فصل
فتضمنت هذه السنن أحكاما عديدة . أحدها : أنه لا يجوز حتى يعلم براءة رحمها ، فإن كانت حاملا فبوضع حملها ، وإن كانت حائلا فبأن تحيض حيضة . فإن لم تكن من ذوات الحيض فلا نص فيها ، واختلف فيها وفي البكر وفي التي يعلم براءة رحمها بأن حاضت عند البائع ، ثم باعها عقيب الحيض ولم يطأها ولم يخرجها عن ملكه ، أو كانت عند امرأة وهي مصونة فانتقلت عنها إلى رجل ، فأوجب وطء المسبية ، الشافعي وأبو [ ص: 634 ] حنيفة ، وأحمد الاستبراء في ذلك كله أخذا بعموم الأحاديث واعتبارا بالعدة حيث تجب مع العلم ببراءة الرحم ، واحتجاجا بآثار الصحابة كما ذكر عبد الرزاق . حدثنا قال قال ابن جريج عطاء : تداول ثلاثة من التجار جارية فولدت فدعا رضي الله عنه القافة فألحقوا ولدها بأحدهم ، ثم قال عمر بن الخطاب عمر رضي الله عنه ( من ابتاع جارية قد بلغت المحيض فليتربص بها حتى تحيض فإن كانت لم تحض فليتربص بها خمسا وأربعين ليلة )
قالوا : وقد أوجب الله العدة على من يئست من المحيض وعلى من لم تبلغ سن المحيض وجعلها ثلاثة أشهر ، والاستبراء عدة الأمة فيجب على الآيسة ومن لم تبلغ سن المحيض .
وقال آخرون : العلم ببراءة الرحم ، فحيث تيقن المالك براءة رحم الأمة فله وطؤها ، ولا استبراء عليه كما رواه المقصود من الاستبراء عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن نافع ( ، عن رضي الله عنه قال : إذا كانت الأمة عذراء لم يستبرئها إن شاء ) وذكره ابن عمر في " صحيحه " عنه . البخاري
وذكر ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد أيوب بن عبد الله اللخمي ، عن قال ( وقعت في سهمي جارية يوم جلولاء كأن عنقها إبريق فضة ، قال ابن عمر : فما ملكت نفسي أن جعلت أقبلها والناس ينظرون ) ابن عمر
ومذهب مالك إلى هذا يرجع ، وهاك قاعدته وفروعها : قال ، وقد عقد قاعدة لباب الاستبراء فنذكرها بلفظها : والقول الجامع في ذلك أن كل أمة أمن عليها الحمل فلا يلزم فيها الاستبراء ، وكل من غلب على الظن كونها حاملا ، أو شك في حملها ، أو تردد [ ص: 635 ] فيه فالاستبراء لازم فيها ، وكل من غلب الظن ببراءة رحمها ، لكنه مع الظن الغالب يجوز حصوله ، فإن المذهب على قولين في ثبوت الاستبراء وسقوطه . أبو عبد الله المازري
ثم خرج على ذلك الفروع المختلفة ، فيها كاستبراء الصغيرة التي تطيق الوطء ، والآيسة ، وفيه روايتان عنمالك ، قال صاحب ( الجواهر ) : ويجب في الصغيرة إذا كانت ممن قارب سن الحمل كبنت ثلاث عشرة ، أو أربع عشرة ، وفي إيجاب الاستبراء إذا كانت ممن تطيق الوطء ، ولا يحمل مثلها كبنت تسع وعشر ، روايتان ، أثبته في روايةابن القاسم ، ونفاه في رواية ، وإن كانت ممن لا يطيق الوطء فلا استبراء فيها . ابن عبد الحكم
قال : ويجب الاستبراء فيمن جاوزت سن الحيض ، ولم تبلغ سن الآيسة ، مثل ابنة الأربعين والخمسين .
وأما التي قعدت عن المحيض ، ويئست عنه ، فهل يجب فيها الاستبراء ، أو لا يجب ؟ روايتان لابن القاسم ، وابن عبد الحكم .
قال المازري : ووجه ، أنه يمكن فيهما الحمل على الندور ، أو لحماية الذريعة ، لئلا يدعى في مواضع الإمكان أن لا إمكان . استبراء الصغيرة التي تطيق الوطء والآيسة
قال : ومن ذلك خوفا أن تكون زنت ، وهو المعبر عنه بالاستبراء لسوء الظن ، وفيه قولان والنفي استبراء الأمة لأشهب .
قال ومن ذلك ، فيه قولان ، الغالب : عدم وطء السادات لهن ، وإن كان يقع في النادر . استبراء الأمة الوخش
ومن ذلك ، ففي وجوبه روايتان عن استبراء من باعها مجبوب ، أو امرأة ، أو ذو محرم مالك .
ومن ذلك ، استبراء المكاتبة إذا كانت تتصرف ثم عجزت ، فرجعت إلى سيدها فابن القاسم يثبت الاستبراء ، وأشهب ينفيه .
ومن ذلك ، قال استبراء البكر أبو الحسن اللخمي : هو مستحب على [ ص: 636 ] وجه الاحتياط غير واجب ، وقال غيره من أصحاب مالك : هو واجب .
ومن ذلك إذا ، فإنه يجزئ استبراء البائع عن استبراء المشتري . استبرأ البائع الأمة ، وعلم المشتري أنه قد استبرأها
ومن ذلك إذا ، لم يحتج إلى استبراء ثان ، وأجزأت تلك الحيضة عن استبرائها ، وهذا بشرط أن لا تخرج ، ولا يكون سيدها يدخل عليها . أودعه أمة ، فحاضت عند المودع حيضة ، ثم استبرأها
ومن ذلك أن ، يشتريها من زوجته ، أو ولد له صغير في عياله وقد حاضت عند البائع فابن القاسم يقول : إن كانت لا تخرج أجزأه ذلك ، وأشهب يقول : إن كان مع المشتري في دار وهو الذاب عنها ، والناظر في أمرها أجزأه ذلك ، سواء كانت تخرج أو لا تخرج .
ومن ذلك إن كان سيد الأمة غائبا ، فحين قدم ، اشتراها منه رجل قبل أن تخرج ، أو خرجت وهي حائض ، فاشتراها قبل أن تطهر ، فلا استبراء عليه .
ومن ذلك إذا بيعت وهي حائض في أول حيضها ، فالمشهور من مذهبه أن ذلك يكون استبراء لها لا يحتاج إلى حيضة مستأنفة .
ومن ذلك ، الشريك يشتري نصيب شريكه من الجارية وهي تحت يد المشتري منهما ، وقد حاضت في يده ، فلا استبراء عليه .
وهذه الفروع كلها من مذهبه تنبيك عن مأخذه في الاستبراء ، وأنه إنما يجب حيث لا يعلم ولا يظن براءة الرحم ، فإن علمت أو ظنت ، فلا استبراء ، وقد قال أبو العباس ابن سريج وأبو العباس ابن تيمية : إنه لا يجب استبراء البكر ، كما صح عن - رضي الله عنهما - وبقولهم نقول ، وليس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص عام في وجوب استبراء كل من تجدد له عليها ملك على أي [ ص: 637 ] حالة كانت ، وإنما نهى عن وطء السبايا حتى تضع حواملهن ، وتحيض حوائلهن . ابن عمر
فإن قيل : فعمومه يقتضي تحريم وطء أبكارهن قبل الاستبراء ، كما يمتنع وطء الثيب ؟
قيل : نعم ، وغايته أنه عموم أو إطلاق ظهر القصد منه ، فيخص أو يقيد عند انتفاء موجب الاستبراء ، ويخص أيضا بمفهوم قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث رويفع : ( ) . ويخص أيضا بمذهب الصحابي ، ولا يعلم له مخالف . من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ينكح ثيبا من السبايا حتى تحيض
وفي ( صحيح ) : من حديث البخاري بريدة ، قال : عليا - رضي الله عنه - إلى خالد يعني باليمين ليقبض الخمس فاصطفى علي منها سبية ، فأصبح وقد اغتسل ، فقلت لخالد : أما ترى إلى هذا ؟ وفي رواية : فقال خالد لبريدة : ألا ترى ما صنع هذا ؟ قال بريدة : وكنت أبغض عليا - رضي الله عنه - فلما قدمنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكرت ذلك له فقال : ( يا بريدة أتبغض عليا ) ؟ قلت : نعم . قال : ( لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك ) . بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فهذه الجارية إما أن تكون بكرا فلم ير علي وجوب استبرائها ، وإما أن تكون في آخر حيضها ، فاكتفى بالحيضة قبل تملكه لها . وبكل حال ، فلا بد أن يكون تحقق براءة رحمها بحيث أغناه عن الاستبراء .
فإذا تأملت قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حق التأمل ، وجدت قوله : ( ) ، ظهر لك منه أن المراد بغير ذات الحمل من يجوز أن تكون حاملا ، وأن لا تكون ، فيمسك عن وطئها [ ص: 638 ] مخافة الحمل ، لأنه لا علم له بما اشتمل عليه رحمها ، وهذا قاله في المسبيات لعدم علم السابي بحالهن . ولا توطأ حامل حتى تضع ، ولا غير ذات حمل حتى تحيض