( فصل ) :
وأما ركن الحج فشيئان : أحدهما .
الوقوف بعرفة وهو الركن الأصلي للحج ، والثاني طواف الزيارة .
أما الوقوف بعرفة فالكلام فيه يقع في مواضع في .
، وفي بيان مكانه ، وفي بيان زمانه ، وفي بيان مقداره ، وفي بيان سننه ، وفي بيان حكمه إذا فات عن وقته أما الأول فالدليل عليه قوله تعالى : { بيان أنه ركن ، ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } فسر النبي صلى الله عليه وسلم الحج بقوله : { عرفة } أي الحج الوقوف الحج بعرفة إذ الحج فعل ، وعرفة مكان فلا يكون حجا فكان الوقوف مضمرا فيه فكان تقديره : الحج الوقوف بعرفة .
والمجمل إذا التحق به التفسير يصير مفسرا من الأصل فيصير كأنه تعالى قال : ولله على الناس حج البيت ، والحج الوقوف بعرفة .
فظاهره يقتضي أن يكون هو الركن لا غير إلا أنه زيد عليه طواف الزيارة بدليل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم في سياق التفسير : { بعرفة فقد تم حجه } جعل الوقوف من وقف بعرفة اسما للحج فدل أنه ركن ، فإن قيل هذا يدل على أن الوقوف بعرفة واجب ، وليس بفرض فضلا عن أن يكون ركنا ; لأنه علق تمام الحج به ، والواجب هو الذي يتعلق بوجوده التمام لا الفرض ، فالجواب أن المراد من قوله : تم حجه ليس هو التمام الذي هو ضد النقصان بل خروجه عن احتمال الفساد فقوله : " فقد تم حجه " أي : خرج من أن يكون محتملا للفساد بعد ذلك لوجود المفسد حتى لو جامع بعد ذلك لا يفسد حجه لكن تلزمه الفدية على ما نذكر إن شاء الله تعالى ، وهذا ; لأن الله تعالى فرض الحج بقوله : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا }
وفسر النبي صلى الله عليه وسلم الحج : بالوقوف بعرفة فصار الوقوف بعرفة فرضا ، وهو ركن فلو حمل التمام المذكور في الحديث على التمام الذي هو ضد النقصان لم يكن فرضا ; لأنه يوجد الحج بدونه فيتناقض ، فحمل التمام المذكور على خروجه عن احتمال الفساد عملا بالدلائل صيانة لها عن التناقض ، وقوله عز وجل : { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } قيل : إن أهل الحرم كانوا لا يقفون بعرفات ، ويقولون نحن أهل حرم الله لا نفيض كغيرنا ممن قصدنا فأنزل الله عز وجل الآية الكريمة يأمرهم بالوقوف بعرفات ، والإفاضة من حيث أفاض الناس ، والناس كانوا يفيضون من عرفات ، وإفاضتهم منها لا تكون إلا بعد حصولهم فيها فكان الأمر بالإفاضة منها أمرا بالوقوف بها ضرورة .
وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " كانت قريش ومن كان على دينها يقفون بالمزدلفة ، ولا يقفون بعرفات فأنزل الله عز وجل قوله : { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } .
وكذا الأمة أجمعت على كون الوقوف ركنا في الحج .