( فصل ) :
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=25296_608شرائط التطهير بالماء فمنها العدد في نجاسة غير مرئية عندنا ، والجملة في ذلك أن النجاسة نوعان : حقيقية ، وحكمية ، ولا خلاف في أن النجاسة الحكمية - وهي الحدث والجناية - تزول بالغسل مرة واحدة ، ولا يشترط فيها العدد .
وأما النجاسة الحقيقية فإن كانت غير مرئية ، كالبول ونحوه ، ذكر في ظاهر الرواية أنه لا تطهر إلا بالغسل ثلاثا ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي تطهر بالغسل مرة واحدة اعتبارا بالحدث ، إلا في
nindex.php?page=treesubj&link=25938_609_608ولوغ الكلب في الإناء ، فإنه لا يطهر إلا بالغسل سبعا إحداهن بالتراب بالحديث ، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10681إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن بالتراب } .
( ولنا ) ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=44062يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا } فقد أمر بالغسل ثلاثا ، وإن كان ذلك غير مرئي وما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فذلك عندما كان في ابتداء الإسلام ; لقلع عادة الناس في الإلف بالكلاب ، كما أمر بكسر الدنان ونهى عن الشرب في ظروف الخمر حين حرمت الخمر ، فلما تركوا العادة أزال ذلك كما في الخمر ، دل عليه ما روي في بعض الروايات : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24798فليغسله سبعا أولاهن بالتراب ، أو أخراهن بالتراب ، } وفي بعضها : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=40804وعفروا الثامنة بالتراب ، } وذلك غير واجب بالإجماع .
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9619إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الإناء ، حتى يغسلها ثلاثا ، فإنه لا يدري أين باتت يده } أمر بالغسل ثلاثا عند
[ ص: 88 ] توهم النجاسة ، فعند تحققها أولى ; ولأن الظاهر أن النجاسة لا تزول بالمرة الواحدة ، ألا ترى أن النجاسة المرئية فقط لا تزول بالمرة الواحدة ، فكذا غير المرئية ، ولا فرق سوى أن ذلك يرى بالحس ، وهذا يعلم بالعقل ، والاعتبار بالحدث غير سديد ; لأنه ثمة لا نجاسة رأسا ، وإنما عرفنا وجوب الغسل نصا غير معقول المعنى ، والنص ورد بالاكتفاء بمرة واحدة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16984توضأ مرة مرة وقال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به } ، ثم التقدير بالثلاث عندنا ليس بلازم ، بل هو مفوض إلى غالب رأيه ، وأكبر ظنه ، وإنما ورد النص بالتقدير بالثلاث بناء على غالب العادات ، فإن الغالب أنها تزول بالثلاث ; ولأن الثلاث هو الحد الفاصل لإبلاء العذر ، كما في قصة العبد الصالح مع
موسى حيث قال له
موسى في المرة الثالثة : {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=76قد بلغت من لدني عذرا } وإن كانت النجاسة مرئية كالدم ونحوه ، فطهارتها زوال عينها ، ولا عبرة فيه بالعدد ; لأن النجاسة في العين فإن زالت العين زالت النجاسة ، وإن بقيت بقيت ، ولو زالت العين وبقي الأثر ، فإن كان مما يزول أثره لا يحكم بطهارته ، ما لم يزل الأثر ; لأن الأثر لون عينه ، لا لون الثوب ، فبقاؤه يدل على بقاء عينه وإن كانت النجاسة مما لا يزول أثره ، لا يضر بقاء أثره عندنا ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لا يحكم بطهارته ما دام الأثر باقيا وينبغي أن يقطع بالمقراض ; لأن بقاء الأثر دليل بقاء العين .
( ولنا ) ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للمستحاضة : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17905حتيه ، ثم اقرضيه ، ثم اغسليه بالماء ، ولا يضرك أثره } وهذا نص ; ولأن الله تعالى لما لم يكلفنا غسل النجاسة إلا بالماء ، مع علمه أنه ليس في طبع الماء قلع الآثار دل على أن بقاء الأثر فيما لا يزول أثره ليس بمانع زوال النجاسة .
