فصل
في
nindex.php?page=treesubj&link=28895_18635_28896_31002هديه صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن واستماعه وخشوعه وبكائه عند قراءته ، واستماعه وتحسين صوته به وتوابع ذلك
كان له صلى الله عليه وسلم حزب يقرؤه ، ولا يخل به ، وكانت قراءته ترتيلا لا هذا ولا عجلة ، بل قراءة مفسرة حرفا حرفا . وكان يقطع قراءته آية آية ، وكان يمد عند حروف المد ، فيمد ( الرحمن ) ويمد ( الرحيم ) وكان يستعيذ بالله من الشيطان
[ ص: 464 ] الرجيم في أول قراءته فيقول : " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " وربما كان يقول : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000760اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ) وكان تعوذه قبل القراءة .
وكان يحب أن يسمع القرآن من غيره ، وأمر
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ، فقرأ عليه وهو يسمع . وخشع صلى الله عليه وسلم لسماع القرآن منه حتى ذرفت عيناه .
وكان يقرأ القرآن قائما ، وقاعدا ، ومضطجعا ، ومتوضئا ، ومحدثا ، ولم يكن يمنعه من قراءته إلا الجنابة .
وكان صلى الله عليه وسلم يتغنى به ، ويرجع صوته به أحيانا كما رجع يوم الفتح في قراءته (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل ترجيعه ، آ آ آ ثلاث مرات ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
وإذا جمعت هذه الأحاديث إلى قوله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000761زينوا القرآن بأصواتكم ) . وقوله :
[ ص: 465 ] (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000762ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) . وقوله (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000763ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن ) . علمت أن هذا الترجيع منه صلى الله عليه وسلم كان اختيارا لا اضطرارا لهز الناقة له ، فإن هذا لو كان لأجل هز الناقة لما كان داخلا تحت الاختيار فلم يكن
nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل يحكيه ويفعله اختيارا ليؤتسى به وهو يرى هز الراحلة له حتى ينقطع صوته ، ثم يقول كان يرجع في قراءته فنسب الترجيع إلى فعله . ولو كان من هز الراحلة ، لم يكن منه فعل يسمى ترجيعا .
وقد استمع ليلة لقراءة
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري فلما أخبره بذلك قال : ( لو كنت أعلم أنك تسمعه لحبرته لك تحبيرا ) أي حسنته وزينته بصوتي تزيينا ،
[ ص: 466 ] وروى
أبو داود في " سننه " عن
عبد الجبار بن الورد قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة يقول : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16407عبد الله بن أبي يزيد : مر بنا
أبو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته فإذا رجل رث الهيئة فسمعته يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000764ليس منا من لم يتغن بالقرآن . قال فقلت nindex.php?page=showalam&ids=12531لابن أبي مليكة يا أبا محمد أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت قال يحسنه ما استطاع )
قلت : لا بد من كشف هذه المسألة وذكر اختلاف الناس فيها ، واحتجاج كل فريق ، وما لهم وعليهم في احتجاجهم ، وذكر الصواب في ذلك بحول الله تبارك وتعالى ومعونته ، فقالت طائفة : تكره قراءة الألحان ، وممن نص على ذلك
أحمد ،
ومالك وغيرهما ، فقال
أحمد في رواية
علي بن سعيد في قراءة الألحان : ما تعجبني وهو محدث . وقال في رواية
المروزي :
nindex.php?page=treesubj&link=29584القراءة بالألحان بدعة لا تسمع ، وقال في رواية
عبد الرحمن المتطبب : قراءة الألحان بدعة ، وقال في رواية ابنه
عبد الله ،
nindex.php?page=showalam&ids=17410ويوسف بن موسى ،
ويعقوب بن بختان ،
والأثرم ،
وإبراهيم بن الحارث : القراءة بالألحان لا تعجبني إلا أن يكون ذلك حزنا فيقرأ بحزن مثل صوت
أبي موسى ، وقال في رواية
صالح (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000761زينوا القرآن بأصواتكم ) معناه أن يحسنه وقال في رواية
المروزي : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000765ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي حسن الصوت أن يتغنى بالقرآن ) ، وفي رواية قوله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000762ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) ، فقال كان
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة يقول : يستغني به . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يرفع صوته ، وذكر له حديث
nindex.php?page=showalam&ids=17112معاوية بن قرة في قصة قراءة سورة
[ ص: 467 ] الفتح والترجيع فيها ، فأنكر
أبو عبد الله أن يكون على معنى الألحان ، وأنكر الأحاديث التي يحتج بها في الرخصة في الألحان .
وروى
ابن القاسم ، عن
مالك أنه سئل عن
nindex.php?page=treesubj&link=22734الألحان في الصلاة فقال لا تعجبني ، وقال إنما هو غناء يتغنون به ، ليأخذوا عليه الدراهم ، وممن رويت عنه الكراهة
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=14946والقاسم بن محمد ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي . وقال
عبد الله بن يزيد العكبري : سمعت رجلا يسأل
أحمد ما تقول في القراءة بالألحان ؟ فقال ما اسمك ؟ قال
محمد قال أيسرك أن يقال لك : يا موحمد ممدودا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى : هذه مبالغة في الكراهة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13998الحسن بن عبد العزيز الجروي : أوصى إلي رجل بوصية وكان فيما خلف جارية تقرأ بالألحان وكانت أكثر تركته أو عامتها ، فسألت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ،
nindex.php?page=showalam&ids=14061والحارث بن مسكين ،
وأبا عبيد كيف أبيعها ؟ فقالوا : بعها ساذجة فأخبرتهم بما في بيعها من النقصان ، فقالوا : بعها ساذجة ، قال القاضي : وإنما قالوا ذلك ، لأن سماع ذلك منها مكروه ، فلا يجوز أن يعاوض عليه كالغناء .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : وقالت طائفة :
nindex.php?page=treesubj&link=18977التغني بالقرآن ،هو تحسين الصوت به والترجيع بقراءته ، قال : والتغني بما شاء من الأصوات واللحون هو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك ،
nindex.php?page=showalam&ids=15409والنضر بن شميل ، قال : وممن أجاز الألحان في القرآن : ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول
لأبي موسى : ( ذكرنا ربنا فيقرأ
أبو موسى ويتلاحن وقال : من استطاع أن يتغنى بالقرآن غناء
أبي موسى فليفعل ) وكان
nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر من أحسن الناس صوتا بالقرآن فقال له
عمر : ( اعرض علي سورة كذا ، فعرض عليه فبكى
عمر ، وقال ما كنت أظن أنها نزلت ) قال : وأجازه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وروي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح ، قال : وكان
nindex.php?page=showalam&ids=16333عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد ،
[ ص: 468 ] يتتبع الصوت الحسن في المساجد في شهر رمضان . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وأصحابه : أنهم كانوا يستمعون القرآن بالألحان . وقال
محمد بن عبد الحكم : رأيت أبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
ويوسف بن عمر يستمعون القرآن بالألحان وهذا اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري .
