ثم قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن هذه الآية دلت على أن معرفة هذه المراتب الأربعة من ضرورات الإيمان .
فالمرتبة الأولى : هي
nindex.php?page=treesubj&link=28653الإيمان بالله سبحانه وتعالى ، وذلك لأنه ما لم يثبت أن للعالم صانعا قادرا على جميع المقدورات ، عالما بجميع المعلومات ، غنيا عن كل الحاجات ، لا يمكن معرفة صدق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فكانت معرفة الله تعالى هي الأصل ، فلذلك قدم الله تعالى هذه المرتبة في الذكر .
والمرتبة الثانية : أنه سبحانه وتعالى إنما يوحي إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بواسطة الملائكة ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ) [ النحل : 2 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=51وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ) [ الشورى : 51 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=97فإنه نزله على قلبك ) [ البقرة : 97 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نزل به الروح الأمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194على قلبك ) [ الشعراء : 193 ، 194 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5علمه شديد القوى ) [ النجم : 5 ] ، فإذا ثبت أن وحي الله تعالى إنما يصل إلى البشر بواسطة الملائكة ،
nindex.php?page=treesubj&link=28735فالملائكة يكونون كالواسطة بين الله تعالى وبين البشر ، فلهذا السبب جعل ذكر الملائكة في المرتبة الثانية ، ولهذا السر قال أيضا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط ) [ آل عمران : 18 ].
والمرتبة الثالثة : الكتب ، وهو
nindex.php?page=treesubj&link=28739الوحي الذي يتلقفه الملك من الله تعالى ويوصله إلى البشر وذلك في ضرب المثال يجري مجرى استنارة سطح القمر من نور الشمس فذات الملك كالقمر وذات الوحي كاستنارة القمر ، فكما أن ذات القمر مقدمة في الرتبة على استنارته فكذلك ذات الملك متقدم على حصول ذلك الوحي المعبر عنه بهذه الكتب ، فلهذا السبب كانت الكتب متأخرة في الرتبة عن الملائكة ، فلا جرم أخر الله تعالى ذكر الكتب عن ذكر الملائكة .
والمرتبة الرابعة : الرسل ، وهم الذين يقتبسون أنوار الوحي من الملائكة ، فيكونون متأخرين في الدرجة عن الكتب فلهذا السبب
nindex.php?page=treesubj&link=30172جعل الله تعالى ذكر الرسل في المرتبة الرابعة ، واعلم أن في ترتيب هذه المراتب الأربعة على هذا الوجه أسرارا غامضة ، وحكما عظيمة لا يحسن إيداعها في الكتب والقدر الذي ذكرناه كاف في التشريف .
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ ضَرُورَاتِ الْإِيمَانِ .
فَالْمَرْتَبَةُ الْأُولَى : هِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=28653الْإِيمَانُ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ لِلْعَالَمِ صَانِعًا قَادِرًا عَلَى جَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ ، عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ ، غَنِيًّا عَنْ كُلِّ الْحَاجَاتِ ، لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ صِدْقِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، فَكَانَتْ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ الْأَصْلُ ، فَلِذَلِكَ قَدَّمَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ فِي الذِّكْرِ .
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِنَّمَا يُوحِي إِلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=2يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) [ النَّحْلِ : 2 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=51وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ) [ الشُّورَى : 51 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=97فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ ) [ الْبَقَرَةِ : 97 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194عَلَى قَلْبِكَ ) [ الشُّعَرَاءِ : 193 ، 194 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) [ النَّجْمِ : 5 ] ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ وَحْيَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا يَصِلُ إِلَى الْبَشَرِ بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28735فَالْمَلَائِكَةُ يَكُونُونَ كَالْوَاسِطَةِ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ الْبَشَرِ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ جَعَلَ ذِكْرَ الْمَلَائِكَةِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ ، وَلِهَذَا السِّرِّ قَالَ أَيْضًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 18 ].
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ : الْكُتُبُ ، وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=28739الْوَحْيُ الَّذِي يَتَلَقَّفُهُ الْمَلَكُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَيُوصِلُهُ إِلَى الْبَشَرِ وَذَلِكَ فِي ضَرْبِ الْمِثَالِ يَجْرِي مَجْرَى اسْتِنَارَةِ سَطْحِ الْقَمَرِ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ فَذَاتُ الْمَلَكِ كَالْقَمَرِ وَذَاتُ الْوَحْيِ كَاسْتِنَارَةِ الْقَمَرِ ، فَكَمَا أَنَّ ذَاتَ الْقَمَرِ مُقَدَّمَةٌ فِي الرُّتْبَةِ عَلَى اسْتِنَارَتِهِ فَكَذَلِكَ ذَاتُ الْمَلَكِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى حُصُولِ ذَلِكَ الْوَحْيِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِهَذِهِ الْكُتُبِ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ كَانَتِ الْكُتُبُ مُتَأَخِّرَةً فِي الرُّتْبَةِ عَنِ الْمَلَائِكَةِ ، فَلَا جَرَمَ أَخَّرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرَ الْكُتُبِ عَنْ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ .
وَالْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ : الرُّسُلُ ، وَهُمُ الَّذِينَ يَقْتَبِسُونَ أَنْوَارَ الْوَحْيِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، فَيَكُونُونَ مُتَأَخِّرِينَ فِي الدَّرَجَةِ عَنِ الْكُتُبِ فَلِهَذَا السَّبَبِ
nindex.php?page=treesubj&link=30172جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرَ الرُّسُلِ فِي الْمَرْتَبَةِ الرَّابِعَةِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي تَرْتِيبِ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَسْرَارًا غَامِضَةً ، وَحِكَمًا عَظِيمَةً لَا يَحْسُنُ إِيدَاعُهَا فِي الْكُتُبِ وَالْقَدْرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كَافٍ فِي التَّشْرِيفِ .