كريم كصفو الماء ليس بباخل بشيء ولا مهد ملاما لباخل
حدثنا عثمان بن محمد ، قال : سمعت أبا الحسن المذكر ، يذكر عن بعض أشياخه عن ، قال : " صحبت زنجيا في التيه وكان مفلفل الشعر ، فإذا ذكر الله ابيض ذي النون ، فورد علي أمر عظيم فقلت : لم يا هذا إنك إذا ذكرت الله تحول لونك وانقلبت عيناك ؟ قال : فجعل يخطر في التيه ويقول :
ذكرنا وما كنا لننسى فنذكر ولكن نسيم القلوب يبدو فيظهر
فأحيي به عني وأحيي به له إذ الحق عنه مخبر ومعبر
قال : فما طرق سمعي مثل حكمة ذلك الزنجي ، فعلمت أن لله تعالى عبادا تعلو قلوبهم بالأذكار كما تعلو الأطيار في الأوكار ، لو فتشت منهم القلوب لما وجدت فيها غير حب المحبوب . قال : ثم بكى ذو النون ، وأنشأ يقول : ذو النون
وأذكر أصنافا من الذكر حشوها وداد وشوق يبعثان على الذكر
فذكر أليف الحب ممتزج بها يحل محل الروح في طرفها يسري
[ ص: 392 ] وذكر يعز النفس منها لأنه لها متلف من حيث يدري ولا تدري
وذكر علا مني المفاوز والذرى يجل عن الأوصاف بالوهم والفكر
أخبرنا محمد بن أحمد البغدادي - في كتابه - ، وحدثني عنه عثمان بن محمد ، حدثني أبو محمد عبد الله بن سهل ، قال : سمعت ، وسألته قلت : ذا النون المصري أبا الفيض " . قلت : متى يتم زهدي بعد ورعي ؟ قال : " إذا جعلت الفرض لك معلما ، وأقمت الطاعة لك مفهما " . قلت : فمتى أومن ؟ قال : " إذا اشتمل الفرض على أمرك ، وملكت الطاعة على نفسك " قلت : فمتى أتوكل ؟ قال : " اليقين إذا تم سمي توكلا " قلت : متى تخلص لله صلاتي ؟ قال : " إذا سكنت معادن الأنوار من قلبك ، ونفذته في ملكوت همك ؟ قال : " إذا سمجت الدنيا في عينك ، وقذفت أملك فيها بين يديك " . قلت : فمتى أخاف ربي ؟ قال : " إذا سرحت بصرك في عظمته ، ومثلت لنفسك أمثال نقمته " . قلت : فمتى يتم صومي ؟ قال : " إذا جوعت نفسك من البغضاء ، وأمت لسانك من الفحشاء " . قلت : فمتى أعرف ربي ؟ قال : " إذا كان لك جليسا ، ولم تر لنفسك سواه أنيسا " ، قلت : فمتى أحب ربي ؟ قال : " إذا كان ما أسخطه عندك أمر من الصبر " قلت : متى يتم حبي لربي ؟ قال : " إذا جعلت الآخرة لك قرارا ولم تسم الدنيا لك مسكنا ودارا " ، قلت : فمتى يشتد في بغض الدنيا ؟ قال : " إذا جعلت الدنيا طريق مخافة لا تلتفت إلى ما قطعت منها ، وجعلت الآخرة ساحة مأمونة لا تأمن إلا بالنزول فيها " . فمتى أشتاق إلى ربي
قلت : ؟ قال : " إذا كنت تقدم على حبيب وتصير عن أمر قريب " . قلت : فمتى أستلذ الموت ؟ قال : " إذا جعلت الدنيا خلف ظهرك ، وجعلت الآخرة نصب عينيك " . قلت : فمتى أتقي شهوات مطاعم الأرض ؟ قال : " إذا خالط قلبك الملكوت ومزج في سرائر الجبروت " ، قلت : فمتى تطيب معرفتي ، قال : " إذا استوحشت من الدنيا واشتد فرحك بنزول البلاء " . قلت : فمتى أستقبح الدنيا ؟ قال : " إذا علمت أن زينتها فساد كل معنى ، وأن محاسنها تفضي إلى كل حسرة " . قلت : فمتى أكتفي بأهون الأغذية ؟ قال : " إذا عرفت هلاك الشهوات وسرعة انقطاع عذوبة اللذات " . قلت : فمتى قنوع التمام ؟ قال : " إذا [ ص: 393 ] كان زخرف الدنيا عندك صغيرا ، وكان خوف الآخرة لك ذكرا " . قلت : فمتى أستحق ترك الجمع ؟ قال : " إذا عرفت أنك منقول إلى معاد ، وأنك مأخوذ بتبعات العباد " . قلت : فمتى آمر بالمعروف ؟ قال : " إذا كانت شفقتك على غيرك ، وخالفت العباد لمحبة ربك " . قلت : فمتى أوثر الله ولا أوثر عليه سواه ؟ قال : " إذا أبغضت فيه الحبيب وجانبت فيه القريب " . قلت : فمتى أفزع إلى ذكره وآنس بشكره ؟ قال : " إذا سررت ببلائه ، وفرحت بنزول قضائه " . فمتى أحب لقاء ربي
حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة ، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان ، قال : سمعت ، يقول : " ذا النون ويسمع ويحس به في ملكوت ربه ، والمهيب له يهاب جميع ما يرى ويسمع ويحس به في ملك ربه ويستأنس بالذر فما دونه ويهابه " . المستأنس بالله في وقت استئناسه يستأنس بجميع ما يرى
قال : وقال : " ثلاثة من أعلام الإسلام : النظر لأهل الملة ، وكف الأذى عنهم ، والعفو عند القدرة لمسيئهم ، وثلاثة من أعلام الإيمان : ذو النون ، وارتعاش القلب عند الفرائض حتى يؤديها ، والتوبة عند كل ذنب خوفا من الإصرار . وثلاثة من أعلام التوفيق : الوقوع في الأعمال بلا استعداد له ، والسلامة من الذنب مع الميل وقلة الهرب منه ، واستخراج الدعاء والابتهال . إسباغ الطهارات في المكاره : ترك الكلام لمن يكفيه الكلام ، وترك الحرص في إظهار العلم عند القرناء ، ووجدان الألم لكراهة الكلام عند المحاورة والموعظة . وثلاثة من أعلام الخمول : قلة الغضب عند مخالفة الرأي ، والاحتمال عن الورى إخباتا للرب ، ونسيان إساءة المسيء عفوا عنه واتساعا عليه . وثلاثة من أعلام الحلم : ترك الشهوة المذمومة مع الاستمكان منها ، والوفاء بالصالحات مع نفور النفس منها ، ورد الأمانات إلى أهلها مع الحاجة إليها . وثلاثة من أعلام الاتعاظ بالله : الهرب إليه من كل شيء ، وسؤال كل شيء منه ، والدلال في كل وقت عليه . وثلاثة من أعلام التقوى : العبادة بحلاوة القلب ، والإنفاق في سبيل الله برؤية الثواب ، والمثابرة على فضائل الأعمال بخالص التنافس . وثلاثة من أعلام الحب في الله : [ ص: 394 ] بذل الشيء لصفاء الود ، وتعطيل الإرادة لإرادة الله ، والسخاء بالنفس والمشاركة في محبوبه ومكروهه بصفة العقد ، وثلاثة من أعلام الحياء : وزن الكلام قبل التفوه به ، ومجانبة ما يحتاج إلى الاعتذار منه ، وترك إجابة السفيه حلما عنه . فأما الحياء من الله تعالى فهو ما قال الرسول عليه الصلاة والسلام : " أن لا تنسى المقابر والبلا ، وأن تحفظ الرأس وما حوى ، وأن تترك زينة الحياة الدنيا " وثلاثة من أعلام الأفضال : صلة القاطع ، وإعطاء المانع ، والعفو عن الظالم ، وثلاثة من أعلام الصدق : ملازمة الصادقين ، والسكون عند نظر المنفوسين ، ووجدان الكراهة لاطلاع الخلق على السرائر استقامة على الحق سرا وجهرا ، لإيثار رب العالمين . وثلاثة من أعلام الرجاء
