وقد قيل في غير ما تقدم مع الاتفاق على مسير أصحاب سبب القتال يوم الجمل عائشة ونزولهم البصرة والوقعة الأولى مع عثمان بن حنيف وحكيم .
وأما مسير علي وعزل أبي موسى فقيل فيه : إن عليا لما أرسل محمد بن أبي بكر إلى أبي موسى ، وجرى له ما تقدم سار إلى هاشم بن عتبة بن أبي وقاص علي بالربذة ، فأعلمه الحال ، فأعاده علي إلى أبي موسى يقول له : أرسل الناس ، فإني لم أولك إلا لتكون من أعواني على الحق . فامتنع أبو موسى ، فكتب هاشم إلى علي : إني قدمت على رجل غال مشاقق ظاهر الشنآن ، وأرسل الكتاب مع المحل بن خليفة الطائي ، فبعث علي : الحسن ابنه ، يستنفران الناس ، وبعث وعمار بن ياسر قرظة بن كعب الأنصاري أميرا ، وكتب معه إلى أبي موسى : إني قد بعثت الحسن وعمارا يستنفران الناس ، وبعثت قرظة بن كعب واليا على الكوفة ، فاعتزل عملنا مذموما مدحورا ، وإن لم تفعل فإني قد أمرته أن ينابذك ، فإن نابذته فظفر بك يقطعك إربا إربا . فلما قدم الكتاب على أبي موسى اعتزل ، واستنفر الحسن الناس ، فنفروا نحو ما تقدم . وسار علي نحو [ ص: 617 ] البصرة ، فقال جون بن قتادة : كنت مع الزبير فجاء فارس يسير فقال : السلام عليك أيها الأمير ، فرد عليه ، فقال : إن هؤلاء القوم قد أتوا مكان كذا وكذا ، فلم أر أرث سلاحا ، ولا أقل عددا ، ولا أرعب قلوبا منهم . ثم انصرف عنه ، وجاء فارس آخر فقال له : إن القوم قد بلغوا مكان كذا وكذا ، فسمعوا بما جمع الله لكم من العدد والعدة ، فخافوا فولوا مدبرين . فقال الزبير : إيها عنك ! فوالله لو لم يجد إلا العرفج لدب إلينا فيه ، فانصرف . علي بن أبي طالب
وجاء فارس ، وقد كادت الخيل تخرج من الرهج ، فقال : هؤلاء القوم قد أتوك ، فلقيت عمارا فقلت له وقال لي . فقال الزبير : إنه ليس فيهم ! فقال الرجل : بلى والله إنه لفيهم . فقال الزبير : والله ما جعله الله فيهم . فقال الرجل : بلى والله . فلما كرر عليه أرسل الزبير رجلين ينظران ، فانطلقا ثم رجعا فقالا : صدق الرجل . فقال الزبير : يا جدع أنفاه ! يا قطع ظهراه ! ثم أخذته رعدة فجعل السلاح ينتفض . قال جون : فقلت ثكلتني أمي ! هذا الذي كنت أريد أن أموت معه أو أعيش ، ما أخذ هذا الأمر إلا لشيء سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وانصرف جون فاعتزل ، وجاء علي ، فلما تواقف الناس دعا الزبير وطلحة فتواقفوا ، وذكر من أمر الزبير وعوده وتكفيره عن يمينه مثل ما تقدم ، فلما أبوا إلا القتال قال علي : أيكم يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه ، فإن قطعت يده أخذه بيده الأخرى ، فإن قطعت أخذه بأسنانه وهو مقتول ؟ فقال شاب : أنا . فطاف به على أصحابه فلم يجبه إلا ذلك الشاب ، ثلاث مرات ، فسلمه إليه ، فدعاهم ، فقطعت يده اليمنى ، فأخذه باليسرى ، فقطعت ، فأخذه بصدره والدماء تسيل على قبائه ، فقتل ، فقال علي : الآن حل قتالهم . فقالت أم الفتى :
لاهم إن مسلما دعاهم يتلو كتاب الله لا يخشاهم وأمهم قائمة تراهم
تأمرهم بالقتل لا تنهاهم قد خضبت من علق لحاهم
[ ص: 618 ] وحملت ميمنة علي على ميسرتهم ، فاقتتلوا ، فلاذ الناس بعائشة ، وكان أكثرهم من ضبة والأزد ، وكان قتالهم من ارتفاع النهار إلى قريب من العصر ثم انهزموا ، ونادى رجل من الأزد : كروا ، فضربه محمد بن علي فقطع يده ، فقال : يا معشر الأزد فروا واستحر القتل في الأزد فنادوا : نحن على دين علي . فقال رجل من بني ليث :
سائل بنا حين لقينا الأزدا والخيل تعدو أشقرا ووردا
لما قطعنا كبدهم والزندا سحقا لهم في رأيهم وبعدا
وحمل على عمار بن ياسر الزبير ، فجعل يحوزه بالرمح ، فقال : أتريد أن تقتلني يا أبا اليقظان ؟ فقال : لا يا أبا عبد الله ، انصرف ، فانصرف ، وجرح عبد الله بن الزبير ، فألقى نفسه في الجرحى ثم برأ . وعقر الجمل ، واحتمل محمد بن أبي بكر عائشة فأنزلها ، وضرب عليها قبة ، فوقف علي عليها وقال لها : استنفرت الناس وقد فروا ، وألبت بينهم حتى قتل بعضهم بعضا ، في كلام كثير . فقالت عائشة : ملكت فأسجح ، نعم ما ابتليت قومك اليوم ! فسرحها وأرسل معها جماعة من رجال ونساء وجهزها بما تحتاج .
لم أذكر في وقعة الجمل إلا ما ذكره أبو جعفر ، إذ كان أوثق من نقل التاريخ ، فإن الناس قد حشوا تواريخهم بمقتضى أهوائهم .
وممن قتل يوم الجمل عبد الرحمن بن عبيد الله أخو طلحة ، له صحبة . وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس بن عامر بن لؤي ، له صحبة . وفيها قتل المحرز بن حارثة بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس ، له صحبة ، واستعمله عمر على مكة ثم عزله . وفيها قتل معرض بن علاط السلمي أخو الحجاج بن علاط ، قتل مع علي ، وفيها قتل مجاشع ابنا ومجالد مسعود السلميان مع عائشة ، لهما صحبة ، فأما مجاشع فلا شك أنه قتل في الجمل . وقتل عبد الله بن حكيم بن حزام الأسدي القرشي مع عائشة ، وكان [ ص: 619 ] إسلامه يوم الفتح ، وفيها قتل هند بن أبي هالة الأسيدي ، أمه زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - مع خديجة بنت خويلد علي ، وقيل مات بالبصرة ، والأول أصح .
( الأسيدي بضم الهمزة ، منسوب إلى أسيد بتشديد الياء ، وهم بطن من تميم .
وقتل هلال بن وكيع بن بشر التميمي مع عائشة ، له صحبة ، وفيها قتل أخو معاذ بن عفراء معوذ ، وهما ابنا الحرث بن رفاعة الأنصاريان ، وشهدا بدرا ، وقتل مع علي ، وقيل : عاش وقتل في وقعة الحرة .
( التيهان : بفتح التاء فوقها نقطتان ، وتشديد الياء تحتها نقطتان ، وآخره نون . وشبث : بفتح الشين المعجمة ، والباء الموحدة ، وآخره ثاء مثلثة . وسيحان : بفتح السين المهملة ، وسكون الياء تحتها نقطتان ، وفتح الحاء المهملة ، وآخره نون . ونجبة : بفتح النون والجيم ، والباء الموحدة . وعميرة : بفتح العين ، وكسر الميم . وأبير بضم الهمزة ، وفتح الباء الموحدة . والخريت : بكسر الخاء المعجمة ، والراء المشددة ، وسكون الياء المثناة من تحتها نقطتان ، وفي آخره تاء فوقها نقطتان ) .