قال المجوزون - واللفظ
nindex.php?page=showalam&ids=16935لابن جرير - : الدليل : على أن معنى الحديث تحسين الصوت ، والغناء المعقول الذي هو تحزين القارئ سامع قراءته ، كما أن الغناء بالشعر هو الغناء المعقول الذي يطرب سامعه - : ما روى
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
أبي سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000766ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الترنم بالقرآن ) ومعقول عند ذوي الحجا ، أن الترنم لا يكون إلا بالصوت إذا حسنه المترنم وطرب به . وروي في هذا الحديث (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000767ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : وهذا الحديث من أبين البيان أن ذلك كما قلنا ، قال ولو كان كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة يعني : يستغني به عن غيره لم يكن لذكر حسن الصوت والجهر به معنى ، والمعروف في كلام العرب أن التغني إنما هو الغناء الذي هو حسن الصوت بالترجيع ، قال الشاعر
تغن بالشعر إما كنت قائله إن الغناء لهذا الشعر مضمار
قال : وأما ادعاء الزاعم ، أن تغنيت بمعنى استغنيت فاش في كلام العرب ، فلم نعلم أحدا قال به من أهل العلم بكلام العرب .
وأما احتجاجه لتصحيح قوله بقول
الأعشى :
وكنت امرءا زمنا بالعراق عفيف المناخ طويل التغن
[ ص: 469 ] وزعم أنه أراد بقوله : طويل التغني : طويل الاستغناء فإنه غلط منه ، وإنما عنى
الأعشى بالتغني في هذا الموضع : الإقامة من قول العرب : غنى فلان بمكان كذا : إذا أقام به ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=92كأن لم يغنوا فيها ) [ الأعراف : 92 ] ، واستشهاده بقول الآخر :
كلانا غني عن أخيه حياته ونحن إذا متنا أشد تغانيا
فإنه إغفال منه ، وذلك لأن التغاني تفاعل من تغنى : إذا استغنى كل واحد منهما عن صاحبه ، كما يقال تضارب الرجلان ، إذا ضرب كل واحد منهما صاحبه ، وتشاتما ، وتقاتلا . ومن قال : هذا في فعل اثنين ، لم يجز أن يقول مثله في فعل الواحد ، فيقول : تغانى زيد ، وتضارب عمرو ، وذلك غير جائز أن يقول : تغنى زيد بمعنى استغنى ، إلا أن يريد به قائله أنه أظهر الاستغناء ، وهو غير مستغن كما يقال تجلد فلان إذا أظهر جلدا من نفسه ، وهو غير جليد ، وتشجع ، وتكرم ، فإن وجه موجه التغني بالقرآن إلى هذا المعنى على بعده من مفهوم كلام العرب ، كانت المصيبة في خطئه في ذلك أعظم لأنه يوجب على من تأوله أن يكون الله تعالى ذكره لم يأذن لنبيه أن يستغني بالقرآن ، وإنما أذن له أن يظهر من نفسه لنفسه خلاف ما هو به من الحال ، وهذا لا يخفى فساده . قال : ومما يبين فساد تأويل
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة أيضا أن الاستغناء عن الناس بالقرآن من المحال
[ ص: 470 ] أن يوصف أحد به أنه يؤذن له فيه أو لا يؤذن ، إلا أن يكون الأذن عند
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة بمعنى الإذن الذي هو إطلاق وإباحة ، وإن كان كذلك ، فهو غلط من وجهين ، أحدهما : من اللغة ، والثاني : من إحالة المعنى عن وجهه . أما اللغة ، فإن الأذن مصدر قوله : أذن فلان لكلام فلان ، فهو يأذن له : إذا استمع له وأنصت ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=2وأذنت لربها وحقت ) [ الانشقاق : 2 ] ، بمعنى سمعت لربها وحق لها ذلك ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16559عدي بن زيد :
إن همي في سماع وأذن
بمعنى ، في سماع واستماع . فمعنى قوله : ما أذن الله لشيء ، إنما هو : ما استمع الله لشيء من كلام الناس ما استمع لنبي يتغنى بالقرآن . وأما الإحالة في المعنى ، فلأن الاستغناء بالقرآن عن الناس غير جائز وصفه بأنه مسموع ومأذون له ، انتهى كلام
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12997أبو الحسن بن بطال : وقد وقع الإشكال في هذه المسألة أيضا بما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15945زيد بن الحباب ، قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17178موسى بن علي بن رباح ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000768تعلموا القرآن وتغنوا به واكتبوه ، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا من المخاض من العقل ) . قال : وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16670عمر بن شبة ، قال : ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12063لأبي عاصم النبيل تأويل
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة في قوله ( يتغنى بالقرآن ) يستغني به ، فقال لم يصنع
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة شيئا ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
[ ص: 471 ] عطاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير ، قال : كانت
لداود نبي الله صلى الله عليه وسلم معزفة يتغنى عليها يبكي ويبكي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : إنه كان يقرأ الزبور بسبعين لحنا ، تكون فيهن ، ويقرأ قراءة يطرب منها الجموع .
وسئل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله عن تأويل
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة فقال : نحن أعلم بهذا ، لو أراد به الاستغناء ، لقال : " من لم يستغن بالقرآن " ، ولكن لما قال : ( يتغنى بالقرآن ) ، علمنا أنه أراد به التغني .
قالوا : ولأن تزيينه ، وتحسين الصوت به والتطريب بقراءته أوقع في النفوس وأدعى إلى الاستماع والإصغاء إليه ، ففيه تنفيذ للفظه إلى الأسماع ، ومعانيه إلى القلوب ، وذلك عون على المقصود ، وهو بمنزلة الحلاوة التي تجعل في الدواء لتنفذه إلى موضع الداء ، وبمنزلة الأفاويه والطيب الذي يجعل في الطعام ، لتكون الطبيعة أدعى له قبولا وبمنزلة الطيب والتحلي وتجمل المرأة لبعلها ليكون أدعى إلى مقاصد النكاح . قالوا : ولا بد للنفس من طرب واشتياق إلى الغناء فعوضت عن طرب الغناء بطرب القرآن كما عوضت عن كل محرم ومكروه بما هو خير لها منه ، وكما عوضت عن الاستقسام بالأزلام بالاستخارة التي هي محض التوحيد والتوكل ، وعن السفاح بالنكاح ، وعن القمار بالمراهنة بالنصال ، وسباق الخيل ، وعن السماع الشيطاني بالسماع الرحماني القرآني ، ونظائره كثيرة جدا .
قالوا : والمحرم ، لا بد أن يشتمل على مفسدة راجحة أو خالصة ، وقراءة التطريب والألحان لا تتضمن شيئا من ذلك فإنها لا تخرج الكلام عن وضعه ولا تحول بين السامع وبين فهمه ، ولو كانت متضمنة لزيادة الحروف كما ظن المانع منها لأخرجت الكلمة عن موضعها وحالت بين السامع وبين فهمها ولم يدر ما معناها ، والواقع بخلاف ذلك .
