زعم : قال الله تعالى : زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ، وقال تعالى : فقالوا هذا لله بزعمهم ؛ الزعم والزعم والزعم ، ثلاث لغات : القول ، زعم زعما وزعما وزعما أي قال ، وقيل : هو القول يكون حقا ويكون باطلا ، وأنشد ابن الأعرابي لأمية في الزعم الذي هو حق :
وإني أذين لكم أنه سينجزكم ربكم ما زعم
وقال الليث : سمعت أهل العربية يقولون إذا قيل ذكر فلان كذا وكذا فإنما يقال ذلك لأمر يستيقن أنه حق ، وإذا شك فيه فلم يدر لعله كذب [ ص: 34 ] أو باطل قيل : زعم ، فلان قال : وكذلك تفسر هذه الآية : فقالوا هذا لله بزعمهم ؛ أي بقولهم الكذب ، وقيل : الزعم الظن ، وقيل : الكذب ، زعمه يزعمه ، والزعم تميمية ، والزعم حجازية ؛ وأما قول النابغة :
زعم الهمام بأن فاها بارد
وقوله :زعم الغداف بأن رحلتنا غدا
فقد تكون الباء زائدة كقوله :سود المحاجر لا يقرأن بالسور
وقد تكون زعم هاهنا في معنى شهد فعداها بما تعدى به شهد كقوله تعالى : وما شهدنا إلا بما علمنا . وقالوا : هذا ولا زعمتك ولا زعماتك ، يذهب إلى رد قوله ، قال الأزهري : الرجل من العرب إذا حدث عمن لا يحقق قوله يقول ولا زعماته ؛ ومنه قوله :لقد خط رومي ولا زعماته
وزعمتني كذا تزعمني زعما : ظننتني ؛ قال أبو ذؤيب :فإن تزعميني كنت أجهل فيكم فإني شريت الحلم بعدك بالجهل
وتقول : زعمت أني لا أحبها وزعمتني لا أحبها ، يجيء في الشعر ، فأما في الكلام فأحسن ذلك أن يوقع الزعم على أن دون الاسم . والتزعم : التكذب ؛ وأنشد :
أيها الزاعم ما تزعما
وتزاعم القوم على كذا تزاعما إذا تضافروا عليه ، قال : وأصله أنه صار بعضهم لبعض زعيما ؛ وفي قوله مزاعم أي لا يوثق به ، قال الأزهري : الزعم إنما هو في الكلام ، يقال : أمر فيه مزاعم أي أمر غير مستقيم فيه منازعة بعد . قال : ويقال للأمر الذي لا يوثق به مزعم أي يزعم هذا أنه كذا يزعم هذا أنه كذا . قال ابن السكيت : الزعم يأتي في كلام العرب على أربعة أوجه ، يكون بمعنى الكفالة والضمان ؛ شاهده قول ابن بري : عمر بن أبي ربيعةقلت : كفي لك رهن بالرضى وازعمي يا هند ، قالت : قد وجب
وازعمي أي اضمني ؛ وقال النابغة يصف نوحا :
نودي : قم واركبن بأهلك إن ن الله موف للناس ما زعما
زعم هنا فسر بمعنى ضمن ، وبمعنى قال ، وبمعنى وعد ، ويكون بمعنى الوعد ، قال عمرو بن شأس :
وعاذلة تخشى الردى أن يصيبني تروح وتغدو بالملامة والقسم
تقول :
هلكنا ، إن هلكت ! وإنما على الله أرزاق العباد كما زعم
وزعم هنا بمعنى قال ووعد ، وتكون بمعنى القول والذكر ؛ قال أبو زبيد الطائي :
يا لهف نفسي إن كان الذي زعموا حقا ! وماذا يرد اليوم تلهيفي
إن كان مغنى وفود الناس راح به قوم إلى جدث ، في الغار ، منجوف ؟
المعنى : إن كان الذي قالوه حقا لأنه سمع من يقول حمل عثمان على النعش إلى قبره ؛ قال المثقب العبدي :
وكلام سيء قد وقرت أذني عنه وما بي من صمم
