( فصل ) :
وأما شرائط الركن فأنواع بعضها شرط الانعقاد وبعضها شرط النفاذ وبعضها شرط الصحة وبعضها شرط اللزوم أما شرط الانعقاد فثلاثة أنواع نوع يرجع إلى العاقد ، ونوع يرجع إلى نفس العقد ، ونوع يرجع إلى مكان العقد .
أما الذي يرجع إلى العاقد فالعقل وهو أن يكون العاقد عاقلا حتى لا تنعقد الذي لا يعقل ، كما لا ينعقد البيع منهما . الإجارة من المجنون والصبي
وأما البلوغ فليس من شرائط الانعقاد ولا من شرائط النفاذ عندنا ، حتى إن الصبي العاقل لو أجر ماله أو نفسه فإن كان مأذونا ينفذ وإن كان محجورا يقف على إجازة الولي عندنا خلافا وهي من مسائل المأذون . للشافعي
ولو أجر الصبي المحجور نفسه وعمل وسلم من العمل يستحق الأجر ويكون الأجر له ، أما استحقاق الأجر فلأن عدم النفاذ كان نظرا له والنظر بعد الفراغ من العمل سليما في النفاذ فيستحق الأجرة ولا يهدر سعيه فيتضرر به ، وكان الولي أذن له بذلك دلالة بمنزلة قبول الهبة من الغير .
وأما كون الأجرة المسماة له فلأنها بدل منافع وهي حقه ، وكذا ليست بشرط لانعقاد هذا العقد ولا لنفاذه عندنا ، فينفذ عقد المملوك إن كان مأذونا ويقف على إجازة مولاه إن كان محجورا ، وعند حرية العاقد لا يقف بل يبطل ، وإذا سلم من العمل في إجارة نفسه أو إجارة مال المولى وجب الأجر المسمى لما ذكرنا في الصبي إلا أن الأجر هنا يكون للمولى ; لأن العبد ملك المولى ، والأجر كسبه ، وكسب المملوك للمالك ، ولو هلك الصبي أو العبد في يد المستأجر في المدة ضمن ; لأنه صار غاصبا حيث استعملهما من غير إذن المولى ولا يجب الأجر ; لأن الأجر مع الضمان لا يجتمعان ، ولو قتل العبد أو الصبي خطأ فعلى عاقلته الدية أو القيمة وعليه الأجر في ماله ; لأن إيجاب الأجرة ههنا لا يؤدي إلى الجمع لاختلاف من عليه الواجب ، وللمكاتب أن يؤاجر ويستأجر ; لأنه في مكاسبه كالحر . الشافعي
وأما كون العاقد طائعا جادا عامدا فليس بشرط لانعقاد هذا العقد ولا لنفاذه عندنا لكنه من شرائط الصحة كما في بيع العين ، وإسلامه ليس بشرط أصلا فتجوز لأن هذا من عقود المعاوضات فيملكه المسلم ، والكافر جميعا كالبياعات ، غير أن الإجارة والاستئجار من المسلم ، والذمي ، والحربي المستأمن ويضرب فيها بالناقوس له ذلك ، ولرب الدار وعامة المسلمين أن يمنعوه من ذلك على طريق الحسبة لما فيه من إحداث شعائر لهم وفيه تهاون بالمسلمين ، واستخفاف بهم كما يمنع من إحداث ذلك في دار نفسه في أمصار المسلمين ولهذا يمنعون من الذمي إن استأجر دارا من مسلم في المصر فأراد أن يتخذها مصلى للعامة قال النبي صلى الله عليه وسلم { إحداث الكنائس في أمصار المسلمين } أي لا يجوز إخصاء الإنسان ولا إحداث الكنيسة في دار الإسلام في الأمصار ، ولا يمنع أن يصلي فيها بنفسه من غير جماعة ; لأنه ليس فيه ما ذكرناه من المعنى ألا ترى أنه لو فعل ذلك في دار نفسه لا يمنع منه ، ولو كانت الدار بالسواد ذكر في الأصل أنه لا يمنع من ذلك لكن قيل إن : لا خصاء في الإسلام ولا كنيسة إنما أجاز ذلك في زمانه ; لأن أكثر أهل السواد في زمانه كانوا أهل الذمة من المجوس فكان لا يؤدي ذلك إلى الإهانة ، والاستخفاف بالمسلمين . أبا حنيفة
وأما اليوم فالحمد لله عز وجل فقد صار السواد كالمصر فكان الحكم فيه كالحكم في المصر ، وهذا إذا لم يشرط ذلك في العقد فأما إذا شرط بأن استأجر ذمي دارا من مسلم في مصر من أمصار المسلمين ليتخذها مصلى للعامة لم تجز الإجارة ; لأنه استئجار على المعصية وكذا لو استأجر ذمي من ذمي ليفعل ذلك لما قلنا ، ولا بأس باستئجار ظئر كافرة ، والتي ولدت من فجور ; لأن الكفر والفجور لا يؤثران في اللبن ; لأن لبنهما لا يضر بالصبي ، ويكره استئجار الحمقاء لقوله صلى الله عليه وسلم { لا ترضع لكم الحمقاء فإن اللبن يفسد } والظاهر أن المراد منه غير الأم ; لأن الولادة أبلغ من الرضاع ، نهى وعلل بالإفساد ; لأن حمقها لمرض بها عادة ولبن المريضة يضر بالصبي ويحتمل أن النهي عن ذلك لئلا يتعود الصبي بعادة الحمقى ; لأن الصبي يتعود بعادة ظئره والله أعلم ، وأما الذي يرجع إلى نفس العقد ، ومكانه فما ذكرنا في كتاب البيوع .