وكان سبب ذلك أنه ولي العراق وخراسان ، فلم يرفع من الخراج شيئا ، واستحيا أن يعزله فكتب إليه : استخلف على عملك وأقبل . يزيد بن عبد الملك
وقيل إن مسلمة شاور عبد العزيز بن حاتم بن النعمان في الشخوص إلى يزيد ليزوره . قال : أمن شوق إليه ؟ إن عهدك منه لقريب . قال : لا بد من ذلك . قال : إذا لا تخرج من عملك حتى تلقى الوالي عليه . فسار مسلمة فلقيه عمر بن هبيرة الفزاري بالعراق على دواب البريد ، فسأله عن مقدمه ، فقال عمر : وجهني أمير المؤمنين في حيازة أموال بني المهلب .
فلما خرج من عنده أحضر مسلمة عبد العزيز بن حاتم ، وأخبره خبر ابن هبيرة ، فقال : قد قلت لك . قال مسلمة : فإنه جاء لحيازة أموال آل المهلب . قال : هذا أعجب من الأول ، يكون ابن هبيرة على الجزيرة ، فيعزل عنها ، ويبعث لحيازة أموال بني المهلب ، ولم يكتب معه إليك كتاب ! فلم يلبث حتى أتاه عزل ابن هبيرة عماله والغلظة عليهم ، فقال : الفرزدق
راحت بمسلمة البغال عشية فارعي فزارة لا هناك المرتع عزل ابن بشر وابن عمرو قبله
وأخو هراة لمثلها يتوقع
( وأما ابتداء أمر ابن هبيرة حتى ولي العراق ) ، فإنه قدم من البادية من بني فزارة ، فافترض مع بعض ولاة الحرب ، وكان يقول : لأرجو أن لا تنقضي الأيام حتى ألي العراق . وسار مع عمرو بن معاوية العقيلي إلى غزو الروم ، فأتي بفرس رائع ، إلا أنه [ ص: 145 ] لا يستطاع ركوبه ، فقال : من ركبه فهو له ، فقام وتنحى عن الفرس ، وأقبل حتى إذا كان بحيث تناله رجلا الفرس إذا رمحه وثب فصار على سرجه ، فأخذ الفرس . عمر بن هبيرة
فلما خلع مطرف بن المغيرة بن شعبة الحجاج سار في الجيش الذين حاربوه من عمر بن هبيرة الري ، فلما التقى العسكران التحق ابن هبيرة بمطرف مظهرا أنه معه ، فلما جال الناس كان ممن قتله وأخذ رأسه ، وقيل قتله غيره وأخذ هو رأسه ، وأتى به عديا ، فأعطاه مالا ، وأوفده إلى الحجاج بالرأس ، فسيره الحجاج إلى عبد الملك ، فأقطعه ببرزة ، وهي قرية بدمشق ، وعاد إلى الحجاج ، فوجهه إلى كردم بن مرثد الفزاري ليخلص منه مالا ، فأخذه منه وهرب إلى عبد الملك وقال : أنا عائذ بالله وبأمير المؤمنين من الحجاج ، فإنني قتلت ابن عمه مطرف بن المغيرة ، وأتيت أمير المؤمنين برأسه ، ثم رجعت فأراد قتلي ، ولست آمن أن ينسبني إلى أمر يكون فيه هلاكي . فقال : أنت في جواري . فأقام عنده ، فكتب فيه الحجاج إلى عبد الملك يذكر أخذه المال وهربه ، فقال له : أمسك عنه .
وتزوج بعض ولد عبد الملك بنتا للحجاج ، فكان ابن هبيرة يهدي لها ، ويبرها ، وييسر عليها ، فكتبت إلى أبيها تثني عليه ، فكتب إليه الحجاج يأمره أن ينزل به حاجاته ، وعظم شأنه بالشام . فلما استخلف ، استعمله على عمر بن عبد العزيز الجزيرة ، فلما ولي ورأى يزيد بن عبد الملك ابن هبيرة تحكم حبابة عليه تابع هداياه إليه وإلى ، فعملت له في ولاية يزيد بن عبد الملك العراق ، فولاه يزيد .
وكان ابن هبيرة بينه وبين القعقاع بن خليد العبسي تحاسد ، فقال القعقاع : من يطيق ابن هبيرة ، حبابة بالليل ، وهداياه بالنهار ! فلما ماتت حبابة ، قال القعقاع :
هلم فقد ماتت حبابة سامني بنفسك يقدمك الذرى والكواهل
أغرك إن كانت حبابة مرة تميحك ، فانظر كيف ما أنت فاعل