فتصاممت ، لكيما لا يرى جاهل أني كما كان زعم
وقال الجميح :
أنتم بنو المرأة التي زعم الن ناس عليها ، في الغي ، ما زعموا
ويكون بمعنى الظن ؛ قال : عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود
فذق هجرها ! قد كنت تزعم أنه رشاد ألا يا ربما كذب الزعم
فهذا البيت لا يحتمل سوى الظن ، وبيت لا يحتمل سوى الضمان ، وبيت عمر بن أبي ربيعة أبي زبيد لا يحتمل سوى القول ، وما سوى ذلك على ما فسر . وحكى أيضا عن ابن بري ابن خالويه : الزعم يستعمل فيما يذم كقوله - تعالى - : زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ؛ حتى قال بعض المفسرين : الزعم أصله الكذب ، قال : ولم يجئ فيما يحمد إلا في بيتين ، وذكر بيت وذكر أنه روي النابغة الجعدي ، وذكر أيضا بيت لأمية بن أبي الصلت عمرو بن شأس ورواه لمضرس ؛ قال أبو الهيثم : تقول العرب قال إنه وتقول زعم أنه ، فكسروا الألف مع قال ، وفتحوها مع زعم لأن زعم فعل واقع بها أي بالألف متعد إليها ، ألا ترى أنك تقول زعمت عبد الله قائما ، ولا تقول قلت زيدا خارجا إلا أن تدخل حرفا من حروف الاستفهام فتقول هل تقوله فعل كذا ومتى تقولني خارجا ؛ وأنشد :
قال الخليط : غدا تصدعنا فمتى تقول الدار تجمعنا
ومعناه فمتى تظن ومتى تزعم . والزعوم من الإبل والغنم : التي يشك في سمنها فتغبط بالأيدي ، وقيل : الزعوم التي يزعم الناس أن بها نقيا ؛ قال الراجز :
وبلدة تجهم الجهوما زجرت فيها عيهلا رسوما
مخلصة الأنقاء أو زعوما
وإنا من مودة آل سعد كمن طلب الإهالة في الزعوم
وقال الراجز :
إن قصاراك على رعوم مخلصة العظام ، أو زعوم
[ ص: 35 ] المخلصة : التي قد خلص نقيها . وقال : الزعوم من الغنم التي لا يدرى أبها شحم أم لا ، ومنه قيل : فلان مزاعم أي لا يوثق به . والزعوم : القليلة الشحم وهي الكثيرة الشحم ، وهي المزعمة ، فمن جعلها القليلة الشحم فهي المزعومة ، وهي التي إذا أكلها الناس قالوا لصاحبها توبيخا : أزعمت أنها سمينة ؛ قال الأصمعي ابن خالويه : لم يجئ أزعم في كلامهم إلا في قولهم أزعمت القلوص أو الناقة إذا ظن أن في سنامها شحما . ويقال : أزعمتك الشيء أي جعلتك به زعيما . والزعيم : الكفيل . زعم به يزعم زعما وزعامة أي كفل . وفي الحديث : ؛ والزعيم : الكفيل ، والغارم : الضامن . وقال الله تعالى : الدين مقضي والزعيم غارم وأنا به زعيم ؛ قالوا جميعا : معناه وأنا به كفيل ؛ ومنه حديث علي ، رضوان الله عليه : ذمتي رهينة وأنا به زعيم . وزعمت به أزعم زعما وزعامة أي كفلت . وزعيم القوم : رئيسهم وسيدهم ، وقيل : رئيسهم المتكلم عنهم ومدرههم ، والجمع زعماء . والزعامة : السيادة والرياسة ، وقد زعم زعامة ؛ قال الشاعر :
حتى إذا رفع اللواء رأيته تحت اللواء على الخميس ، زعيما
والزعامة : السلاح ، وقيل : الدرع أو الدروع . وزعامة المال : أفضله وأكثره من الميراث وغيره ؛ وقول لبيد :
تطير عدائد الأشراك شفعا ووترا ، والزعامة للغلام
فسره فقال : الزعامة هنا الدرع والرياسة والشرف ، وفسره غيره بأنه أفضل الميراث ، وقيل : يريد السلاح لأنهم كانوا إذا اقتسموا دفعوا السلاح إلى الابن دون الابنة ، وقوله شفعا ووترا يريد قسمة الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين . وأما الزعامة وهي السيادة أو السلاح فلا ينازع الورثة فيها الغلام ، إذ هي مخصوصة به . والزعم ، بالتحريك : الطمع ، زعم يزعم زعما وزعما : طمع ؛ قال ابن الأعرابي عنترة :
علقتها عرضا وأقتل قومها زعما ورب البيت ، ليس بمزعم
أي ليس بمطمع ؛ قال : كان حبها عرضا من الأعراض اعترضني من غير أن أطلبه ، فيقول : علقتها وأنا أقتل قومها فكيف أحبها وأنا أقتلهم ؟ أم كيف أقتلهم وأنا أحبها ؟ ثم رجع على نفسه مخاطبا لها فقال : هذا فعل ليس بفعل مثلي ؛ وأزعمته أنا . ويقال : زعم فلان في غير مزعم أي طمع في غير مطمع ؛ ويقال : زعم في غير مزعم أي طمع في غير مطمع ؛ قال الشاعر : ابن السكيت
له ربة قد أحرمت حل ظهره فما فيه للفقرى ولا الحج مزعم
وأمر مزعم أي مطمع . وأزعمه : أطمعه . وشواء زعم وزعم : مرش كثير الدسم سريع السيلان على النار . وأزعمت الأرض : طلع أول نبتها ؛ عن : زاعم وزعيم : اسمان . والمزعامة : الحية . والزعموم : العيي . والزعمي : الكاذب . والزعمي : الصادق . والزعم : الكذب ؛ قال ابن الأعرابي : الكميت
إذا الإكام اكتست مآليها وكان زعم اللوامع الكذب
يريد السراب ، والعرب تقول : أكذب من يلمع . وقال شريح : زعموا كنية الكذب . وقال شمر : الزعم والتزاعم أكثر ما يقال فيما يشك فيه ولا يحقق ، وقد يكون الزعم بمعنى القول ، وروي بيت الجعدي يصف نوحا ، وقد تقدم ، فهذا معناه التحقيق ؛ قال : إذا قالوا زعمة صادقة لآتينك ، رفعوا ، وحلفة صادقة لأقومن ، قال : وينصبون يمينا صادقة لأفعلن . وفي الحديث : الكسائي أنه ذكر أيوب ، عليه السلام ، قال : كان إذا مر برجلين يتزاعمان فيذكران الله كفر عنهما أي يتداعيان شيئا فيختلفان فيه فيحلفان عليه كان يكفر عنهما لأجل حلفهما ؛ وقال : معناه أنهما يتحادثان بالزعمات وهي ما لا يوثق به من الأحاديث ، وقوله فيذكران الله أي على وجه الاستغفار . وفي الحديث : الزمخشري ؛ معناه أن الرجل إذا أراد المسير إلى بلد والظعن في حاجة ركب مطيته وسار حتى يقضي إربه ، فشبه ما يقدمه المتكلم أمام كلامه ويتوصل به إلى غرضه من قوله زعموا كذا وكذا بالمطية التي يتوصل بها إلى الحاجة ، وإنما يقال زعموا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه ، وإنما يحكى عن الألسن على سبيل البلاغ ، فذم من الحديث ما كان هذا سبيله . وفي حديث بئس مطية الرجل زعموا المغيرة : زعيم الأنفاس أي موكل بالأنفاس يصعدها لغلبة الحسد والكآبة عليه ، أو أراد أنفاس الشرب كأنه يتجسس كلام الناس ويعيبهم بما يسقطهم ؛ قال ابن الأثير : والزعيم هنا بمعنى الوكيل .