( فصل ) :
وأما فالحضانة تكون للنساء في وقت وتكون للرجال في وقت والأصل فيها النساء ; لأنهن أشفق وأرفق وأهدى إلى تربية الصغار ثم تصرف إلى الرجال ; لأنهم على الحماية والصيانة وإقامة مصالح الصغار أقدر ولكل واحد منهما شرط فلا بد من بيان من له الحضانة أما التي للنساء فمن شرائطها أن تكون المرأة ذات رحم محرم من الصغار فلا حضانة لبنات العم وبنات الخال وبنات العمة وبنات الخالة ; لأن مبنى الحضانة على الشفقة ، والرحم المحرم هي المختصة بالشفقة ثم يتقدم فيها الأقرب فالأقرب فأحق النساء من ذوات الرحم المحرم بالحضانة الأم ; لأنه لا أقرب منها ثم أم الأم ثم أم الأب ; لأن الجدتين وإن استويتا في القرب لكن إحداهما من قبل الأم أولى . بيان شرط الحضانتين ووقتهما
وهذه الولاية مستفادة من قبل الأم فكل من يدلي بقرابة الأم كان أولى ; لأنها تكون أشفق ثم الأخوات فأم الأب أولى من الأخت ; لأن لها ولادا فكانت أدخل في الولاية وكذا هي أشفق ، وأولى الأخوات الأخت لأب وأم ثم الأخت لأم ثم الأخت لأب ; لأن الأخت لأب وأم تدلي بقرابتين فترجح على الأخت لأم بقرابة الأب وترجح الأخت لأم ; لأنها تدلي بقرابة الأم فكانت أولى من الأخت لأب ، واختلفت الرواية عن في الأخت لأب مع الخالة أيتهما أولى ؟ روي عنه في كتاب النكاح أن الخالة أولى وهو قول أبي حنيفة محمد . وزفر
وروي عنه في كتاب الطلاق أن الأخت لأب أولى ، وجه الرواية الأولى ما روي أن بنت حمزة لما رأت رضي الله عنه تمسكت به وقالت : ابن عمي فأخذها فاختصم فيها عليا علي وجعفر رضي الله عنهم فقال رضي الله عنه : بنت عمي وقال وزيد بن حارثة جعفر : بنت عمي وخالتها عندي وقال رضي الله عنه : بنت أخي آخيت بيني وبين زيد بن حارثة يا رسول الله فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها لخالتها وقال صلى الله عليه وسلم { حمزة } فقد سمى الخالة والدة فكانت أولى وجه الرواية الأخرى أن الأخت لأب بنت الأب والخالة بنت الجد فكانت الأخت أقرب فكانت أولى وبنت الأخت لأب وأم أولى من الخالة ; لأنها من ولد الأبوين وكذا بنت الأخت لأم ; لأنها من ولد الأم والخالة ولد الجد ، وكذا بنت الأخت لأب أولى من الخالة على الرواية الأخيرة ; لأنها من ولد الأب ، والخالة ولد الجد فكانت أولى . الخالة والدة
وأما على الرواية الأولى فلا شك أن الخالة تتقدم عليها ; لأنها تتقدم على أمها وهي الأخت لأب فلأن تتقدم على بنتها - وهي أبعد من أمها - أولى ، وبنات الأخت أولى من بنات الأخ لأن الأخ لا حق له في الحضانة ، والأخت لها حق فيها فكان ولد الأخت أولى والخالات أولى من بنات الأخ ; لأن بنت الأخ تدلي بقرابة الذكر والخالة تدلي بقرابة الأم ; فكانت الخالة أولى ، وبنات الأخ أولى من العمات ، وإن كانت كل واحدة منهما أعني : بنت الأخ والعمة تدلي بذكر لكن بنت الأخ أقرب ; لأنها ولد الأب والعمة ولد الجد فكانت بنت الأخ أقرب فكانت أولى ثم الخالات أولى من [ ص: 42 ] العمات وإن تساوين في القرب ; لأن الخالات يدلين بقرابة الأم فكن أشفق ، وأولى الخالات الخالة لأب وأم ; لأنها تدلي بقرابتين ثم الخالة لأم لإدلائها بقرابة الأم ثم الخالة لأب ثم العمات ، وذكر في كتاب الطلاق أن أم الأب أولى من الخالة في قول الحسن بن زياد وقال أبي يوسف : الخالة أولى ، وجه قول زفر قول النبي صلى الله عليه وسلم { زفر } وجه قول الخالة والدة أن أم الأب لها أولاد والولاية في الأصل مستفادة بالولاد ، وأولى العمات العمة لأب وأم ; لأنها تدلي بقرابتين ثم العمة لأم لاتصالها بجهة الأم ثم العمة لأب . أبي يوسف
وأما بنات العم والخال والعمة والخالة فلا حق لهن في الحضانة لعدم الرحم المحرم ، والله أعلم ، ومنها أن لا تكون ذات زوج أجنبي من الصغير فإن كانت فلا حق لها في الحضانة ، وأصله ما روى عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء ويزعم أبوه أن ينزعه مني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عمرو بن شعيب } . أنت أحق به منه ما لم تنكحي
وروي عن أنه قال : طلق سعيد بن المسيب رضي الله عنه عمر أم ابنه عاصم رضي الله عنه فلقيها ومعها الصبي فنازعها وارتفعا إلى رضي الله عنه فقضى أبي بكر الصديق رضي الله عنه أبو بكر رضي الله عنهم لأمه ما لم يشب أو تتزوج وقال : إن ريحها وفراشها خير له حتى يشب أو تتزوج ، وذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولأن الصغير يلحقه الجفاء والمذلة من قبل الأب ; لأنه يبغضه لغيرته وينظر إليه نظر المغشي عليه من الموت ويقتر عليه النفقة فيتضرر به حتى لو تزوجت بذي رحم محرم من الصبي لا يسقط حقها في الحضانة كالجدة إذا تزوجت بجد الصبي أو الأم تزوجت بعم الصبي أنه لا يلحقه الجفاء منهما لوجود المانع من ذلك وهو القرابة الباعثة على الشفقة ، ولو بعاصم بن عمر عاد حقها في الحضانة ; لأن المانع قد زال فيزول المنع ويعود حقها وتكون هي أولى ممن هي أبعد منها كما كانت ، ومنها : عدم ردتها حتى لو ارتدت عن الإسلام بطل حقها في الحضانة ; لأن المرتدة تحبس فيتضرر به الصبي ، ولو تابت وأسلمت يعود حقها لزوال المانع ، وسئل مات عنها زوجها أو أبانها عن محمد ؟ قال : يضعه القاضي حيث شاء ; لأنه لا حق لهن فصار كمن لا قرابة له ومنها أن تكون حرة فلا حق للأمة وأم الولد في حضانة الولد الحر ; لأن الحضانة ضرب من الولاية وهما ليستا من أهل الولاية فأما إذا أعتقتا فهما في الحضانة كالحرة ; لأنهما استفادتا الولاية بالعتق ، وأهل الذمة في هذه الحضانة بمنزلة أهل الإسلام ; لأن هذا الحق إنما يثبت نظرا للصغير وإنه لا يختلف بالإسلام والكفر ، وكذا اتحاد الدين ليس بشرط لثبوت هذا الحق حتى لو كانت الحاضنة كتابية والولد مسلم ; كانت في الحضانة كالمسلمة كذا ذكر في الأصل لما قلنا وكان النساء إذا اجتمعن ولهن أزواج يقول : إنها أحق بالصغير والصغيرة حتى يعقلا فإذا عقلا ; سقط حقها ; لأنها تعودهما أخلاق الكفرة وفيه ضرر عليهما ، والله عز وجل الموفق . أبو بكر أحمد بن علي الرازي