قالوا : وهذا التطريب والتلحين أمر راجع إلى كيفية الأداء ، وتارة يكون سليقة وطبيعة ، وتارة يكون تكلفا وتعملا ، وكيفيات الأداء لا تخرج الكلام عن وضع مفرداته ، بل هي صفات لصوت المؤدي جارية مجرى ترقيقه وتفخيمه
[ ص: 472 ] وإمالته ، وجارية مجرى مدود القراء الطويلة والمتوسطة ، لكن تلك الكيفيات متعلقة بالحروف ، وكيفيات الألحان والتطريب متعلقة بالأصوات والآثار في هذه الكيفيات لا يمكن نقلها بخلاف كيفيات أداء الحروف ، فلهذا نقلت تلك بألفاظها ولم يمكن نقل هذه بألفاظها بل نقل منها ما أمكن نقله كترجيع النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الفتح بقوله " آ آ آ " . قالوا : والتطريب والتلحين راجع إلى أمرين : مد وترجيع ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يمد صوته بالقراءة يمد " الرحمن " ويمد " الرحيم " وثبت عنه الترجيع كما تقدم .
قال المانعون من ذلك : الحجة لنا من وجوه . أحدها : ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000769اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها ، وإياكم ولحون أهل الكتاب والفسق فإنه سيجيء من بعدي أقوام يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والنوح ، لا يجاوز حناجرهم ، مفتونة قلوبهم ، وقلوب الذين يعجبهم شأنهم ) رواه
أبو الحسن رزين في " تجريد الصحاح " ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=14155أبو عبد الله الحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " . واحتج به
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى في " الجامع " واحتج معه بحديث آخر ، أنه صلى الله عليه وسلم ذكر شرائط الساعة ، وذكر أشياء ، منها : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000770أن يتخذ القرآن مزامير ، يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا أفضلهم ما يقدمونه إلا ليغنيهم غناء )
[ ص: 473 ] قالوا : وقد ( جاء
زياد النهدي إلى
أنس رضي الله عنه مع القراء ، فقيل له : اقرأ ، فرفع صوته وطرب ، وكان رفيع الصوت فكشف
أنس عن وجهه وكان على وجهه خرقة سوداء ، وقال يا هذا ما هكذا كانوا يفعلون ، وكان إذا رأى شيئا ينكره رفع الخرقة عن وجهه )
قالوا : وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=treesubj&link=22700المؤذن المطرب في أذانه من التطريب كما روى
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عطاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000771إن الأذان سهل سمح فإن كان أذانك سهلا سمحا وإلا فلا تؤذن ) رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16390عبد الغني بن سعيد الحافظ من حديث
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=72عبد الرحمن بن أبي بكر ، عن أبيه قال
كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم المد ليس فيها ترجيع . قالوا : والترجيع والتطريب يتضمن همز ما ليس بمهموز ، ومد ما ليس بممدود ، وترجيع الألف الواحد ألفات ، والواو واوات ، والياء ياءات ، فيؤدي ذلك إلى زيادة في القرآن ، وذلك غير جائز ، قالوا : ولا حد لما يجوز من ذلك وما لا يجوز منه ، فإن حد بحد معين كان تحكما في كتاب الله تعالى ودينه وإن لم يحد بحد أفضى إلى أن يطلق لفاعله ترديد الأصوات وكثرة الترجيعات ، والتنويع في أصناف الإيقاعات والألحان المشبهة للغناء ، كما يفعل أهل الغناء بالأبيات ، وكما يفعله كثير من القراء أمام الجنائز ، ويفعله كثير من قراء الأصوات مما يتضمن تغيير كتاب الله والغناء به على نحو ألحان الشعر والغناء ويوقعون الإيقاعات عليه مثل الغناء سواء ، اجتراء على الله وكتابه وتلاعبا بالقرآن وركونا إلى تزيين الشيطان ، ولا يجيز ذلك أحد من علماء الإسلام ، ومعلوم : أن التطريب والتلحين ذريعة مفضية إلى هذا إفضاء قريبا فالمنع منه كالمنع من الذرائع الموصلة إلى الحرام ، فهذا
[ ص: 474 ] نهاية إقدام الفريقين ، ومنتهى احتجاج الطائفتين .
وفصل النزاع ، أن يقال : التطريب والتغني على وجهين ، أحدهما : ما اقتضته الطبيعة وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين ولا تعليم ، بل إذا خلي وطبعه ، واسترسلت طبيعته جاءت بذلك التطريب والتلحين فذلك جائز ، وإن أعان طبيعته بفضل تزيين وتحسين كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري للنبي صلى الله عليه وسلم (
لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا ) والحزين ومن هاجه الطرب والحب والشوق لا يملك من نفسه دفع التحزين والتطريب في القراءة ، ولكن النفوس تقبله وتستحليه لموافقته الطبع ، وعدم التكلف والتصنع فيه فهو مطبوع لا متطبع ، وكلف لا متكلف ، فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه ، وهو التغني الممدوح المحمود ، وهو الذي يتأثر به التالي والسامع ، وعلى هذا الوجه تحمل أدلة أرباب هذا القول كلها .
الوجه الثاني : ما كان من ذلك صناعة من الصنائع ، وليس في الطبع السماحة به ، بل لا يحصل إلا بتكلف وتصنع وتمرن ، كما يتعلم أصوات الغناء بأنواع الألحان البسيطة ، والمركبة على إيقاعات مخصوصة ، وأوزان مخترعة ، لا تحصل إلا بالتعلم والتكلف ، فهذه هي التي كرهها السلف وعابوها وذموها ومنعوا القراءة بها وأنكروا على من قرأ بها ، وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه ، وبهذا التفصيل يزول الاشتباه ، ويتبين الصواب من غيره ، وكل من له علم بأحوال السلف يعلم قطعا أنهم برآء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلفة ، التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة ، وأنهم أتقى لله من أن يقرءوا بها ويسوغوها ويعلم قطعا أنهم كانوا يقرءون بالتحزين والتطريب ويحسنون أصواتهم بالقرآن ، ويقرءونه بشجى تارة ، وبطرب تارة ، وبشوق تارة ، وهذا أمر مركوز في الطباع تقاضيه ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطباع له ، بل أرشد إليه وندب إليه وأخبر عن استماع الله لمن قرأ به ، وقال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000762ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) وفيه وجهان : أحدهما : أنه إخبار بالواقع الذي كلنا نفعله ،
[ ص: 475 ] والثاني : أنه نفي لهدي من لم يفعله عن هديه وطريقته صلى الله عليه وسلم .
