عفا : في أسماء الله تعالى : العفو ، وهو فعول من العفو ، وهو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه ، وأصله المحو والطمس ، وهو من أبنية المبالغة . يقال : عفا يعفو عفوا ، فهو عاف وعفو ، قال الليث : العفو عفو الله - عز وجل - عن خلقه ، والله تعالى العفو الغفور . وكل من استحق عقوبة فتركتها فقد عفوت عنه . قال في قوله تعالى : ابن الأنباري عفا الله عنك لم أذنت لهم محا الله عنك ، مأخوذ من قولهم عفت الرياح الآثار إذا درستها ومحتها ، وقد عفت الآثار تعفو عفوا ، لفظ اللازم والمتعدي سواء . قال الأزهري : قرأت بخط شمر لأبي زيد عفا الله تعالى عن العبد عفوا ، وعفت الريح الأثر عفاء فعفا الأثر عفوا . وفي حديث أبي بكر - رضي الله عنه : ، فأما العفو فهو ما وصفناه من محو الله تعالى ذنوب عبده عنه ، وأما العافية فهو أن يعافيه الله تعالى من سقم أو بلية وهي الصحة ضد المرض . يقال : عافاه الله وأعفاه أي : وهب له العافية من العلل والبلايا . وأما المعافاة فأن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك أي : يغنيك عنهم ويغنيهم عنك ويصرف أذاهم عنك وأذاك عنهم ، وقيل : هي مفاعلة من العفو ، وهو أن يعفو عن الناس ويعفوا هم عنه . وقال سلوا الله العفو والعافية والمعافاة الليث : العافية دفاع الله تعالى عن العبد . يقال : عافاه [ ص: 211 ] الله عافية ، وهو اسم يوضع موضع المصدر الحقيقي ، وهو المعافاة ، وقد جاءت مصادر كثيرة على فاعلة ، تقول سمعت راغية الإبل وثاغية الشاء أي : سمعت رغاءها وثغاءها . قال : وأعفاه الله وعافاه معافاة وعافية مصدر ، كالعاقبة والخاتمة ، أصحه وأبرأه . وعفا عن ذنبه عفوا : صفح ، وعفا الله عنه وأعفاه . وقوله تعالى : ابن سيده فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان قال الأزهري : وهذه آية مشكلة ، وقد فسرها ثم من بعده تفسيرا قربوه على قدر أفهام أهل عصرهم ، فرأيت أن أذكر قول ابن عباس وأؤيده بما يزيده بيانا ووضوحا ، روى ابن عباس مجاهد قال : سمعت يقول : كان القصاص في بني إسرائيل ولم تكن فيهم الدية ، فقال الله عز وجل لهذه الأمة : ابن عباس كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان فالعفو : أن تقبل الدية في العمد ، ذلك تخفيف من ربكم مما كتب على من كان قبلكم ، يطلب هذا بإحسان ويؤدي هذا بإحسان . قال الأزهري : فقول : العفو أن تقبل الدية في العمد ، الأصل فيه أن العفو في موضوع اللغة الفضل ، يقال : عفا فلان لفلان بماله إذا أفضل له ، وعفا له عما له عليه إذا تركه ، وليس العفو في قوله : ابن عباس فمن عفي له من أخيه عفوا من ولي الدم ، ولكنه عفو من الله عز وجل ، وذلك أن سائر الأمم قبل هذه الأمة لم يكن لهم أخذ الدية إذا قتل قتيل ، فجعله الله لهذه الأمة عفوا منه وفضلا مع اختيار ولي الدم ذلك في العمد ، وهو قوله عز وجل : فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف أي : من عفا الله جل اسمه بالدية حين أباح له أخذها ، بعدما كانت محظورة على سائر الأمم مع اختياره إياها على الدم ، فعليه اتباع بالمعروف أي : مطالبة للدية بمعروف ، وعلى القاتل أداء الدية إليه بإحسان ، ثم بين ذلك فقال : ذلك تخفيف من ربكم لكم يا أمة محمد ، وفضل جعله الله لأولياء الدم منكم ، ورحمة خصكم بها فمن اعتدى أي : فمن سفك دم قاتل وليه بعد قبوله الدية فله عذاب أليم والمعنى الواضح في قوله عز وجل : فمن عفي له من أخيه شيء أي : من أحل له أخذ الدية بدل أخيه المقتول عفوا من الله وفضلا مع اختياره ، فليطالب بالمعروف ، ومن في قوله : من أخيه معناها البدل ، والعرب تقول عرضت له من حقه ثوبا أي : أعطيته بدل حقه ثوبا ; ومنه قول الله عز وجل : ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون يقول : لو نشاء لجعلنا بدلكم ملائكة في الأرض ، والله أعلم . قال الأزهري : وما علمت أحدا أوضح من معنى هذه الآية ما أوضحته . وقال : كان الناس من سائر الأمم يقتلون الواحد بالواحد ، فجعل الله لنا نحن العفو عمن قتل إن شئناه ، فعفي على هذا متعد ، ألا تراه متعديا هنا إلى شيء ؟ وقوله تعالى : ابن سيده إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح معناه إلا أن يعفو النساء أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ، وهو الزوج أو الولي إذا كان أبا ، ومعنى عفو المرأة أن تعفو عن النصف الواجب لها فتتركه للزوج ، أو يعفو الزوج بالنصف فيعطيها الكل ; قال الأزهري : وأما قول الله - عز وجل - في آية ما يجب للمرأة من نصف الصداق إذا طلقت قبل الدخول بها فقال : إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح فإن العفو هاهنا معناه الإفضال بإعطاء ما لا يجب عليه ، أو ترك المرأة ما يجب لها ; يقال : عفوت لفلان بمالي إذا أفضلت له فأعطيته ، وعفوت له عما لي عليه إذا تركته له ; وقوله : إلا أن يعفون فعل لجماعة النساء يطلقهن أزواجهن قبل أن يمسوهن مع تسمية الأزواج لهن مهورهن ، فيعفون لأزواجهن بما وجب لهن من نصف المهر ويتركنه لهم ، أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ، وهو الزوج ، بأن يتمم لها المهر كله ، وإنما وجب لها نصفه ، وكل واحد من الزوجين عاف أي : مفضل ، أما إفضال المرأة فأن تترك للزوج المطلق ما وجب لها عليه من نصف المهر ، وأما إفضاله فأن يتم لها المهر كاملا ، لأن الواجب عليه نصفه فيفضل متبرعا بالكل ، والنون من قوله : يعفون نون فعل جماعة النساء في يفعلن ، ولو كان للرجال لوجب أن يقال إلا أن يعفوا ، لأن " أن " تنصب المستقبل وتحذف النون ، وإذا لم يكن مع فعل الرجال ما ينصب أو يجزم قيل هم يعفون ، وكان في الأصل يعفوون ، فحذفت إحدى الواوين استثقالا للجمع بينهما ، فقيل يعفون ، وأما فعل النساء فقيل لهن يعفون لأنه على تقدير يفعلن . ورجل عفو عن الذنب : عاف . وأعفاه من الأمر : برأه . واستعفاه : طلب ذلك منه . والاستعفاء : أن تطلب إلى من يكلفك أمرا أن يعفيك منه . يقال : أعفني من الخروج معك أي : دعني منه . واستعفاه من الخروج معه أي : سأله الإعفاء منه . وعفت الإبل المرعى : تناولته قريبا . وعفاه يعفوه : أتاه ، وقيل : أتاه يطلب معروفه ، والعفو المعروف ، والعفو الفضل . وعفوت الرجل إذا طلبت فضله . والعافية والعفاة والعفى : الأضياف وطلاب المعروف ، وقيل : هم الذين يعفونك أي : يأتونك يطلبون ما عندك . وعافية الماء : واردته ، واحدهم عاف . وفلان تعفوه الأضياف وتعتفيه الأضياف وهو كثير العفاة وكثير العافية وكثير العفى . والعافي : الرائد والوارد لأن ذلك كله طلب ; قال الجذامي يصف ماء :
ذا عرمض تخضر كف عافيه
أي : وارده أو مستقيه . والعافية : طلاب الرزق من الإنس والدواب والطير ; أنشد ثعلب :لعز علينا ونعم الفتى مصيرك يا عمرو والعافيه
تطوف العفاة بأبوابه كطوف النصارى ببيت الوثن
خذي العفو مني تستديمي مودتي ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
فتملأ الهجم عفوا وهي وادعة حتى تكاد شفاه الهجم تنثلم
خذ ما أتى منهم عفوا فإن منعوا فلا يكن همك الشيء الذي منعوا
فإنك لا تبلو امرأ دون صحبة وحتى تعيشا معفيين وتجهدا
يغنيك عافيه وعيد النحز
النحز : الكد والنخس ، يقول : ما جاءك منه عفوا أغناك عن غيره . وأدرك الأمر عفوا صفوا أي : في سهولة وسراح . ويقال : خذ من ماله ما عفا وصفا أي : ما فضل ولم يشق عليه . : عفا يعفو إذا أعطى ، وعفا يعفو إذا ترك حقا ، وأعفى إذا أنفق العفو من ماله ، وهو الفاضل عن نفقته . وعفا القوم : كثروا . وفي التنزيل : ابن الأعرابي حتى عفوا أي : كثروا . وعفا النبت والشعر وغيره يعفو فهو عاف : كثر وطال . وفي الحديث : ; هو أن يوفر شعرها ويكثر ولا يقص كالشوارب ، من عفا الشيء إذا كثر وزاد . يقال : أعفيته وعفيته لغتان إذا فعلت به كذلك . وفي الصحاح : وعفيته أنا وأعفيته لغتان إذا فعلت به ذلك ; ومنه حديث القصاص : أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بإعفاء اللحى ; هذا دعاء عليه أي : لا كثر ماله ولا استغنى ; ومنه الحديث : لا أعفى من قتل بعد أخذ الدية ، أي : كثر وبر الإبل ، وفي رواية : وعفا الأثر ، بمعنى درس وامحى . وفي حديث إذا دخل صفر وعفا الوبر وبرئ الدبر حلت العمرة لمن اعتمر : إنه غلام عاف أي : وافي اللحم كثيره . والعافي : الطويل الشعر . وحديث مصعب بن عمير عمر - رضي الله عنه : إن عاملنا ليس بالشعث ولا العافي ، ويقال للشعر إذا طال ووفى : عفاء ; قال زهير :أذلك أم أجب البطن جأب عليه من عقيقته عفاء
هلا سألت إذا الكواكب أخلفت وعفت مطية طالب الأنساب
عفت مثل ما يعفو الطليح فأصبحت بها كبرياء الصعب وهي ركوب
بأسوق عافيات اللحم كوم
ويقال : عفوا ظهر هذا البعير أي : دعوه حتى يسمن . ويقال : عفا فلان على فلان في العلم إذا زاد عليه ; قال الراعي :إذا كان الجراء عفت عليه
أي : زادت عليه في الجري ; وروى بيت ابن الأعرابي البعيث :بعيد النوى جالت بإنسان عينه عفاءة دمع جال حتى تحدرا
يعفو على الجهد والسؤال كما يعفو عهاد الأمطار والرصد
[ ص: 213 ] وعفا الماء إذا لم يطأه شيء يكدره . وعفوة المال والطعام والشراب وعفوته ; الكسر عن كراع : خياره وما صفا منه وكثر ، وقد عفا عفوا وعفوا . وفي حديث ابن الزبير أنه قال للنابغة : أما صفو أموالنا فلآل الزبير ، وأما عفوه فإن تيما وأسدا تشغله عنك . قال الحربي : العفو أحل المال وأطيبه ، وقيل : عفو المال ما يفضل عن النفقة ; قال ابن الأثير : وكلاهما جائز في اللغة ، قال : والثاني أشبه بهذا الحديث : وعفو الماء : ما فضل عن الشاربة وأخذ بغير كلفة ، ولا مزاحمة عليه . ويقال : عفى على ما كان منه إذا أصلح بعد الفساد . أبو حنيفة : العفوة - بضم العين - من كل النبات لينه وما لا مؤونة على الراعية فيه . وعفوة كل شيء وعفاوته وعفاوته ; الضم عن اللحياني : صفوه وكثرته ، يقال : ذهبت عفوة هذا النبت أي : لينه وخيره ; قال : ومنه قول ابن بري الأخطل :
المانعين الماء حتى يشربوا عفواته ويقسموه سجالا
فلا تسأليني واسألي ما خليقتي إذا رد عافي القدر من يستعيرها
وظل غلام الحي طيان ساغبا وكاعبهم ذات العفاوة أسغب
كمشي الأفتل الساري عليه عفاء كالعباءة عفشليل
أهاجك ربع دارس الرسم باللوى لأسماء عفى آيه المور والقطر
تحمل أهلها منها فبانوا على آثار من ذهب العفاء
قبيلة كشراك النعل دارجة إن يهبطوا العفو لا يوجد لهم أثر
إن اللهازم لا تنفك تابعة هم الذنابى وشرب التابع الكدر
تنزو النعاج عليها وهي باركة تحكي عطاء سويد من بني غبرا
قبيلة كشراك النعل دارجة إن يهبطوا عفو أرض لا ترى أثرا
بضرب يزيل الهام عن سكناته وطعن كتشهاق العفا هم بالنهق