في هذه السنة خرج المغيرة بن سعيد في ستة نفر ، وكانوا يسمون الوصفاء ، [ ص: 239 ] وكان وبيان المغيرة ساحرا ، وكان يقول : لو أردت أن أحيي عادا وثمود وقرونا بين ذلك كثيرة لفعلت . وبلغ خروجهم بظهر خالد بن عبد الله القسري الكوفة وهو يخطب فقال : أطعموني ماء ، فقال يحيى بن نوفل في ذلك :
أخالد لا جزاك الله خيرا وأير في حر أمك من أمير وكنت لدى المغيرة عبد سوء
تبول من المخافة للزئير وقلت لما أصابك أطعموني
شرابا ثم بلت على السرير لأعلاج ثمانية وشيخ
كبير السن ليس بذي نصير
فأرسل خالد فأخذهم ، وأمر بسريره فأخرج إلى المسجد الجامع ، وأمر بالقصب والنفط فأحضرا فأحرقهم ، وأرسل إلى مالك بن أعين الجرمي فسأله ، فصدقه ، فتركه .
وكان رأي المغيرة التجسيم ، يقول : إن الله على صورة رجل على رأسه تاج ، وإن أعضاءه على عدد حروف الهجاء ويقول ما لا ينطق به لسان ، تعالى الله عن ذلك ، يقول : إن الله تعالى لما أراد أن يخلق تكلم باسمه الأعظم فطار فوقع على تاجه ، ثم كتب بإصبعه على كفه أعمال عباده من المعاصي والطاعات ، فلما رأى المعاصي ارفض عرقا ، فاجتمع من عرقه بحران أحدهما ملح مظلم والآخر عذب نير ، ثم اطلع في البحر فرأى ظله فذهب ليأخذه فطار فأدركه ، فقلع عيني ذلك الظل ومحقه ، فخلق من عينيه الشمس وسماء أخرى ، وخلق من البحر الملح الكفار ، ومن البحر العذب المؤمنين ، وكان يقول بإلهية علي وتكفير أبي بكر وعمر وسائر الصحابة إلا من ثبت مع علي ، وكان يقول : إن الأنبياء لم يختلفوا في شيء من الشرائع ، وكان يقول بتحريم ماء الفرات وكل نهر أو عين أو بئر وقعت فيه نجاسة ، وكان يخرج إلى المقبرة فيتكلم فيرى أمثال الجراد على القبور .
وجاء المغيرة إلى فقال له : أقرر أنك تعلم الغيب حتى أجبي لك محمد الباقر العراق . فنهره وطرده . وجاء إلى ابنه فقال له مثل ذلك ، فقال : أعوذ بالله ! وكان جعفر بن محمد الصادق يقول الشعبي للمغيرة : ما فعل الإمام ؟ فيقول : أتتهزأ به ؟ فيقول : لا إنما أتهزأ بك .
وأما بيان فإنه يقول بإلهية علي ، وإن الحسن والحسين إلهان ، [ ص: 240 ] بعدهم ، ثم بعده ابنه ومحمد ابن الحنفية أبو هاشم بن محمد بنوع من التناسخ ، وكان يقول : إن الله تعالى يفنى جميعه إلا وجهه ، ويحتج بقوله : ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) . تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا . وادعى النبوة ، وزعم أنه المراد بقوله تعالى : ( هذا بيان للناس ) .