ذكر الأفشين مع بابك وقعة
وفيها كانت وقعة الأفشين مع بابك ، قتل من أصحاب بابك خلق كثير .
وكان سببها أن المعتصم وجه بغا الكبير إلى الأفشين ، ومعه مال للجند ، والنفقات ، فوصل أردبيل ، فبلغ بابك الخبر ، فتهيأ هو وأصحابه ليقطعوا عليه قبل وصوله إلى الأفشين ، فجاء جاسوس إلى الأفشين ، فأخبره بذلك ، فلما صح الخبر عند الأفشين كتب إلى بغا أن يظهر أنه يريد الرحيل ، ويحمل المال على الإبل ، ويسير نحوه ، حتى يبلغ حصن النهر ، فيحبس الذي معه ، حتى يجوز من صحبه من القافلة ، فإذا جازوا رجع بالمال إلى أردبيل .
ففعل بغا ذلك ، وسارت القافلة ، وجاءت جواسيس بابك إليه ، فأخبروه أن المال قد سار فبلغ النهر ، وركب الأفشين في اليوم الذي واعد فيه بغا ، عند العصر ، من برزند فوافى خش مع غروب الشمس ، فنزل خارج خندق أبي سعيد ، فلما أصبح ركب سرا ، [ ص: 14 ] ولم يضرب طبلا ، ولم ينشر علما ، وأمر الناس بالسكوت وجد في السير ، ورحلت القافلة التي كانت توجهت ذلك اليوم من النهر إلى ناحية الهيثم ، وتعبأ بابك في أصحابه ، وسار على طريق النهر ، وهو يظن أن المال يصادفه ، فخرجت خيل بابك على القافلة ، ومعها صاحب النهر ، فقاتلهم صاحب النهر ، فقتلوه ، وقتلوا من كان معه من الجند ، وأخذوا جميع ما كان معهم ، وعلموا أن المال قد فاتهم ، وأخذوا علمه ولباس أصحابه ، فلبسوها وتنكروا ليأخذوا الهيثم الغنوي ومن معه أيضا ، ولا يعلمون بخروج الأفشين ، وجاؤوا كأنهم أصحاب النهر ، فلم يعرفوا الموضع الذي يقف فيه علم صاحب النهر ، فوقفوا في غيره .
وجاء الهيثم فوقف في موضعه ، وأنكر ما رأى ، فوجه ابن عم له ، فقال له : اذهب إلى هذا البغيض ، فقل له : لأي شيء وقوفك ، فجاء إليهم ، فأنكرهم ، فرجع إليه فأخبره ، فأنفذ جماعة غيره ، فأنكروهم أيضا ، وأخبروه أن بابك قد قتل علويه صاحب النهر ، وأصحابه ، وأخذ أعلامهم ولباسهم ، فرحل الهيثم راجعا ، ونجى القافلة التي كانت معه ، وبقي هو وأصحابه في أعقابهم حامية لهم حتى وصلت القافلة إلى الحصن ، وهو أرشق ، وسير رجلين من أصحابه إلى الأفشين وإلى أبي سعيد يعرفهما الخبر ، فخرجا يركضان ، ودخل الهيثم الحصن ، ( ونزل بابك عليه ، ووضع له كرسيا بحيال الحصن ) ، وأرسل إلى الهيثم أن خل الحصن وانصرف ، فأبى الهيثم ذلك ، فحاربه بابك وهو يشرب الخمر على عادته والحرب مشتبكة .
وسار الفارسان ، فلقيا الأفشين على أقل من فرسخ ، فقال لصاحب مقدمته : أرى فارسين يركضان ركضا شديدا ، ثم قال : اضربوا الطبل ، وانشروا الأعلام ، واركضوا نحوهما ، وصيحوا : لبيكما لبيكما ! ففعلوا ذلك ، وأجرى الناس خيلهم طلقا واحدا ، حتى لحقوا بابك وهو جالس ، فلم يطق أن يركب ، حتى وافته الخيل ، فاشتبكت الحرب ، فلم يفلت من رجالة بابك أحد ، وأفلت هو في نفر يسير من خيالته ، ودخل موقان وقد تقطع [ ص: 15 ] عنه أصحابه ، ورجع عنه الأفشين إلى برزند .
وأقام بابك بموقان ، وأرسل إلى البذ ، فجاءه عسكر ، فرحل بهم من موقان ، حتى دخل البذ ، ولم يزل الأفشين معسكرا ببرزند ، فلما كان في بعض الأيام مرت قافلة ، فخرج عليها أصبهبذ بابك ، فأخذها وقتل من فيها ، فقحط عسكر الأفشين لذلك ، فكتب الأفشين إلى صاحب مراغة بحمل الميرة وتعجيلها ، فوجه إليه قافلة عظيمة ، فيها قريب من ألف ثور ، سوى غيرها من الدواب ، تحمل الميرة ، ومعها جند يسيرون بها ، فخرج عليهم سرية لبابك ، فأخذوها عن آخرها ، وأصاب العسكر ضيق شديد ، فكتب الأفشين إلى صاحب شيروان يأمره أن يحمل إليه طعاما ، فحمل إليه طعاما كثيرا ، وأغاث الناس . وقدم بغا على الأفشين بما معه .