْوَاعِ النِّعْمَةِ وَالرَّحْمَةِ هُوَ الْإِيمَانُ ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْإِيمَانُ مِنَ اللَّهِ بَلْ كَانَ مِنَ الْعَبْدِ لَكَانَ اسْمُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِالْعَبْدِ أَوْلَى مِنْهُ بِاللَّهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .