المسألة الثالثة : احتج أصحابنا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=109ولله ما في السماوات وما في الأرض ) على كونه خالقا لأعمال العباد ، فقالوا لا شك أن أفعال العباد من جملة ما في السماوات والأرض ، فوجب كونها له بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=109ولله ما في السماوات وما في الأرض ) وإنما يصح قولنا : إنها له لو كانت مخلوقة له فدلت هذه الآية على أنه خالق لأفعال العباد .
أجاب
الجبائي عنه بأن قوله : ( لله ) إضافة ملك لا إضافة فعل ، ألا ترى أنه يقال : هذا البناء لفلان
[ ص: 154 ] فيريدون أنه مملوكه لا أنه مفعوله ، وأيضا المقصود من الآية
nindex.php?page=treesubj&link=32501تعظيم الله لنفسه ومدحه لإلهية نفسه ، ولا يجوز أن يتمدح بأن ينسب إلى نفسه الفواحش والقبائح ، وأيضا فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=109ما في السماوات وما في الأرض ) إنما يتناول ما كان مظروفا في السماوات والأرض وذلك من صفات الأجسام لا من صفات الأفعال التي هي أعراض .
أجاب أصحابنا عنه بأن هذه الإضافة إضافة الفعل بدليل أن القادر على القبيح والحسن لا يرجح الحسن على القبيح إلا إذا حصل في قلبه ما يدعوه إلى فعل الحسن ، وتلك الداعية حاصلة بتخليق الله تعالى دفعا للتسلسل ، وإذا كان المؤثر في حصول فعل العبد هو مجموع القدرة والداعية ، وثبت أن مجموع القدرة والداعية بخلق الله تعالى ثبت أن
nindex.php?page=treesubj&link=28785فعل العبد مستند إلى الله تعالى خلقا وتكوينا بواسطة فعل السبب ، فهذا تمام القول في هذه المناظرة .
المسألة الرابعة : قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=109ولله ما في السماوات وما في الأرض ) زعمت الفلاسفة أنه إنما قدم ذكر ما في السماوات على ذكر ما في الأرض لأن الأحوال السماوية أسباب للأحوال الأرضية ، فقدم السبب على المسبب ، وهذا يدل على أن جميع الأحوال الأرضية مستندة إلى الأحوال السماوية ، ولا شك أن الأحوال السماوية مستندة إلى خلق الله وتكوينه فيكون الجبر لازما أيضا من هذا الوجه .
المسألة الخامسة : قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=109ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور ) فأعاد ذكر الله في أول الآيتين والغرض منه تأكيد التعظيم ، والمقصود أن منه مبدأ المخلوقات وإليه معادهم ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=109ولله ما في السماوات وما في الأرض ) إشارة إلى أنه سبحانه هو الأول وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=109وإلى الله ترجع الأمور ) إشارة إلى أنه هو الآخر ، وذلك يدل على إحاطة حكمه وتصرفه وتدبيره بأولهم وآخرهم ، وأن الأسباب منتسبة إليه وأن الحاجات منقطعة عنده .
المسألة السادسة : كلمة ( إلى ) في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=109وإلى الله ترجع الأمور ) لا تدل على كونه تعالى في مكان وجهة ، بل المراد أن
nindex.php?page=treesubj&link=28783رجوع الخلق إلى موضع لا ينفذ فيه حكم أحد إلا حكمه ولا يجري فيه قضاء أحد إلا قضاؤه .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=109وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) عَلَى كَوْنِهِ خَالِقًا لِأَعْمَالِ الْعِبَادِ ، فَقَالُوا لَا شَكَّ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مِنْ جُمْلَةِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، فَوَجَبَ كَوْنُهَا لَهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=109وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) وَإِنَّمَا يَصِحُّ قَوْلُنَا : إِنَّهَا لَهُ لَوْ كَانَتْ مَخْلُوقَةً لَهُ فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ خَالِقٌ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ .
أَجَابَ
الْجُبَّائِيُّ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ : ( لِلَّهِ ) إِضَافَةُ مِلْكٍ لَا إِضَافَةُ فِعْلٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ : هَذَا الْبِنَاءُ لِفُلَانٍ
[ ص: 154 ] فَيُرِيدُونَ أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ لَا أَنَّهُ مَفْعُولُهُ ، وَأَيْضًا الْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=32501تَعْظِيمُ اللَّهِ لِنَفْسِهِ وَمَدْحُهُ لِإِلَهِيَّةِ نَفْسِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَمَدَّحَ بِأَنْ يَنْسِبَ إِلَى نَفْسِهِ الْفَوَاحِشَ وَالْقَبَائِحَ ، وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=109مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ مَظْرُوفًا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ لَا مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ أَعْرَاضٌ .
أَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ إِضَافَةُ الْفِعْلِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْقَبِيحِ وَالْحَسَنِ لَا يُرَجِّحُ الْحَسَنَ عَلَى الْقَبِيحِ إِلَّا إِذَا حَصَلَ فِي قَلْبِهِ مَا يَدْعُوهُ إِلَى فِعْلِ الْحَسَنِ ، وَتِلْكَ الدَّاعِيَةُ حَاصِلَةٌ بِتَخْلِيقِ اللَّهِ تَعَالَى دَفْعًا لِلتَّسَلْسُلِ ، وَإِذَا كَانَ الْمُؤَثِّرُ فِي حُصُولِ فِعْلِ الْعَبْدِ هُوَ مَجْمُوعُ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِيَةِ ، وَثَبَتَ أَنَّ مَجْمُوعَ الْقُدْرَةِ وَالدَّاعِيَةِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى ثَبَتَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28785فِعْلَ الْعَبْدِ مُسْتَنِدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى خَلْقًا وَتَكْوِينًا بِوَاسِطَةِ فِعْلِ السَّبَبِ ، فَهَذَا تَمَامُ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمُنَاظَرَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=109وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) زَعَمَتِ الْفَلَاسِفَةُ أَنَّهُ إِنَّمَا قُدِّمَ ذِكْرُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ عَلَى ذِكْرِ مَا فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ السَّمَاوِيَّةَ أَسْبَابٌ لِلْأَحْوَالِ الْأَرْضِيَّةِ ، فَقُدِّمَ السَّبَبُ عَلَى الْمُسَبَّبِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْأَحْوَالِ الْأَرْضِيَّةِ مُسْتَنِدَةٌ إِلَى الْأَحْوَالِ السَّمَاوِيَّةِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَحْوَالَ السَّمَاوِيَّةَ مُسْتَنِدَةٌ إِلَى خَلْقِ اللَّهِ وَتَكْوِينِهِ فَيَكُونُ الْجَبْرُ لَازِمًا أَيْضًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=109وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) فَأَعَادَ ذِكْرَ اللَّهِ فِي أَوَّلِ الْآيَتَيْنِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ تَأْكِيدُ التَّعْظِيمِ ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مِنْهُ مَبْدَأَ الْمَخْلُوقَاتِ وَإِلَيْهِ مَعَادَهُمْ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=109وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=109وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ هُوَ الْآخِرُ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إِحَاطَةِ حُكْمِهِ وَتَصَرُّفِهِ وَتَدْبِيرِهِ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ، وَأَنَّ الْأَسْبَابَ مُنْتَسِبَةٌ إِلَيْهِ وَأَنَّ الْحَاجَاتِ مُنْقَطِعَةٌ عِنْدَهُ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : كَلِمَةُ ( إِلَى ) فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=109وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) لَا تَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ تَعَالَى فِي مَكَانِ وُجْهَةٍ ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28783رُجُوعَ الْخَلْقِ إِلَى مَوْضِعٍ لَا يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُ أَحَدٍ إِلَّا حُكْمُهُ وَلَا يَجْرِي فِيهِ قَضَاءُ أَحَدٍ إِلَّا قَضَاؤُهُ .