ذكر عدة حوادث .
في هذه السنة الجزيرة والشام ، ولا سيما قلت الأمطار بديار حلب وأعمالها فإنها كانت قليلة بالمرة ، وغلت الأسعار بالبلاد ، وكان أشدها غلاء حلب ، إلا أنه لم يكن بالشديد مثل ما تقدم في السنين الماضية ، فأخرج ، وهو والي الأمر أتابك شهاب الدين بحلب ، والمرجع إلى أمره ونهيه ، وهو المدبر لدولة سلطانها الملك العزيز ابن الملك الظاهر ، والمربي له ، من المال والغلات كثيرا ، وتصدق صدقات دارة ، وساس البلاد سياسة حسنة بحيث لم يظهر للغلاء أثر ، فجزاه الله خيرا .
وفيها بنى أسد الدين شيركوه ، صاحب حمص والرحبة ، قلعة عند سلمية ، وسماها سميمس ، وكان الملك الكامل لما خرج من مصر إلى الشام ، قد خدمه أسد الدين ، ونصح له ، وله أثر عظيم في طاعته والمقاتلة بين يديه ، فأقطعه مدينة سلمية ، فبنى هذه القلعة بالقرب من سلمية ، وهي على تل عال .
وفيها قصد الفرنج الذين بالشام مدينة جبلة ، وهي بين جملة المدن المضافة إلى حلب ، ودخلوا إليها ، وأخذوا منها غنيمة وأسرى ، فسير إليهم العساكر مع أمير كان أقطعها ، فقاتل أتابك شهاب الدين الفرنج ، وقتل منهم كثيرا ، واسترد الأسرى والغنيمة .
[ الوفيات ] .
وفيها القاضي ابن غنائم بن العديم الحلبي ، الشيخ الصالح ، وكان من المجتهدين في العبادة والرياضة والعاملين بعلمه ، فلو قال قائل : إنه لم يكن في زمانه [ ص: 453 ] أعبد منه ، لكان صادقا ، فرضي الله عنه وأرضاه ، فإنه من جملة شيوخنا ، سمعنا عليه الحديث ، وانتفعنا برؤيته وكلامه . توفي
وفيها أيضا في الثاني عشر من ربيع الأول توفي صديقنا أبو القاسم عبد المجيد بن العجمي الحلبي ، وهو وأهل بيته مقدمو السنة بحلب ، وكان رجلا ذا مروءة غزيرة ، وخلق حسن ، وحلم وافر ، ورئاسة كثيرة ، يحب إطعام الطعام ، وأحب الناس إليه من يأكل طعامه ، ويقبل بره ، وكان يلقى أضيافه بوجه منبسط ولا يقعد عن إيصال راحة ، وقضاء حاجة ، فرحمه الله رحمة واسعة .