فَصْلٌ
فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28895_18635_28896_31002هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَاسْتِمَاعِهِ وَخُشُوعِهِ وَبُكَائِهِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ ، وَاسْتِمَاعِهِ وَتَحْسِينِ صَوْتِهِ بِهِ وَتَوَابِعِ ذَلِكَ
كَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِزْبٌ يَقْرَؤُهُ ، وَلَا يُخِلُّ بِهِ ، وَكَانَتْ قِرَاءَتُهُ تَرْتِيلًا لَا هَذًّا وَلَا عَجَلَةً ، بَلْ قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا . وَكَانَ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً ، وَكَانَ يَمُدُّ عِنْدَ حُرُوفِ الْمَدِّ ، فَيَمُدُّ ( الرَّحْمَنَ ) وَيَمُدُّ ( الرَّحِيمَ ) وَكَانَ يَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ
[ ص: 464 ] الرَّجِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَتِهِ فَيَقُولُ : " أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " وَرُبَّمَا كَانَ يَقُولُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000760اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ ) وَكَانَ تَعَوُّذُهُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ .
وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَسْمَعَ الْقُرْآنَ مِنْ غَيْرِهِ ، وَأَمَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَسْمَعُ . وَخَشَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ مِنْهُ حَتَّى ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ .
وَكَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَائِمًا ، وَقَاعِدًا ، وَمُضْطَجِعًا ، وَمُتَوَضِّئًا ، وَمُحْدِثًا ، وَلَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُ مِنْ قِرَاءَتِهِ إِلَّا الْجَنَابَةُ .
وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَنَّى بِهِ ، وَيُرَجِّعُ صَوْتَهُ بِهِ أَحْيَانًا كَمَا رَجَّعَ يَوْمَ الْفَتْحِ فِي قِرَاءَتِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ) . وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=5078عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ تَرْجِيعَهُ ، آ آ آ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ .
وَإِذَا جُمِعَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000761زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ ) . وَقَوْلِهِ :
[ ص: 465 ] (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000762لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ ) . وَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000763مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ ) . عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا التَّرْجِيعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اخْتِيَارًا لَا اضْطِرَارًا لِهَزِّ النَّاقَةِ لَهُ ، فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ لِأَجْلِ هَزِّ النَّاقَةِ لَمَا كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ الِاخْتِيَارِ فَلَمْ يَكُنْ
nindex.php?page=showalam&ids=5078عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ يَحْكِيهِ وَيَفْعَلُهُ اخْتِيَارًا لِيُؤْتَسَى بِهِ وَهُوَ يَرَى هَزَّ الرَّاحِلَةِ لَهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ صَوْتُهُ ، ثُمَّ يَقُولُ كَانَ يُرَجِّعُ فِي قِرَاءَتِهِ فَنُسِبَ التَّرْجِيعُ إِلَى فِعْلِهِ . وَلَوْ كَانَ مِنْ هَزِّ الرَّاحِلَةِ ، لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِعْلٌ يُسَمَّى تَرْجِيعًا .
وَقَدِ اسْتَمَعَ لَيْلَةً لِقِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ قَالَ : ( لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَسْمَعُهُ لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا ) أَيْ حَسَّنْتُهُ وَزَيَّنْتُهُ بِصَوْتِي تَزْيِينًا ،
[ ص: 466 ] وَرَوَى
أبو داود فِي " سُنَنِهِ " عَنْ
عبد الجبار بن الورد قَالَ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16407عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ : مَرَّ بِنَا
أبو لبابة فَاتَّبَعْنَاهُ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ فَإِذَا رَجُلٌ رَثُّ الْهَيْئَةِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000764لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ . قَالَ فَقُلْتُ nindex.php?page=showalam&ids=12531لِابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ يَا أبا محمد أَرَأَيْتَ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الصَّوْتِ قَالَ يُحَسِّنُهُ مَا اسْتَطَاعَ )
قُلْتُ : لَا بُدَّ مِنْ كَشْفِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَذِكْرِ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهَا ، وَاحْتِجَاجِ كُلِّ فَرِيقٍ ، وَمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ فِي احْتِجَاجِهِمْ ، وَذِكْرِ الصُّوَابِ فِي ذَلِكَ بِحَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَمَعُونَتِهِ ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْأَلْحَانِ ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ
أحمد ،
ومالك وَغَيْرُهُمَا ، فَقَالَ
أحمد فِي رِوَايَةِ
علي بن سعيد فِي قِرَاءَةِ الْأَلْحَانِ : مَا تُعْجِبُنِي وَهُوَ مُحْدَثٌ . وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
المروزي :
nindex.php?page=treesubj&link=29584الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ بِدْعَةٌ لَا تُسْمَعُ ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
عبد الرحمن المتطبب : قِرَاءَةُ الْأَلْحَانِ بِدْعَةٌ ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ
عبد الله ،
nindex.php?page=showalam&ids=17410وَيُوسُفَ بْنِ مُوسَى ،
ويعقوب بن بختان ،
والأثرم ،
وإبراهيم بن الحارث : الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ لَا تُعْجِبُنِي إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُزْنًا فَيَقْرَأُ بِحُزْنٍ مِثْلَ صَوْتِ
أبي موسى ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
صالح (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000761زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ ) مَعْنَاهُ أَنْ يُحَسِّنَهُ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
المروزي : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000765مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ أَنْ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000762لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ ) ، فَقَالَ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ : يَسْتَغْنِي بِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : يَرْفَعُ صَوْتَهُ ، وَذَكَرَ لَهُ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=17112مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ فِي قِصَّةِ قِرَاءَةِ سُورَةِ
[ ص: 467 ] الْفَتْحِ وَالتَّرْجِيعِ فِيهَا ، فَأَنْكَرَ
أبو عبد الله أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى الْأَلْحَانِ ، وَأَنْكَرَ الْأَحَادِيثَ الَّتِي يُحْتَجُّ بِهَا فِي الرُّخْصَةِ فِي الْأَلْحَانِ .