وثلاثة من أعلام الانقطاع إلى الله : تقديم العلم ، وتلقين الحكم ، وتأليل الفهم . : إطعام الطعام ، وإفشاء السلام ، ونشر الحسن . وثلاثة من أعلام التودد : التأني في الأحداث ، والتوقر في الزلال ، والترفق في المقال . وثلاثة من أعمال الرشد : حسن المجاورة ، والنصح عند المشاورة ، والبر في المجاورة . وثلاثة من أعلام السعادة : الفقه في الدين ، والتيسير للعمل ، والإخلاص في السعي " . وثلاثة من أعلام المروءة
أخبرنا محمد بن الحسين بن موسى النيسابوري ، أنبأنا الحسن بن رشيق ، ثنا علي بن يعقوب ، عن سويد الوراق ، ثنا محمد بن إبراهيم البغدادي ، ثنا محمد بن سعيد الخوارزمي ، قال : سمعت ، وسئل عن المحبة ، فقال : " أن ذا النون ، وتفعل الخير كله ، وترفض كل ما يشغل عن الله ، وأن لا تخاف في الله لومة لائم مع العطف للمؤمنين ، والغلظة للكافرين ، واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين " . تحب ما أحب الله ، وتبغض ما أبغض الله
أخبرنا محمد ، قال : سمعت ، يقول : سمعت أبا بكر بن شاذان الرازي يوسف بن الحسين ، يقول : سمعت ، يقول : " قال الله تعالى : ذا النون ، فليثق بي ، وليحكم علي ، فوعزتي لو سألني زوال الدنيا لأزلتها له " . من كان لي مطيعا كنت له وليا
أخبرني محمد بن أحمد البغدادي - في كتابه - وقد رأيته ، وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني ، قال : سمعت عبد الله بن محمد بن ميمون ، يقول : سمعت ، [ ص: 395 ] يقول : " ذا النون ، والتفرد بالله الانقطاع إليه من كل شيء سوى الله " . الأنس بالله من صفاء القلب مع الله
أخبرنا محمد بن الحسين ، قال : سمعت ، يقول : سمعت منصور بن عبد الله العباس بن يوسف ، يقول : سمعت سعيد بن عثمان ، يقول : ، يقول : " لئن مددت يدي إليك داعيا لطالما كفيتني ساهيا ذا النون ، فلا أقطع منك رجائي بما عملت يداي ، حسبي من سؤالي علمك بي " . سمعت
قال : وسمعت ، يقول : " ذا النون ، ومن غيب عن ملاحظة نفسه فقد استمكن من مجانبة الإخلاص ، ومن كان حظه من الأشياء هواه لا يبالي ما فاته مما هو دونه " . من أنس بالخلق فقد استمكن من بساط الفراعنة
حدثنا محمد ، قال : سمعت علي بن محمد ، قال : قال يوسف بن الحسين : سمعت يقول : ذا النون . من تزين بعمله كانت حسناته سيئات
وسمعت يقول : الصدق سيف الله في أرضه ما وضعه على شيء إلا قطعه ذا النون .
قال : وسمعت ، يقول : " أدنى منازل الأنس أن يلقى في النار فلا يغيب همه عن مأموله ذا النون " .
سمعت نصر بن أبي نصر ، يقول : قال : " ذو النون " . الخوف رقيب العمل ، والرجاء شفيع المحن
أخبرنا محمد بن الحسين ، قال : سمعت أحمد بن علي بن جعفر ، يقول : سمعت ، يقول : سمعت الحسن بن سهل علي بن عبد الله ، يقول : سمعت ، يقول : " مفتاح العبادة الفكرة ذا النون ، وعلامة الهوى متابعة الشهوات ، وعلامة التوكل انقطاع المطامع " .
أخبرنا محمد ، قال : سمعت ، يقول : سمعت أبا جعفر الرازي العباس بن حمزة ، يقول : سمعت ، يقول : " إن ذا النون إنما يلزم ربه في الحالات كلها " . العارف لا يلزم حالة واحدة