ذكر بجكم على الأهواز استيلاء
لما وصل جواب الرسالة من البريدي إلى بالمغالطة عن إعادة جنده من ابن رائق البصرة ، استدعى بدرا الخرشني وخلع عليه ، وأحضر بجكم أيضا وخلع عليه ، وسيرهما في جيش ، وأمرهم أن يقيموا بالجامدة ، فبادر بجكم ، ولم يتوقف على بدر ومن معه ، وسار إلى السوس .
فبلغ ذلك البريدي ، فأخرج إليه جيشا كثيفا في ثلاثة آلاف مقاتل ، ومقدمهم غلامه محمد المعروف بالحمال ، فاقتتلوا بظاهر السوس ، وكان مع بجكم مائتان وسبعون رجلا من الأتراك ، فانهزم أصحاب البريدي وعادوا إليه ، فضرب البريدي محمدا الحمال ، وقال : انهزمت بثلاثة آلاف من ثلاثمائة ؟ فقال له : أنت ظننت أنك تحارب ياقوتا المدبر ، قد جاءك خلاف ما عهدت ، فقام إليه وجعل يلكمه بيديه .
[ ص: 63 ] ثم رجع عسكره ، وأضاف إليهم من لم يشهد الوقعة ، فبلغوا ستة آلاف رجل ، وسيرهم مع الحمال أيضا ، فالتقوا عند نهر تستر ، فبادر بجكم فعبر النهر هو وأصحابه ، فلما رآه أصحاب البريدي ، انهزموا من غير حرب ، فلما رآهم أبو عبد الله البريدي ، ركب هو وإخوته ومن يلزمه في السفن ، فأخذ معه ما بقي عنده من المال ، وهو ثلاثمائة ألف دينار ، فغرقت السفينة بهم ، فأخرجهم الغواصون وقد كادوا يغرقون ، وأخرج ( بعض المال ، وأخرج ) باقي المال لبجكم ، ووصلوا إلى البصرة ، فأقاموا بالأبلة ، وأعدوا المراكب للهرب إن انهزم إقبال .
وسير أبو عبد الله البريدي غلامه إقبالا إلى مطارا ، وسير معه جمعا من فتيان البصرة ، فالتقوا بمطارا مع أصحاب ، فانهزمت ابن رائق الرائقية ، وأسر منهم جماعة ، فأطلقهم البريدي ، وكتب إلى يستعطفه ، وأرسل إليه جماعة من أعيان ابن رائق أهل البصرة ، فلم يجبهم ، وطلبوا منه أن يحلف لأهل البصرة ليكونوا معه ويساعدوه ، فامتنع وحلف لئن ظفر بها ليحرقنها ، ويقتل كل من فيها ، فازدادوا بصيرة في قتاله .
واطمأن البريديون بعد انهزام عسكر ، وأقاموا حينئذ ابن رائق بالبصرة ، واستولى بجكم على الأهواز ، فلما بلغ هزيمة أصحابه ، جهز جيشا آخر وسيره إلى البر والماء ، ( فالتقى عسكره الذي على الظهر مع عسكر ابن رائق البريدي ، فانهزم الرائقية ، وأما العسكر الذي في الماء ) ، فإنهم استولوا على الكلاء ، فلما رأى ذلك أبو عبد الله البريدي ، ركب في السفن وهرب إلى جزيرة أوال ، وترك أخاه أبا الحسين بالبصرة في عسكر يحميها ، فخرج أهل البصرة مع أبي الحسين لدفع عسكر عن الكلاء ، فقاتلوهم حتى أجلوهم عنه . ابن رائق
فلما اتصل ذلك ، سار بنفسه من بابن رائق واسط إلى البصرة على الظهر ، وكتب إلى بجكم ليلحق به ، فأتاه فيمن عنده من الجند ، فتقدموا وقاتلوا أهل البصرة ، ( فاشتد [ ص: 64 ] القتال ، وحامى أهل البصرة ) ، وشتموا ، فلما رأى ابن رائق بجكم ذلك هاله ، وقال : ما الذي عملت بهؤلاء القوم حتى أحوجتهم إلى هذا ؟ فقال : والله لا أدري . وعاد لابن رائق ابن رائق وبجكم إلى معسكرهما .
وأما أبو عبد الله البريدي فإنه سار من جزيرة أوال إلى عماد الدولة ابن بويه ، واستجار به ، وأطمعه في العراق ، وهو عليه أمر الخليفة ، فنفذ معه أخاه وابن رائق معز الدولة على ما نذكره .
فلما سمع بإقبالهم من ابن رائق فارس إلى الأهواز ، سير بجكم إليها ، فامتنع من المسير إلا أن يكون إليه الحرب والخراج ، فأجابه إلى ذلك وسيره إليها .
ثم إن جماعة من أصحاب البريدي قصدوا عسكر ليلا ، فصاحوا في جوانبه فانهزموا ، فلما رأى ابن رائق ذلك ، أمر بإحراق سواده وآلاته ; لئلا يغنمه ابن رائق البريدي ، وسار إلى الأهواز جريدة ، فأشار جماعة على بجكم بالقبض عليه ، فلم يفعل ، وأقام أياما ، وعاد إلى ابن رائق واسط ، وكان باقي عسكره قد سبقوه إليها .