وَرَوَى
ابن القاسم ، عَنْ
مالك أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=22734الْأَلْحَانِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَا تُعْجِبُنِي ، وَقَالَ إِنَّمَا هُوَ غِنَاءٌ يَتَغَنَّوْنَ بِهِ ، لِيَأْخُذُوا عَلَيْهِ الدَّرَاهِمَ ، وَمِمَّنْ رُوِيَتْ عَنْهُ الْكَرَاهَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14946وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16972وَابْنُ سِيرِينَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ . وَقَالَ
عبد الله بن يزيد العكبري : سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ
أحمد مَا تَقُولُ فِي الْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ ؟ فَقَالَ مَا اسْمُكَ ؟ قَالَ
محمد قَالَ أَيَسُرُّكَ أَنْ يُقَالَ لَكَ : يَا مُوحَمَّدُ مَمْدُودًا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى : هَذِهِ مُبَالَغَةٌ فِي الْكَرَاهَةِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13998الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجَرَوِيُّ : أَوْصَى إِلَيَّ رَجُلٌ بِوَصِيَّةٍ وَكَانَ فِيمَا خَلَّفَ جَارِيَةٌ تَقْرَأُ بِالْأَلْحَانِ وَكَانَتْ أَكْثَرَ تَرِكَتِهِ أَوْ عَامَّتَهَا ، فَسَأَلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14061وَالْحَارِثَ بْنَ مِسْكِينٍ ،
وأبا عبيد كَيْفَ أَبِيعُهَا ؟ فَقَالُوا : بِعْهَا سَاذَجَةً فَأَخْبَرْتُهُمْ بِمَا فِي بَيْعِهَا مِنَ النُّقْصَانِ ، فَقَالُوا : بِعْهَا سَاذَجَةً ، قَالَ الْقَاضِي : وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ ، لِأَنَّ سَمَاعَ ذَلِكَ مِنْهَا مَكْرُوهٌ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَاوَضَ عَلَيْهِ كَالْغِنَاءِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12997ابْنُ بَطَّالٍ : وَقَالَتْ طَائِفَةٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=18977التَّغَنِّي بِالْقُرْآنِ ،هُوَ تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِهِ وَالتَّرْجِيعُ بِقِرَاءَتِهِ ، قَالَ : وَالتَّغَنِّي بِمَا شَاءَ مِنَ الْأَصْوَاتِ وَاللُّحُونِ هُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابْنِ الْمُبَارَكِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15409وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ ، قَالَ : وَمِمَّنْ أَجَازَ الْأَلْحَانَ فِي الْقُرْآنِ : ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ
لأبي موسى : ( ذَكِّرْنَا رَبَّنَا فَيَقْرَأُ
أبو موسى وَيَتَلَاحَنُ وَقَالَ : مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ غِنَاءَ
أبي موسى فَلْيَفْعَلْ ) وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=27عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ فَقَالَ لَهُ
عمر : ( اعْرِضْ عَلَيَّ سُورَةَ كَذَا ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ فَبَكَى
عمر ، وَقَالَ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّهَا نَزَلَتْ ) قَالَ : وَأَجَازَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرُوِيَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، قَالَ : وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=16333عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ ،
[ ص: 468 ] يَتَتَبَّعُ الصَّوْتَ الْحَسَنَ فِي الْمَسَاجِدِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ . وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطَّحَاوِيُّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وَأَصْحَابِهِ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ بِالْأَلْحَانِ . وَقَالَ
محمد بن عبد الحكم : رَأَيْتُ أَبِي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيَّ ،
ويوسف بن عمر يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ بِالْأَلْحَانِ وَهَذَا اخْتِيَارُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ .
قَالَ الْمُجَوِّزُونَ - وَاللَّفْظُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935لِابْنِ جَرِيرٍ - : الدَّلِيلُ : عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ تَحْسِينُ الصَّوْتِ ، وَالْغِنَاءُ الْمَعْقُولُ الَّذِي هُوَ تَحْزِينُ الْقَارِئِ سَامِعَ قِرَاءَتِهِ ، كَمَا أَنَّ الْغِنَاءَ بِالشِّعْرِ هُوَ الْغِنَاءُ الْمَعْقُولُ الَّذِي يُطْرِبُ سَامِعَهُ - : مَا رَوَى
سفيان ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ ، عَنْ
أبي سلمة ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000766مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ التَّرَنُّمِ بِالْقُرْآنِ ) وَمَعْقُولٌ عِنْدَ ذَوِي الْحِجَا ، أَنَّ التَّرَنُّمَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالصَّوْتِ إِذَا حَسَّنَهُ الْمُتَرَنِّمُ وَطَرَّبَ بِهِ . وَرُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000767مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ : وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَبْيَنِ الْبَيَانِ أَنَّ ذَلِكَ كَمَا قُلْنَا ، قَالَ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابْنُ عُيَيْنَةَ يَعْنِي : يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ حُسْنِ الصَّوْتِ وَالْجَهْرِ بِهِ مَعْنًى ، وَالْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّ التَّغَنِّيَ إِنَّمَا هُوَ الْغِنَاءُ الَّذِي هُوَ حُسْنُ الصَّوْتِ بِالتَّرْجِيعِ ، قَالَ الشَّاعِرُ
تَغَنَّ بِالشِّعْرِ إِمَّا كُنْتَ قَائِلَهُ إِنَّ الْغِنَاءَ لِهَذَا الشِّعْرِ مِضْمَارُ
قَالَ : وَأَمَّا ادِّعَاءُ الزَّاعِمِ ، أَنَّ تَغَنَّيْتَ بِمَعْنَى اسْتَغْنَيْتَ فَاشٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، فَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا قَالَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ .
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ لِتَصْحِيحِ قَوْلِهِ بِقَوْلِ
الأعشى :
وَكُنْتُ امْرَءًا زَمَنًا بِالْعِرَاقِ عَفِيفَ الْمُنَاخِ طَوِيلَ التَّغَنْ
[ ص: 469 ] وَزَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ : طَوِيلَ التَّغَنِّي : طَوِيلَ الِاسْتِغْنَاءِ فَإِنَّهُ غَلَطٌ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا عَنَى
الأعشى بِالتَّغَنِّي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ : الْإِقَامَةَ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ : غَنَّى فُلَانٌ بِمَكَانِ كَذَا : إِذَا أَقَامَ بِهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=92كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ) [ الْأَعْرَافِ : 92 ] ، وَاسْتِشْهَادُهُ بِقَوْلِ الْآخَرِ :
كِلَانَا غَنِيٌّ عَنْ أَخِيهِ حَيَاتَهُ وَنَحْنُ إِذَا مِتْنَا أَشَدُّ تَغَانِيَا
