لما مات كان الحجاج بن يوسف محمد بن القاسم بالملتان ، فأتاه خبر وفاته ، فرجع إلى الرور والبغرور ، وكان قد فتحهما ، فأعطى الناس ، ووجه إلى البيلمان جيشا ، فلم يقاتلوا وأعطوا الطاعة ، وسأله أهل سرشت ، وهي مغزى أهل البصرة ، وأهلها يقطعون في البحر ، ثم أتى محمد الكيرج فخرج إليه دوهر فقاتله ، فانهزم دوهر وهرب ، وقيل : بل قتل ، ونزل أهل المدينة على حكم محمد فقتل وسبى ، قال الشاعر :
نحن قتلنا ذاهرا ودوهرا والخيل تردي منسرا فمنسرا
ومات وولي الوليد بن عبد الملك ، فولى سليمان بن عبد الملك يزيد بن أبي كبشة السكسكي السند ، فأخذ محمدا وقيده وحمله إلى العراق ، فقال محمد متمثلا :أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر
فلئن ثويت بواسط وبأرضها رهن الحديد مكبلا مغلولا
فلرب قينة فارس قد رعتها ولرب قرن قد تركت قتيلا
[ ص: 63 ]
ولو كنت أجمعت الفرار لوطئت إناث أعدت للوغى وذكور
وما دخلت خيل السكاسك أرضنا ولا كان من عك علي أمير
وما كنت للبد المزوني تابعا فيا لك دهر بالكرام عثور
إن المروءة والسماحة والندى لمحمد بن القاسم بن محمد
ساس الجيوش لسبع عشرة حجة يا قرب ذلك سؤددا من مولد
وقال آخر :
ساس الرجال لسبع عشرة حجة ولداته إذ ذاك في أشغال
ثم مات سليمان واستخلف ، فكتب إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام والطاعة على أن يملكهم ، ولهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم . فأسلم عمر بن عبد العزيز جيشبه والملوك ، وتسموا بأسماء العرب .
وكان عمرو بن مسلم الباهلي عامل عمر على ذلك الثغر ، فغزا بعض الهند [ ص: 64 ] فظفر . ثم إن الجنيد بن عبد الرحمن ولي السند أيام ، فأتى هشام بن عبد الملك الجنيد شط مهران فمنعه جيشبه بن ذاهر العبور ، وأرسل إليه : إني قد أسلمت ، وولاني الرجل الصالح بلادي ولست آمنك ، فأعطاه رهنا وأخذ منه رهنا على خراج بلاده ، ثم ترادا وكفر جيشبه وحارب ، وقيل : إنه لم يحارب ولكن الجنيد تجنى عليه ، فأتى الهند فجمع جموعا ، وأعد السفن واستعد للحرب ، فسار إليه الجنيد بالسفن ، فالتقوا في بطيحة ، فأخذ جيشبه أسيرا ، وقد جنحت سفينته ، فقتله الجنيد وهرب صصة بن ذاهر ، وهو يريد أن يمضي إلى العراق فيشكو غدر الجنيد ، فلم يزل الجنيد يؤنسه حتى وضع يده في يده فقتله .
وغزا الجنيد الكيرج ، وكانوا قد نقضوا ، فاتخذوا كبشا وصك بها سور المدينة ، فثلمه ودخلها ، فقتل وسبى ، ووجه العمال إلى المرمذ والمندل ودهنج وبرونج . وكان الجنيد يقول : القتل في الجزع أكبر منه في الصبر . ووجه جيشا إلى أزين فأغاروا عليها وحرقوا ربضها ، وفتح البيلمان ، وحصل عنده سوى ما حمل أربعون ألف ألف وحمل مثلها ، وولى الجنيد تميم بن زيد القيني ، فضعف ووهن ، ومات قريبا من الديبل .
وفي أيامه خرج المسلمون عن بلاد الهند ورفضوا مراكزهم ، ثم ولي الحكم بن عوام الكلبي ، وقد كفر أهل الهند إلا أهل قصة ، فبنى مدينة سماها المحفوظة ، وجعلها مأوى المسلمين ، وكان معه عمرو بن محمد بن القاسم ، وكان يفوض إليه عظيم الأمور ، فأغزاه من المحفوظة ، فلما قدم عليه وقد ظفر أمره فبنى مدينة وسماها المنصورة ، فهي التي ينزلها الأمراء ، واستخلص ما كان قد غلب عليه العدو ، ورضي الناس بولايته ، وكان يقول : واعجبا ! وليت فتى العرب ، يعني خالد القسري تميما ، فرفض وترك ، ووليت [ ص: 65 ] أبخل العرب فرضي به . ثم قتل الحكم ، وكان العمال يقاتلون العدو ، فكانوا يفتتحون ناحية ويأخذون ما تيسر لهم لضعف الدولة الأموية بعد ذلك ، إلى أن جاءت الدولة المباركة العباسية ، ونحن نذكر إن شاء الله أيام المأمون بقية أخبار السند .