وقوله : بقاء الأثر دليل بقاء العين مسلم ، لكن الشرع أسقط اعتبار ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=42394ولا يضرك بقاء أثره } ، ولما ذكرنا أنه لم يأمرنا إلا بالغسل بالماء ، ولم يكلفنا تعلم الحيل في قلع الآثار ; ولأن ذلك في حد القلة ، والقليل من النجاسة عفو عندنا ; ولأن إصابة النجاسة التي لها أثر باق كالدم الأسود العبيط مما يكثر في الثياب خصوصا في حق النسوان ، فلو أمرنا بقطع الثياب ; لوقع الناس في الحرج ، وأنه مدفوع وكذا يؤدي إلى إتلاف الأموال ، والشرع نهانا عن ذلك ، فكيف يأمرنا به ؟ .
( فَصْلٌ ) :
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=25296_608شَرَائِطُ التَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ فَمِنْهَا الْعَدَدُ فِي نَجَاسَةٍ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ عِنْدَنَا ، وَالْجُمْلَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّجَاسَةَ نَوْعَانِ : حَقِيقِيَّةٌ ، وَحُكْمِيَّةٌ ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ النَّجَاسَةَ الْحُكْمِيَّةَ - وَهِيَ الْحَدَثُ وَالْجِنَايَةِ - تَزُولُ بِالْغَسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ .
وَأَمَّا النَّجَاسَةُ الْحَقِيقِيَّةُ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ ، كَالْبَوْلِ وَنَحْوِهِ ، ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا تَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً اعْتِبَارًا بِالْحَدَثِ ، إلَّا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=25938_609_608وُلُوغِ الْكَلْبِ فِي الْإِنَاءِ ، فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ بِالْحَدِيثِ ، وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10681إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ } .
( وَلَنَا ) مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=44062يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَلَاثًا } فَقَدْ أَمَرَ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرْئِيٍّ وَمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فَذَلِكَ عِنْدَمَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ; لِقَلْعِ عَادَةِ النَّاسِ فِي الْإِلْفِ بِالْكِلَابِ ، كَمَا أَمَرَ بِكَسْرِ الدِّنَانِ وَنَهَى عَنْ الشُّرْبِ فِي ظُرُوفِ الْخَمْرِ حِينَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ ، فَلَمَّا تَرَكُوا الْعَادَةَ أَزَالَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْخَمْرِ ، دَلَّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24798فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ ، أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ ، } وَفِي بَعْضِهَا : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=40804وَعَفِّرُوا الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ ، } وَذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ .
وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9619إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسَنَّ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ، حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ } أَمْرَ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا عِنْدَ
[ ص: 88 ] تَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ ، فَعِنْدَ تَحَقُّقِهَا أَوْلَى ; وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَزُولُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّجَاسَةَ الْمَرْئِيَّةَ فَقَطْ لَا تَزُولُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ ، فَكَذَا غَيْرُ الْمَرْئِيَّةِ ، وَلَا فَرْقَ سِوَى أَنَّ ذَلِكَ يُرَى بِالْحِسِّ ، وَهَذَا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ ، وَالِاعْتِبَارُ بِالْحَدَثِ غَيْرُ سَدِيدٍ ; لِأَنَّهُ ثَمَّةَ لَا نَجَاسَةَ رَأْسًا ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا وُجُوبَ الْغَسْلِ نَصًّا غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى ، وَالنَّصُّ وَرَدَ بِالِاكْتِفَاءِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16984تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ : هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ } ، ثُمَّ التَّقْدِيرُ بِالثَّلَاثِ عِنْدَنَا لَيْسَ بِلَازِمٍ ، بَلْ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى غَالِبِ رَأْيِهِ ، وَأَكْبَرِ ظَنِّهِ ، وَإِنَّمَا وَرَدَ النَّصُّ بِالتَّقْدِيرِ بِالثَّلَاثِ بِنَاءً عَلَى غَالِبِ الْعَادَاتِ ، فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا تَزُولُ بِالثَّلَاثِ ; وَلِأَنَّ الثَّلَاثَ هُوَ الْحَدُّ الْفَاصِلُ لِإِبْلَاءِ الْعُذْرِ ، كَمَا فِي قِصَّةِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ مَعَ
مُوسَى حَيْثُ قَالَ لَهُ
مُوسَى فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=76قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا } وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَرْئِيَّةً كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ ، فَطَهَارَتُهَا زَوَالُ عَيْنِهَا ، وَلَا عِبْرَةَ فِيهِ بِالْعَدَدِ ; لِأَنَّ النَّجَاسَةَ فِي الْعَيْنِ فَإِنْ زَالَتْ الْعَيْنُ زَالَتْ النَّجَاسَةُ ، وَإِنْ بَقِيَتْ بَقِيَتْ ، وَلَوْ زَالَتْ الْعَيْنُ وَبَقِيَ الْأَثَرُ ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَزُولُ أَثَرُهُ لَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ ، مَا لَمْ يَزُلْ الْأَثَرُ ; لِأَنَّ الْأَثَرَ لَوْنُ عَيْنِهِ ، لَا لَوْنُ الثَّوْبِ ، فَبَقَاؤُهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ عَيْنِهِ وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ مِمَّا لَا يَزُولُ أَثَرُهُ ، لَا يَضُرُّ بَقَاءُ أَثَرِهِ عِنْدَنَا ، وَعَنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ لَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ مَا دَامَ الْأَثَرُ بَاقِيًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِالْمِقْرَاضِ ; لِأَنَّ بَقَاءَ الْأَثَرِ دَلِيلُ بَقَاءِ الْعَيْنِ .
( وَلَنَا ) مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17905حُتِّيهِ ، ثُمَّ اقْرُضِيهِ ، ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ ، وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ } وَهَذَا نَصٌّ ; وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا لَمْ يُكَلِّفْنَا غَسْلَ النَّجَاسَةِ إلَّا بِالْمَاءِ ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي طَبْعِ الْمَاءِ قَلْعُ الْآثَارِ دَلَّ عَلَى أَنَّ بَقَاءِ الْأَثَرِ فِيمَا لَا يَزُولُ أَثَرُهُ لَيْسَ بِمَانِعٍ زَوَالَ النَّجَاسَةِ .
وَقَوْلُهُ : بَقَاءُ الْأَثَرِ دَلِيلُ بَقَاءِ الْعَيْنِ مُسَلَّمٌ ، لَكِنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=42394وَلَا يَضُرُّكِ بَقَاءُ أَثَرِهِ } ، وَلَمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْنَا إلَّا بِالْغَسْلِ بِالْمَاءِ ، وَلَمْ يُكَلِّفْنَا تَعَلُّمَ الْحِيَلِ فِي قَلْعِ الْآثَارِ ; وَلِأَنَّ ذَلِكَ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ ، وَالْقَلِيلُ مِنْ النَّجَاسَةِ عَفْوٌ عِنْدَنَا ; وَلِأَنَّ إصَابَةَ النَّجَاسَةِ الَّتِي لَهَا أَثَرٌ بَاقٍ كَالدَّمِ الْأَسْوَدِ الْعَبِيطِ مِمَّا يَكْثُرُ فِي الثِّيَابِ خُصُوصًا فِي حَقِّ النِّسْوَانِ ، فَلَوْ أُمِرْنَا بِقَطْعِ الثِّيَابِ ; لَوَقَعَ النَّاسُ فِي الْحَرَجِ ، وَأَنَّهُ مَدْفُوعٌ وَكَذَا يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ الْأَمْوَالِ ، وَالشَّرْعُ نَهَانَا عَنْ ذَلِكَ ، فَكَيْفَ يَأْمُرُنَا بِهِ ؟ .