فَإِنَّهُ إِغْفَالٌ مِنْهُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّغَانِيَ تَفَاعُلٌ مِنْ تَغَنَّى : إِذَا اسْتَغْنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ ، كَمَا يُقَالُ تَضَارَبَ الرَّجُلَانِ ، إِذَا ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ، وَتَشَاتَمَا ، وَتَقَاتَلَا . وَمَنْ قَالَ : هَذَا فِي فِعْلِ اثْنَيْنِ ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقُولَ مِثْلَهُ فِي فِعْلِ الْوَاحِدِ ، فَيَقُولُ : تَغَانَى زَيْدٌ ، وَتَضَارَبَ عَمْرٌو ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَقُولَ : تَغَنَّى زَيْدٌ بِمَعْنَى اسْتَغْنَى ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَائِلُهُ أَنَّهُ أَظْهَرَ الِاسْتِغْنَاءَ ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَغْنٍ كَمَا يُقَالُ تَجَلَّدَ فُلَانٌ إِذَا أَظْهَرَ جَلَدًا مِنْ نَفْسِهِ ، وَهُوَ غَيْرُ جَلِيدٍ ، وَتَشَجَّعَ ، وَتَكَرَّمَ ، فَإِنْ وَجَّهَ مُوَجِّهٌ التَّغَنِّيَ بِالْقُرْآنِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى عَلَى بُعْدِهِ مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِ الْعَرَبِ ، كَانَتِ الْمُصِيبَةُ فِي خَطَئِهِ فِي ذَلِكَ أَعْظَمَ لِأَنَّهُ يُوجِبُ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَهُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يَأْذَنْ لِنَبِيِّهِ أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِالْقُرْآنِ ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لَهُ أَنْ يُظْهِرَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ خِلَافَ مَا هُوَ بِهِ مِنَ الْحَالِ ، وَهَذَا لَا يَخْفَى فَسَادُهُ . قَالَ : وَمِمَّا يُبَيِّنُ فَسَادَ تَأْوِيلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابْنِ عُيَيْنَةَ أَيْضًا أَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ النَّاسِ بِالْقُرْآنِ مِنَ الْمُحَالِ
[ ص: 470 ] أَنْ يُوصَفَ أَحَدٌ بِهِ أَنَّهُ يُؤْذَنُ لَهُ فِيهِ أَوْ لَا يُؤْذَنُ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْأُذُنُ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابْنِ عُيَيْنَةَ بِمَعْنَى الْإِذْنِ الَّذِي هُوَ إِطْلَاقٌ وَإِبَاحَةٌ ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ ، فَهُوَ غَلَطٌ مِنْ وَجْهَيْنِ ، أَحَدُهُمَا : مِنَ اللُّغَةِ ، وَالثَّانِي : مِنْ إِحَالَةِ الْمَعْنَى عَنْ وَجْهِهِ . أَمَّا اللُّغَةُ ، فَإِنَّ الْأُذُنَ مَصْدَرُ قَوْلِهِ : أَذِنَ فُلَانٌ لِكَلَامِ فُلَانٍ ، فَهُوَ يَأْذَنُ لَهُ : إِذَا اسْتَمَعَ لَهُ وَأَنْصَتَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=2وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ) [ الِانْشِقَاقِ : 2 ] ، بِمَعْنَى سَمِعَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّ لَهَا ذَلِكَ ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16559عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ :
إِنَّ هَمِّي فِي سَمَاعٍ وَأُذُنٍ
بِمَعْنَى ، فِي سَمَاعٍ وَاسْتِمَاعٍ . فَمَعْنَى قَوْلِهِ : مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ ، إِنَّمَا هُوَ : مَا اسْتَمَعَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ مَا اسْتَمَعَ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ . وَأَمَّا الْإِحَالَةُ فِي الْمَعْنَى ، فَلِأَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ بِالْقُرْآنِ عَنِ النَّاسِ غَيْرُ جَائِزٍ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ مَسْمُوعٌ وَمَأْذُونٌ لَهُ ، انْتَهَى كَلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيِّ
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12997أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ : وَقَدْ وَقَعَ الْإِشْكَالُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15945زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=17178مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=27عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000768تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَتَغَنَّوْا بِهِ وَاكْتُبُوهُ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنَ الْمَخَاضِ مِنَ الْعُقْلِ ) . قَالَ : وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=16670عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ ، قَالَ : ذُكِرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12063لِأَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ تَأْوِيلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ ( يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ ) يَسْتَغْنِي بِهِ ، فَقَالَ لَمْ يَصْنَعِ
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابْنُ عُيَيْنَةَ شَيْئًا ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ
[ ص: 471 ] عطاء ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16531عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : كَانَتْ
لِدَاوُدَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِعْزَفَةٌ يَتَغَنَّى عَلَيْهَا يَبْكِي وَيُبْكِي . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : إِنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ الزَّبُورَ بِسَبْعِينَ لَحْنًا ، تَكُونُ فِيهِنَّ ، وَيَقْرَأُ قِرَاءَةً يُطْرِبُ مِنْهَا الْجُمُوعَ .
وَسُئِلَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ تَأْوِيلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابْنِ عُيَيْنَةَ فَقَالَ : نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَذَا ، لَوْ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِغْنَاءَ ، لَقَالَ : " مَنْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِالْقُرْآنِ " ، وَلَكِنْ لَمَّا قَالَ : ( يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ ) ، عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّغَنِّيَ .
قَالُوا : وَلِأَنَّ تَزْيِينَهُ ، وَتَحْسِينَ الصَّوْتِ بِهِ وَالتَّطْرِيبَ بِقِرَاءَتِهِ أَوْقَعُ فِي النُّفُوسِ وَأَدْعَى إِلَى الِاسْتِمَاعِ وَالْإِصْغَاءِ إِلَيْهِ ، فَفِيهِ تَنْفِيذٌ لِلَفْظِهِ إِلَى الْأَسْمَاعِ ، وَمَعَانِيهِ إِلَى الْقُلُوبِ ، وَذَلِكَ عَوْنٌ عَلَى الْمَقْصُودِ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحَلَاوَةِ الَّتِي تُجْعَلُ فِي الدَّوَاءِ لِتُنْفِذَهُ إِلَى مَوْضِعِ الدَّاءِ ، وَبِمَنْزِلَةِ الْأَفَاوِيهِ وَالطِّيبِ الَّذِي يُجْعَلُ فِي الطَّعَامِ ، لِتَكُونَ الطَّبِيعَةُ أَدْعَى لَهُ قَبُولًا وَبِمَنْزِلَةِ الطِّيبِ وَالتَّحَلِّي وَتَجَمُّلِ الْمَرْأَةِ لِبَعْلِهَا لِيَكُونَ أَدْعَى إِلَى مَقَاصِدِ النِّكَاحِ . قَالُوا : وَلَا بُدَّ لِلنَّفْسِ مِنْ طَرَبٍ وَاشْتِيَاقٍ إِلَى الْغِنَاءِ فَعُوِّضَتْ عَنْ طَرَبِ الْغِنَاءِ بِطَرَبِ الْقُرْآنِ كَمَا عُوِّضَتْ عَنْ كُلِّ مُحَرَّمٍ وَمَكْرُوهٍ بِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهَا مِنْهُ ، وَكَمَا عُوِّضَتْ عَنِ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ بِالِاسْتِخَارَةِ الَّتِي هِيَ مَحْضُ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَكُّلِ ، وَعَنِ السِّفَاحِ بِالنِّكَاحِ ، وَعَنِ الْقِمَارِ بِالْمُرَاهَنَةِ بِالنِّصَالِ ، وَسِبَاقِ الْخَيْلِ ، وَعَنِ السَّمَاعِ الشَّيْطَانِيِّ بِالسَّمَاعِ الرَّحْمَانِيِّ الْقُرْآنِيِّ ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا .
قَالُوا : وَالْمُحَرَّمُ ، لَا بُدَّ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ أَوْ خَالِصَةٍ ، وَقِرَاءَةُ التَّطْرِيبِ وَالْأَلْحَانِ لَا تَتَضَمَّنُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنِّهَا لَا تُخْرِجُ الْكَلَامَ عَنْ وَضْعِهِ وَلَا تَحُولُ بَيْنَ السَّامِعِ وَبَيْنَ فَهْمِهِ ، وَلَوْ كَانَتْ مُتَضَمِّنَةً لِزِيَادَةِ الْحُرُوفِ كَمَا ظَنَّ الْمَانِعُ مِنْهَا لَأَخْرَجَتِ الْكَلِمَةَ عَنْ مَوْضِعِهَا وَحَالَتْ بَيْنَ السَّامِعِ وَبَيْنَ فَهْمِهَا وَلَمْ يَدْرِ مَا مَعْنَاهَا ، وَالْوَاقِعُ بِخِلَافِ ذَلِكَ .
قَالُوا : وَهَذَا التَّطْرِيبُ وَالتَّلْحِينُ أَمْرٌ رَاجِعٌ إِلَى كَيْفِيَّةِ الْأَدَاءِ ، وَتَارَةً يَكُونُ سَلِيقَةً وَطَبِيعَةً ، وَتَارَةً يَكُونُ تَكَلُّفًا وَتَعَمُّلًا ، وَكَيْفِيَّاتُ الْأَدَاءِ لَا تُخْرِجُ الْكَلَامَ عَنْ وَضْعِ مُفْرَدَاتِهِ ، بَلْ هِيَ صِفَاتٌ لِصَوْتِ الْمُؤَدِّي جَارِيَةٌ مَجْرَى تَرْقِيقِهِ وَتَفْخِيمِهِ
[ ص: 472 ] وَإِمَالَتِهِ ، وَجَارِيَةٌ مَجْرَى مُدُودِ الْقُرَّاءِ الطَّوِيلَةِ وَالْمُتَوَسِّطَةِ ، لَكِنَّ تِلْكَ الْكَيْفِيَّاتِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْحُرُوفِ ، وَكَيْفِيَّاتُ الْأَلْحَانِ وَالتَّطْرِيبِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْأَصْوَاتِ وَالْآثَارِ فِي هَذِهِ الْكَيْفِيَّاتِ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهَا بِخِلَافِ كَيْفِيَّاتِ أَدَاءِ الْحُرُوفِ ، فَلِهَذَا نُقِلَتْ تِلْكَ بِأَلْفَاظِهَا وَلَمْ يُمْكِنْ نَقْلُ هَذِهِ بِأَلْفَاظِهَا بَلْ نُقِلَ مِنْهَا مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ كَتَرْجِيعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ " آ آ آ " . قَالُوا : وَالتَّطْرِيبُ وَالتَّلْحِينُ رَاجِعٌ إِلَى أَمْرَيْنِ : مَدٍّ وَتَرْجِيعٍ ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ كَانَ يَمُدُّ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ يَمُدُّ " الرَّحْمَنَ " وَيَمُدُّ " الرَّحِيمَ " وَثَبَتَ عَنْهُ التَّرْجِيعُ كَمَا تَقَدَّمَ .
قَالَ الْمَانِعُونَ مِنْ ذَلِكَ : الْحُجَّةُ لَنَا مِنْ وُجُوهٍ . أَحَدُهَا : مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000769اقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ وَأَصْوَاتِهَا ، وَإِيَّاكُمْ وَلُحُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْفِسْقِ فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ مِنْ بَعْدِي أَقْوَامٌ يُرَجِّعُونَ بِالْقُرْآنِ تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، مَفْتُونَةً قُلُوبُهُمْ ، وَقُلُوبُ الَّذِينَ يُعْجِبُهُمْ شَأْنُهُمْ ) رَوَاهُ
أبو الحسن رزين فِي " تَجْرِيدِ الصِّحَاحِ " وَرَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14155أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي " نَوَادِرِ الْأُصُولِ " . وَاحْتَجَّ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي " الْجَامِعِ " وَاحْتَجَّ مَعَهُ بِحَدِيثٍ آخَرَ ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ شَرَائِطَ السَّاعَةِ ، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ ، مِنْهَا : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000770أَنْ يُتَّخَذَ الْقُرْآنُ مَزَامِيرَ ، يُقَدِّمُونَ أَحَدَهُمْ لَيْسَ بِأَقْرَئِهِمْ وَلَا أَفْضَلِهِمْ مَا يُقَدِّمُونَهُ إِلَّا لِيُغَنِّيَهُمْ غِنَاءً )
[ ص: 473 ] قَالُوا : وَقَدْ ( جَاءَ
زياد النهدي إِلَى
أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ الْقُرَّاءِ ، فَقِيلَ لَهُ : اقْرَأْ ، فَرَفَعَ صَوْتَهُ وَطَرِبَ ، وَكَانَ رَفِيعَ الصَّوْتِ فَكَشَفَ
أنس عَنْ وَجْهِهِ وَكَانَ عَلَى وَجْهِهِ خِرْقَةٌ سَوْدَاءُ ، وَقَالَ يَا هَذَا مَا هَكَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ، وَكَانَ إِذَا رَأَى شَيْئًا يُنْكِرُهُ رَفَعَ الْخِرْقَةَ عَنْ وَجْهِهِ )
قَالُوا : وَقَدْ مَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=treesubj&link=22700الْمُؤَذِّنَ الْمُطْرِبَ فِي أَذَانِهِ مِنَ التَّطْرِيبِ كَمَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ
عطاء ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنٌ يُطْرِبُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000771إِنَّ الْأَذَانَ سَهْلٌ سَمْحٌ فَإِنْ كَانَ أَذَانُكَ سَهْلًا سَمْحًا وَإِلَّا فَلَا تُؤَذِّنْ ) رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16390عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْحَافِظُ مِنْ حَدِيثِ
قتادة ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=72عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ
كَانَتْ قِرَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدَّ لَيْسَ فِيهَا تَرْجِيعٌ . قَالُوا : وَالتَّرْجِيعُ وَالتَّطْرِيبُ يَتَضَمَّنُ هَمْزَ مَا لَيْسَ بِمَهْمُوزِ ، وَمَدَّ مَا لَيْسَ بِمَمْدُودٍ ، وَتَرْجِيعَ الْأَلِفِ الْوَاحِدِ أَلِفَاتٍ ، وَالْوَاوِ وَاوَاتٍ ، وَالْيَاءِ يَاءَاتٍ ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى زِيَادَةٍ فِي الْقُرْآنِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ ، قَالُوا : وَلَا حَدَّ لِمَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْهُ ، فَإِنْ حُدَّ بِحَدٍّ مُعَيَّنٍ كَانَ تَحَكُّمًا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَدِينِهِ وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ بِحَدٍّ أَفْضَى إِلَى أَنْ يُطْلَقَ لِفَاعِلِهِ تَرْدِيدُ الْأَصْوَاتِ وَكَثْرَةُ التَّرْجِيعَاتِ ، وَالتَّنْوِيعُ فِي أَصْنَافِ الْإِيقَاعَاتِ وَالْأَلْحَانِ الْمُشْبِهَةِ لِلْغِنَاءِ ، كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْغِنَاءِ بِالْأَبْيَاتِ ، وَكَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرَّاءِ أَمَامَ الْجَنَائِزِ ، وَيَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ قُرَّاءِ الْأَصْوَاتِ مِمَّا يَتَضَمَّنُ تَغْيِيرَ كِتَابِ اللَّهِ وَالْغِنَاءَ بِهِ عَلَى نَحْوِ أَلْحَانِ الشِّعْرِ وَالْغِنَاءِ وَيُوقِعُونَ الْإِيقَاعَاتِ عَلَيْهِ مِثْلَ الْغِنَاءِ سَوَاءٌ ، اجْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَتَلَاعُبًا بِالْقُرْآنِ وَرُكُونًا إِلَى تَزْيِينِ الشَّيْطَانِ ، وَلَا يُجِيزُ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ ، وَمَعْلُومٌ : أَنَّ التَّطْرِيبَ وَالتَّلْحِينَ ذَرِيعَةٌ مُفْضِيَةٌ إِلَى هَذَا إِفْضَاءً قَرِيبًا فَالْمَنْعُ مِنْهُ كَالْمَنْعِ مِنَ الذَّرَائِعِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى الْحَرَامِ ، فَهَذَا
[ ص: 474 ] نِهَايَةُ إِقْدَامِ الْفَرِيقَيْنِ ، وَمُنْتَهَى احْتِجَاجِ الطَّائِفَتَيْنِ .
