المسألة الثانية : روي أن
nindex.php?page=treesubj&link=11827الإيلاء في الجاهلية كان طلاقا ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : كان الرجل لا يريد المرأة ولا يحب أن يتزوجها غيره ، فيحلف أن لا يقربها، فكان يتركها بذلك لا أيما ولا ذات بعل، والغرض منه مضارة المرأة، ثم إن أهل الإسلام كانوا يفعلون ذلك أيضا، فأزال الله تعالى ذلك وأمهل للزوج مدة حتى يتروى ويتأمل، فإن رأى المصلحة في ترك هذه المضارة فعلها، وإن رأى المصلحة في المفارقة عن المرأة فارقها .
المسألة الثالثة : قرأ
عبد الله : " آلوا من نسائهم " وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : " يقسمون من نسائهم ".
أما قوله : ( من نسائهم ) ففيه سؤال، وهو أنه يقال : المتعارف أن يقال : حلف فلان على كذا أو آلى على كذا، فلم أبدلت لفظة (على) هاهنا بلفظة (من) ؟
والجواب من وجهين :
الأول : أن يراد : لهم من نسائهم تربص أربعة أشهر، كما يقال : لي منك كذا .
والثاني : أنه ضمن في هذا القسم معنى البعد، فكأنه قيل : يبعدون من نسائهم مولين أو مقسمين.
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=226تربص أربعة أشهر ) فاعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=12387التربص التلبث والانتظار ، يقال : تربصت الشيء
[ ص: 70 ] تربصا، ويقال : ما لي على هذا الأمر ربصة، أي تلبث، وإضافة التربص إلى أربعة أشهر إضافة المصدر إلى الظرف ، كقوله : بينهما مسيرة يوم، أي مسيرة في يوم ، ومثله كثير.
أما قوله : ( فإن فاءوا ) فمعناه : فإن رجعوا،
nindex.php?page=treesubj&link=11786والفيء في اللغة هو رجوع الشيء إلى ما كان عليه من قبل ، ولهذا قيل لما تنسخه الشمس من الظل ثم يعود : فيء، وفرق أهل العربية بين الفيء والظل، فقالوا : الفيء ما كان بالعشي؛ لأنه الذي نسخته الشمس ، والظل ما كان بالغداة لأنه لم تنسخه الشمس . وفي الجنة ظل وليس فيها فيء؛ لأنه لا شمس فيها، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=30وظل ممدود ) [الواقعة : 30] وأنشدوا :
فلا الظل من برد الضحى يستطيعه ولا الفيء من برد العشي يذوق
وقيل : فلان سريع الفيء والفيئة ، حكاهما
الفراء عن العرب، أي سريع الرجوع عن الغضب إلى الحالة المتقدمة ، وقيل لما رده الله على المسلمين من مال المشركين : فيء ، كأنه كان لهم فرجع إليهم ، فقوله : ( فإن فاءوا ) معناه : فإن رجعوا عما حلفوا عليه من ترك جماعها (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=226فإن الله غفور رحيم ) للزوج إذا تاب من إضراره بامرأته ، كما أنه غفور رحيم لكل التائبين.
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=227وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ) فاعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=11762_11696العزم عقد القلب على الشيء ، يقال : عزم على الشيء يعزم عزما وعزيمة، وعزمت عليك لتفعلن، أي أقسمت، والطلاق مصدر طلقت المرأة أطلق طلاقا، وقال
الليث : طلقت بضم اللام، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي : طلقت بضم اللام من الطلاق أجود، ومعنى الطلاق هو حل عقد النكاح بما يكون حلالا في الشرع، وأصله من الانطلاق، وهو الذهاب، فالطلاق عبارة عن انطلاق المرأة. فهذا ما يتعلق بتفسير لفظ الآية.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : رُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=11827الْإِيلَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ طَلَاقًا ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ : كَانَ الرَّجُلُ لَا يُرِيدُ الْمَرْأَةَ وَلَا يُحِبُّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ ، فَيَحْلِفُ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا، فَكَانَ يَتْرُكُهَا بِذَلِكَ لَا أَيِّمًا وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ مُضَارَّةُ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ الْإِسْلَامِ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ أَيْضًا، فَأَزَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ وَأَمْهَلَ لِلزَّوْجِ مُدَّةً حَتَّى يَتَرَوَّى وَيَتَأَمَّلَ، فَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي تَرْكِ هَذِهِ الْمُضَارَّةِ فَعَلَهَا، وَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي الْمُفَارَقَةِ عَنِ الْمَرْأَةِ فَارَقَهَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَرَأَ
عَبْدُ اللَّهِ : " آلَوْا مِنْ نِسَائِهِمْ " وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : " يُقْسِمُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ".
أَمَّا قَوْلُهُ : ( مِنْ نِسَائِهِمْ ) فَفِيهِ سُؤَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يُقَالُ : الْمُتَعَارَفُ أَنْ يُقَالَ : حَلَفَ فُلَانٌ عَلَى كَذَا أَوْ آلَى عَلَى كَذَا، فَلِمَ أُبْدِلَتْ لَفْظَةُ (عَلَى) هَاهُنَا بِلَفْظَةِ (مِنْ) ؟
وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنْ يُرَادَ : لَهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، كَمَا يُقَالُ : لِي مِنْكَ كَذَا .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ ضَمَّنَ فِي هَذَا الْقَسَمِ مَعْنَى الْبُعْدِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : يَبْعُدُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ مُوَلِّينَ أَوْ مُقْسِمِينَ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=226تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) فَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=12387التَّرَبُّصَ التَّلَبُّثُ وَالِانْتِظَارُ ، يُقَالُ : تَرَبَّصْتُ الشَّيْءَ
[ ص: 70 ] تَرَبُّصًا، وَيُقَالُ : مَا لِي عَلَى هَذَا الْأَمْرِ رُبْصَةٌ، أَيْ تَلَبُّثٌ، وَإِضَافَةُ التَّرَبُّصِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إِضَافَةُ الْمَصْدَرِ إِلَى الظَّرْفِ ، كَقَوْلِهِ : بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ يَوْمٍ، أَيْ مَسِيرَةٌ فِي يَوْمٍ ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ.
أَمَّا قَوْلُهُ : ( فَإِنْ فَاءُوا ) فَمَعْنَاهُ : فَإِنْ رَجَعُوا،
nindex.php?page=treesubj&link=11786وَالْفَيْءُ فِي اللُّغَةِ هُوَ رُجُوعُ الشَّيْءِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ ، وَلِهَذَا قِيلَ لِمَا تَنْسَخُهُ الشَّمْسُ مِنَ الظِّلِّ ثُمَّ يَعُودُ : فَيْءٌ، وَفَرَّقَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ بَيْنَ الْفَيْءِ وَالظِّلِّ، فَقَالُوا : الْفَيْءُ مَا كَانَ بِالْعَشِيِّ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي نَسَخَتْهُ الشَّمْسُ ، وَالظِّلُّ مَا كَانَ بِالْغَدَاةِ لِأَنَّهُ لَمْ تَنْسَخْهُ الشَّمْسُ . وَفِي الْجَنَّةِ ظِلٌّ وَلَيْسَ فِيهَا فَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا شَمْسَ فِيهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=30وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ) [الْوَاقِعَةِ : 30] وَأَنْشَدُوا :
فَلَا الظِّلُّ مِنْ بَرْدِ الضُّحَى يَسْتَطِيعُهُ وَلَا الْفَيْءُ مِنْ بَرْدِ الْعَشِيِّ يَذُوقُ
وَقِيلَ : فُلَانٌ سَرِيعُ الْفَيْءِ وَالْفَيْئَةِ ، حَكَاهُمَا
الْفَرَّاءُ عَنِ الْعَرَبِ، أَيْ سَرِيعُ الرُّجُوعِ عَنِ الْغَضَبِ إِلَى الْحَالَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَقِيلَ لِمَا رَدَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَالِ الْمُشْرِكِينَ : فَيْءٌ ، كَأَنَّهُ كَانَ لَهُمْ فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ ، فَقَوْلُهُ : ( فَإِنْ فَاءُوا ) مَعْنَاهُ : فَإِنْ رَجَعُوا عَمَّا حَلَفُوا عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ جِمَاعِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=226فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) لِلزَّوْجِ إِذَا تَابَ مِنْ إِضْرَارِهِ بِامْرَأَتِهِ ، كَمَا أَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِكُلِّ التَّائِبِينَ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=227وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) فَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=11762_11696الْعَزْمَ عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى الشَّيْءِ ، يُقَالُ : عَزَمَ عَلَى الشَّيْءِ يَعْزِمُ عَزْمًا وَعَزِيمَةً، وَعَزَمْتُ عَلَيْكَ لَتَفْعَلَنَّ، أَيْ أَقْسَمْتُ، وَالطَّلَاقُ مَصْدَرُ طَلَّقْتُ الْمَرْأَةَ أُطَلِّقُ طَلَاقًا، وَقَالَ
اللَّيْثُ : طَلُقَتْ بِضَمِّ اللَّامِ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ : طَلُقَتْ بِضَمِّ اللَّامِ مِنَ الطَّلَاقِ أَجْوَدُ، وَمَعْنَى الطَّلَاقِ هُوَ حَلُّ عَقْدِ النِّكَاحِ بِمَا يَكُونُ حَلَالًا فِي الشَّرْعِ، وَأَصْلُهُ مِنْ الِانْطِلَاقِ، وَهُوَ الذَّهَابُ، فَالطَّلَاقُ عِبَارَةٌ عَنِ انْطِلَاقِ الْمَرْأَةِ. فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَفْسِيرِ لَفْظِ الْآيَةِ.