ولو بمكة جاز ; لأن فرض الحج صار مؤديا بالفراغ عن أفعاله . أحج رجلا يؤدي الحج ويقيم
والأفضل أن يحج ثم يعود إليه ، لأن الحاصل للآمر ثواب النفقة ، فمهما كانت النفقة أكثر كان الثواب أكثر وأوفر ، وإذا أنفق من مال نفسه [ ص: 216 ] لأن نية الإقامة قد صحت فصار تاركا للسفر فلم يكن مأذونا بالإنفاق من مال الآمر . فرغ المأمور بالحج من الحج ونوى الإقامة خمسة عشر يوما فصاعدا
ولو أنفق ضمن ; لأنه أنفق مال غيره بغير إذنه فإن أقام بها أياما من غير نية الإقامة فقد قال أصحابنا إنه إن أقام إقامة معتادة فالنفقة في مال المحجوج عنه ، وإن زاد على المعتاد فالنفقة من ماله حتى قالوا : إذا ينفق من مال الآمر ، وإن زاد ينفق من مال نفسه وقالوا في أقام بعد الفراغ من الحج ثلاثة أيام بغداد فأقام بها إقامة معتادة مقدار ما يقيم الناس بها عادة فالنفقة في مال المحجوج عنه ، وإن أقام أكثر من ذلك فالنفقة في ماله ، وهذا كان في زمانهم ; لأنه كان زمان أمن يتمكن الحاج من الخروج من الخراساني : إذا جاء حاجا عن غيره فدخل مكة وحده أو مع نفر يسير ، فقدروا مدة الإقامة بها بعد الفراغ من الحج كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجر أن يقيم بمكة .
فأما في زماننا فلا يمكن الخروج للأفراد والآحاد ولا لجماعة قليلة من مكة إلا مع القافلة فما دام منتظرا خروج القافلة فنفقته في مال المحجوج عنه وكذا هذا في إقامته ببغداد أنه ما دام منتظرا لخروج القافلة ، فالنفقة في مال الآمر لتعذر سبقه بالخروج لما فيه من تعريض المال والنفس للهلاك فالتعويل في الذهاب والإياب على ذهاب القافلة وإيابها .
ذكر فإن نوى إقامة خمسة عشر يوما فصاعدا حتى سقطت نفقته من مال الآمر ثم رجع بعد ذلك هل تعود نفقته في مال الآمر ؟ في شرحه مختصر القدوري أنه تعود ، ولم يذكر الخلاف وذكر الكرخي القاضي في شرحه مختصر أن على قول الطحاوي تعود ، وهو ظاهر الرواية . محمد
وعند لا تعود ، وهذا إذا لم يكن اتخذ أبي يوسف مكة دارا فأما إذا اتخذها دارا ثم عاد لا تعود النفقة في مال الآمر بلا خلاف .
وجه قول أنه إذا نوى الإقامة خمسة عشر يوما فصاعدا فقد انقطع حكم السفر فلا تعود بعد ذلك كما لو اتخذ أبي يوسف مكة دارا .
وجه ظاهر الرواية أن الإقامة ترك السفر لا قطعها ، والمتروك يعود ، فأما اتخاذ مكة دارا والتوطن بها فهو قطع السفر ، والمنقطع لا يعود .