وَفَصْلُ النِّزَاعِ ، أَنْ يُقَالَ : التَّطْرِيبُ وَالتَّغَنِّي عَلَى وَجْهَيْنِ ، أَحَدُهُمَا : مَا اقْتَضَتْهُ الطَّبِيعَةُ وَسَمَحَتْ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ وَلَا تَمْرِينٍ وَلَا تَعْلِيمٍ ، بَلْ إِذَا خُلِّيَ وَطَبْعَهُ ، وَاسْتَرْسَلَتْ طَبِيعَتُهُ جَاءَتْ بِذَلِكَ التَّطْرِيبِ وَالتَّلْحِينِ فَذَلِكَ جَائِزٌ ، وَإِنْ أَعَانَ طَبِيعَتَهُ بِفَضْلِ تَزْيِينٍ وَتَحْسِينٍ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (
لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْمَعُ لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا ) وَالْحَزِينُ وَمَنْ هَاجَهُ الطَّرَبُ وَالْحُبُّ وَالشَّوْقُ لَا يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ دَفْعَ التَّحْزِينِ وَالتَّطْرِيبِ فِي الْقِرَاءَةِ ، وَلَكِنَّ النُّفُوسَ تَقْبَلُهُ وَتَسْتَحْلِيهِ لِمُوَافَقَتِهِ الطَّبْعَ ، وَعَدَمِ التَّكَلُّفِ وَالتَّصَنُّعِ فِيهِ فَهُوَ مَطْبُوعٌ لَا مُتَطَبَّعٌ ، وَكَلَفٌ لَا مُتَكَلَّفٌ ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ السَّلَفُ يَفْعَلُونَهُ وَيَسْتَمِعُونَهُ ، وَهُوَ التَّغَنِّي الْمَمْدُوحُ الْمَحْمُودُ ، وَهُوَ الَّذِي يَتَأَثَّرُ بِهِ التَّالِي وَالسَّامِعُ ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ تُحْمَلُ أَدِلَّةُ أَرْبَابِ هَذَا الْقَوْلِ كُلُّهَا .
الْوَجْهُ الثَّانِي : مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ صِنَاعَةً مِنَ الصَّنَائِعِ ، وَلَيْسَ فِي الطَّبْعِ السَّمَاحَةُ بِهِ ، بَلْ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِتَكَلُّفٍ وَتَصَنُّعٍ وَتَمَرُّنٍ ، كَمَا يُتَعَلَّمُ أَصْوَاتُ الْغِنَاءِ بِأَنْوَاعِ الْأَلْحَانِ الْبَسِيطَةِ ، وَالْمُرَكَّبَةِ عَلَى إِيقَاعَاتٍ مَخْصُوصَةٍ ، وَأَوْزَانٍ مُخْتَرَعَةٍ ، لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّكَلُّفِ ، فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي كَرِهَهَا السَّلَفُ وَعَابُوهَا وَذَمُّوهَا وَمَنَعُوا الْقِرَاءَةَ بِهَا وَأَنْكَرُوا عَلَى مَنْ قَرَأَ بِهَا ، وَأَدِلَّةُ أَرْبَابِ هَذَا الْقَوْلِ إِنَّمَا تَتَنَاوَلُ هَذَا الْوَجْهَ ، وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ يَزُولُ الِاشْتِبَاهُ ، وَيَتَبَيَّنُ الصَّوَابُ مَنْ غَيْرِهِ ، وَكُلُّ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِأَحْوَالِ السَّلَفِ يَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنَ الْقِرَاءَةِ بِأَلْحَانِ الْمُوسِيقَى الْمُتَكَلَّفَةِ ، الَّتِي هِيَ إِيقَاعَاتٌ وَحَرَكَاتٌ مَوْزُونَةٌ مَعْدُودَةٌ مَحْدُودَةٌ ، وَأَنَّهُمْ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَقْرَءُوا بِهَا وَيُسَوِّغُوهَا وَيُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ بِالتَّحْزِينِ وَالتَّطْرِيبِ وَيُحَسِّنُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالْقُرْآنِ ، وَيَقْرَءُونَهُ بِشَجًى تَارَةً ، وَبِطَرَبٍ تَارَةً ، وَبِشَوْقٍ تَارَةً ، وَهَذَا أَمْرٌ مَرْكُوزٌ فِي الطِّبَاعِ تَقَاضِيهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ الشَّارِعُ مَعَ شِدَّةِ تَقَاضِي الطِّبَاعِ لَهُ ، بَلْ أَرْشَدَ إِلَيْهِ وَنَدَبَ إِلَيْهِ وَأَخْبَرَ عَنِ اسْتِمَاعِ اللَّهِ لِمَنْ قَرَأَ بِهِ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000762لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ ) وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ إِخْبَارٌ بِالْوَاقِعِ الَّذِي كُلُّنَا نَفْعَلُهُ ،
[ ص: 475 ] وَالثَّانِي : أَنَّهُ نَفْيٌ لِهَدْيِ مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ عَنْ هَدْيِهِ وَطَرِيقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .