ثم العبادة هي اسم جامع لكل ما يرضى الإله السامع
( ثم
nindex.php?page=treesubj&link=29530العبادة ) التي خلق الله لها الخلق ، وأخذ بها عليهم الميثاق ، وأرسل بها رسله وأنزل كتبه ، ولأجلها خلقت الدنيا والآخرة والجنة والنار ( هي اسم جامع لكل ما ) يحب و ( يرضى ) مبني للمعروف فاعله ( الإله السامع ) وهو الله عز وجل ، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ، فالظاهرة كالتلفظ بالشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والحج والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإغاثة الملهوف ونصر المظلوم وتعليم الناس الخير والدعوة إلى الله عز وجل وغير ذلك ، والباطنة كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وخشية الله وخوفه ورجائه والتوكل عليه والرغبة والرهبة إليه والاستعانة به والحب والبغض في الله والموالاة والمعاداة فيه وغير ذلك . ثم اعلم أنها لا تقبل الأعمال الظاهرة ما لم يساعدها عمل القلب . ومناط العبادة هي غاية الحب مع غاية الذل ، ولا تنفع عبادة بواحد من هذين دون الآخر ، ولذا قال من قال من السلف : من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري ، ومن
nindex.php?page=treesubj&link=29530عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد . اهـ .
قلت : وبيان كلامهم هذا أن دعوى الحب لله بلا تذلل ولا خوف ولا رجاء ولا خشية ولا رهبة ولا خضوع دعوى كاذبة ، ولذا ترى من يدعي ذلك كثيرا ما يقع في معاصي الله عز وجل ويرتكبها ولا يبالي ويحتج في ذلك بالإرادة الكونية وأنه مطيع لها ، وهذا شأن المشركين الذين قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ) ( الأنعام : 148 ) وقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم ) ( الزخرف : 20 ) وغير ذلك . وإمامهم في ذلك الاحتجاج هو إبليس إذ قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=39رب بما أغويتني ) ( الأعراف : 16 ) . وإنما المحبة نفس وفاق العبد ربه : فيحب
[ ص: 438 ] ما يحبه ويرضاه ، ويبغض ما يكرهه ويأباه . وإنما تتلقى معرفة محاب الله ومعاصيه من طريق الشرع ، وإنما تحصل بمتابعة الشارع . ولذا قال
الحسن رحمه الله تعالى : ادعى قوم محبة الله فابتلاهم الله بهذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) ( آل عمران : 31 ) فمن ادعى محبة الله ولم يك متبعا رسوله فهو كاذب .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى : إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء أو يطير في الهواء فلا تصدقوه حتى تعلموا متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وكذلك الرجاء وحده إذا استرسل فيه العبد تجرأ على معاصي الله وأمن مكر الله ، وقد قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=99فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ) ( الأعراف : 99 ) . وكذلك الخوف وحده إذا استرسل فيه العبد ساء ظنه بربه وقنط من رحمته ويئس من روحه ، وقد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=87إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون ) ( يوسف : 87 ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=56ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ) ( الحجر : 56 )
nindex.php?page=treesubj&link=29649فالأمن من مكر الله خسران ،
nindex.php?page=treesubj&link=29649واليأس من روحه كفران ، والقنوط من رحمة الله ضلال وطغيان ، وعبادة الله عز وجل بالحب والخوف والرجاء توحيد وإيمان . فالعبد المؤمن بين الخوف والرجاء كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=57ويرجون رحمته ويخافون عذابه ) ( الإسراء : 57 ) وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ) ( الزمر : 9 ) . وبين الرغبة والرهبة كما قال تعالى في
آل زكرياء عليهم السلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=90إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ) ( الأنبياء : 91 ) فتارة يمده الرجاء والرغبة فيكاد أن يطير شوقا إلى الله ، وطورا يقبضه الخوف والرهبة فيكاد أن يذوب من خشية الله تعالى ، فهو دائب في طلب مرضاة ربه مقبل عليه ، خائف من عقوباته ملتجئ منه إليه ، عائذ به منه ، راغب فيما لديه . وكذلك هو في صفات الله عز وجل لا ناف ولا مشبه ، وفي أفعال العباد لا جبري ولا قدري ، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ليس بذي النصب ولا التشيع ، وفي الوعد والوعيد ليس بخارجي ولا مرجئ . فدين الله بين الغلو والجفاء والتفريط والإفراط ، وخير الأمور
[ ص: 439 ] الأوساط .
nindex.php?page=treesubj&link=29530وللعبادة ركنان لا قوام لها إلا بهما وهما الإخلاص والصدق ، وحقيقة الإخلاص أن يكون قصد العبد وجه الله عز وجل والدار الآخرة ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=17وسيجنبها الأتقى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=18الذي يؤتي ماله يتزكى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=19وما لأحد عنده من نعمة تجزى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=20إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=21ولسوف يرضى ) ( الليل : 17 - 21 ) وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ) ( الإسراء : 18 - 19 ) وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=145وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين ) ( آل عمران : 145 ) وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=20من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب ) ( الشورى : 20 ) وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=16أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ) ( هود : 16 ) وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=265ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير ) ( البقرة : 264 - 265 ) .
وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024463إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " . وفي صحيح
[ ص: 440 ] مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024464إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم " . وعن
أبي موسى رضي الله عنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024465سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل رياء ، أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " متفق عليه . ولو ذهبنا نذكر أحاديث الإخلاص لطال الفصل .
وأما الصدق فهو بذل العبد جهده في امتثال ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه ، والاستعداد للقاء الله ، وترك العجز وترك التكاسل عن طاعة الله ، وإمساك النفس بلجام التقوى عن محارم الله ، وطرد الشيطان عنه بالمداومة على ذكر الله ، والاستقامة على ذلك كله ما استطاع . قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) ( التوبة : 119 ) وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=23من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) ( الأحزاب : 23 ) الآية . وقال تبارك وتعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=3ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) - إلى قوله - (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=11وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين ) ( العنكبوت : 1 - 11 ) وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=214أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا ) ( البقرة : 214 ) الآية . وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=142أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) - إلى قوله عز وجل - (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ) ( آل عمران : 142 - 146 )
[ ص: 441 ] إلى آخر الآيات . وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ) ( البقرة : 177 ) .
وفي الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024466المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير . احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنى فعلت كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ، فإن " لو " تفتح عمل الشيطان " . وفي الحديث الآخر : " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله " . وإذا اجتمعت النية الصالحة والعزيمة الصادقة في هذا العبد قام بعبادة الله عز وجل . ثم اعلم أنه لا يقبل منه ذلك إلا بمتابعته الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيعبد الله تعالى بوفق ما شرع وهو دين الإسلام الذي لا يقبل الله تعالى من أحد سواه ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=85ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) ( آل عمران : 85 ) .
وفي الصحيحين عن
عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024467من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وفي رواية
لمسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024468من [ ص: 442 ] عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " فهذه الثلاثة الأركان
nindex.php?page=treesubj&link=29530شروط في العبادة لا قوام لها إلا بها ، فالعزيمة الصادقة شرط في صدورها ، والنية الخالصة ، وموافقة السنة شرط في قبولها ، فلا تكون عبادة مقبولة إلا باجتماعها ، فإخلاص النية بدون صدق العزيمة هوس وتطويل أمل وتمن على الله وتسويف في العمل وتفريط فيه ، وصدق العزيمة بدون إخلاص فيه يكون شركا أكبر أو أصغر بحسب ما نقص من الإخلاص ، فإن كان الباعث على العمل من أصله هو إرادة غير الله فنفاق ، وإن كان دخل الرياء في تزيين العمل وكان الباعث عليه أولا إرادة الله والدار الآخرة كان شركا أصغر بحسبه ، حتى إذا غلب عليه التحق بالأكبر . وإخلاص النية مع صدق العزيمة إن لم يكن العمل على وفق السنة كان بدعة وحدثا في الدين وشرع ما لم يأذن الله به ، فيكون ردا على صاحبه ووبالا عليه والعياذ بالله ، فلا يصدر العمل من العبد إلا بصدق العزيمة ولا يقبل منه ذلك إلا بإخلاص النية وإتباع السنة ، ولذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) ( الملك : 2 ) قال : أخلصه وأصوبه ; يعني خالصا من شوائب الشرك موافقا للسنة .
ثُمَّ الْعِبَادَةُ هِيَ اسْمٌ جَامِعُ لِكُلِّ مَا يَرْضَى الْإِلَهُ السَّامِعُ
( ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29530الْعِبَادَةُ ) الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ لَهَا الْخَلْقَ ، وَأَخَذَ بِهَا عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ ، وَأَرْسَلَ بِهَا رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ ، وَلِأَجْلِهَا خُلِقَتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ ( هِيَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا ) يُحِبُّ وَ ( يَرْضَى ) مَبْنِيٌّ لِلْمَعْرُوفِ فَاعِلُهُ ( الْإِلَهُ السَّامِعُ ) وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ ، فَالظَّاهِرَةُ كَالتَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَتَعْلِيمِ النَّاسِ الْخَيْرَ وَالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَالْبَاطِنَةُ كَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَخَشْيَةِ اللَّهِ وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ إِلَيْهِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ وَالْحُبِّ وَالْبُغْضِ فِي اللَّهِ وَالْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ فِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ مَا لَمْ يُسَاعِدْهَا عَمَلُ الْقَلْبِ . وَمَنَاطُ الْعِبَادَةِ هِيَ غَايَةُ الْحُبِّ مَعَ غَايَةِ الذُّلِّ ، وَلَا تَنْفَعُ عِبَادَةٌ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ، وَلِذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ السَّلَفِ : مَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِالْحُبِّ وَحْدَهُ فَهُوَ زِنْدِيقٌ ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالرَّجَاءِ وَحْدَهُ فَهُوَ مُرْجِئٌ ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْخَوْفِ وَحْدَهُ فَهُوَ حَرُورِيُّ ، وَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29530عَبَدَهُ بِالْحُبِّ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ مُوَحِّدٌ . اهـ .
قُلْتُ : وَبَيَانُ كَلَامِهِمْ هَذَا أَنَّ دَعْوَى الْحُبِّ لِلَّهِ بِلَا تَذَلُّلٍ وَلَا خَوْفٍ وَلَا رَجَاءٍ وَلَا خَشْيَةٍ وَلَا رَهْبَةٍ وَلَا خُضُوعٍ دَعْوَى كَاذِبَةٌ ، وَلِذَا تَرَى مَنْ يَدَّعِي ذَلِكَ كَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي مَعَاصِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَرْتَكِبُهَا وَلَا يُبَالِي وَيَحْتَجُّ فِي ذَلِكَ بِالْإِرَادَةِ الْكَوْنِيَّةِ وَأَنَّهُ مُطِيعٌ لَهَا ، وَهَذَا شَأْنُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا ) ( الْأَنْعَامِ : 148 ) وَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=20لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ ) ( الزُّخْرُفِ : 20 ) وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَإِمَامُهُمْ فِي ذَلِكَ الِاحْتِجَاجِ هُوَ إِبْلِيسُ إِذْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=39رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي ) ( الْأَعْرَافِ : 16 ) . وَإِنَّمَا الْمَحَبَّةُ نَفْسُ وِفَاقِ الْعَبْدِ رَبَّهُ : فَيُحِبُّ
[ ص: 438 ] مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ ، وَيُبْغِضُ مَا يَكْرَهُهُ وَيَأْبَاهُ . وَإِنَّمَا تَتَلَقَّى مَعْرِفَةُ مَحَابِّ اللَّهِ وَمَعَاصِيهِ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ ، وَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِمُتَابَعَةِ الشَّارِعِ . وَلِذَا قَالَ
الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : ادَّعَى قَوْمٌ مُحِبَّةَ اللَّهِ فَابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) ( آلِ عِمْرَانَ : 31 ) فَمَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ وَلَمْ يَكُ مُتَّبِعًا رَسُولَهُ فَهُوَ كَاذِبٌ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ أَوْ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ فَلَا تُصَدِّقُوهُ حَتَّى تَعْلَمُوا مُتَابَعَتَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَكَذَلِكَ الرَّجَاءُ وَحْدَهُ إِذَا اسْتَرْسَلَ فِيهِ الْعَبْدُ تَجَرَّأَ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ وَأَمِنَ مَكْرَ اللَّهِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=99فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) ( الْأَعْرَافِ : 99 ) . وَكَذَلِكَ الْخَوْفُ وَحْدَهُ إِذَا اسْتَرْسَلَ فِيهِ الْعَبْدُ سَاءَ ظَنُّهُ بِرَبِّهِ وَقَنَطَ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَئِسَ مِنْ رَوْحِهِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=87إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) ( يُوسُفَ : 87 ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=56وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ) ( الْحِجْرِ : 56 )
nindex.php?page=treesubj&link=29649فَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ خُسْرَانٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29649وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِهِ كُفْرَانٌ ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ضَلَالٌ وَطُغْيَانٌ ، وَعِبَادَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْحُبِّ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ تَوْحِيدٌ وَإِيمَانٌ . فَالْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=57وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ) ( الْإِسْرَاءِ : 57 ) وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ) ( الزُّمَرِ : 9 ) . وَبَيَّنَ الرَّغْبَةَ وَالرَّهْبَةَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي
آلِ زَكَرِيَّاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=90إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) ( الْأَنْبِيَاءِ : 91 ) فَتَارَةً يَمُدُّهُ الرَّجَاءُ وَالرَّغْبَةُ فَيَكَادُ أَنْ يَطِيرَ شَوْقًا إِلَى اللَّهِ ، وَطَوْرًا يَقْبِضُهُ الْخَوْفُ وَالرَّهْبَةُ فَيَكَادُ أَنْ يَذُوبَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَهُوَ دَائِبٌ فِي طَلَبِ مَرْضَاةِ رَبِّهِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِ ، خَائِفٌ مِنْ عُقُوبَاتِهِ مُلْتَجِئٌ مِنْهُ إِلَيْهِ ، عَائِذٌ بِهِ مِنْهُ ، رَاغِبٌ فِيمَا لَدَيْهِ . وَكَذَلِكَ هُوَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا نَافٍ وَلَا مُشَبِّهٌ ، وَفِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ لَا جَبْرِيٌّ وَلَا قَدَرِيٌّ ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ لَيْسَ بِذِي النَّصْبِ وَلَا التَّشَيُّعِ ، وَفِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لَيْسَ بِخَارِجِيٍّ وَلَا مُرْجِئٍ . فَدِينُ اللَّهِ بَيْنَ الْغُلُوِّ وَالْجَفَاءِ وَالتَّفْرِيطِ وَالْإِفْرَاطِ ، وَخَيْرُ الْأُمُورِ
[ ص: 439 ] الْأَوْسَاطُ .
nindex.php?page=treesubj&link=29530وَلِلْعِبَادَةِ رُكْنَانِ لَا قِوَامَ لَهَا إِلَّا بِهِمَا وَهُمَا الْإِخْلَاصُ وَالصِّدْقُ ، وَحَقِيقَةُ الْإِخْلَاصِ أَنْ يَكُونَ قَصْدُ الْعَبْدِ وَجْهَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=17وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=18الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=19وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=20إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=21وَلَسَوْفَ يَرْضَى ) ( اللَّيْلِ : 17 - 21 ) وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ) ( الْإِسْرَاءِ : 18 - 19 ) وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=145وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ) ( آلِ عِمْرَانَ : 145 ) وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=20مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ) ( الشُّورَى : 20 ) وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=16أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( هُودٍ : 16 ) وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=265وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ( الْبَقَرَةِ : 264 - 265 ) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024463إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ " . وَفِي صَحِيحِ
[ ص: 440 ] مُسْلِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024464إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَامِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ " . وَعَنْ
أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024465سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شُجَاعَةً ، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً ، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً ، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَلَوْ ذَهَبْنَا نَذْكُرُ أَحَادِيثَ الْإِخْلَاصِ لَطَالَ الْفَصْلُ .
وَأَمَّا الصِّدْقُ فَهُوَ بَذْلُ الْعَبْدِ جُهْدَهُ فِي امْتِثَالِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَاجْتِنَابِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِلِقَاءِ اللَّهِ ، وَتَرْكُ الْعَجْزِ وَتَرْكُ التَّكَاسُلِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ ، وَإِمْسَاكُ النَّفْسِ بِلِجَامِ التَّقْوَى عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ ، وَطَرْدُ الشَّيْطَانِ عَنْهُ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ ، وَالِاسْتِقَامَةُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ مَا اسْتَطَاعَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) ( التَّوْبَةِ : 119 ) وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=23مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ) ( الْأَحْزَابِ : 23 ) الْآيَةَ . وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=2أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=3وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) - إِلَى قَوْلِهِ - (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=10وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=11وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ) ( الْعَنْكَبُوتِ : 1 - 11 ) وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=214أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ) ( الْبَقَرَةِ : 214 ) الْآيَةَ . وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=142أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) - إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ - (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) ( آلِ عِمْرَانَ : 142 - 146 )
[ ص: 441 ] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ . وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) ( الْبَقَرَةِ : 177 ) .
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024466الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ . احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنَّى فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُلْ : قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ ، فَإِنَّ " لَوْ " تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ " . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : " الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ " . وَإِذَا اجْتَمَعَتِ النِّيَّةُ الصَّالِحَةُ وَالْعَزِيمَةُ الصَّادِقَةُ فِي هَذَا الْعَبْدِ قَامَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ إِلَّا بِمُتَابَعَتِهِ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى بِوَفْقِ مَا شَرَعَ وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَحَدٍ سِوَاهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=85وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ( آلِ عِمْرَانَ : 85 ) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024467مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ " وَفِي رِوَايَةٍ
لِمُسْلِمٍ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024468مَنْ [ ص: 442 ] عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمَرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَرْكَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=29530شُرُوطٌ فِي الْعِبَادَةِ لَا قِوَامَ لَهَا إِلَّا بِهَا ، فَالْعَزِيمَةُ الصَّادِقَةُ شَرْطٌ فِي صُدُورِهَا ، وَالنِّيَّةُ الْخَالِصَةُ ، وَمُوَافَقَةُ السُّنَّةِ شَرْطٌ فِي قَبُولِهَا ، فَلَا تَكُونُ عِبَادَةً مَقْبُولَةً إِلَّا بِاجْتِمَاعِهَا ، فَإِخْلَاصُ النِّيَّةِ بِدُونِ صِدْقِ الْعَزِيمَةِ هَوَسٌ وَتَطْوِيلُ أَمَلٍ وَتَمَنٍّ عَلَى اللَّهِ وَتَسْوِيفٌ فِي الْعَمَلِ وَتَفْرِيطٌ فِيهِ ، وَصِدْقُ الْعَزِيمَةِ بِدُونِ إِخْلَاصٍ فِيهِ يَكُونُ شِرْكًا أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ بِحَسَبِ مَا نَقَصَ مِنَ الْإِخْلَاصِ ، فَإِنْ كَانَ الْبَاعِثُ عَلَى الْعَمَلِ مِنْ أَصْلِهِ هُوَ إِرَادَةَ غَيْرِ اللَّهِ فَنِفَاقٌ ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ الرِّيَاءُ فِي تَزْيِينِ الْعَمَلِ وَكَانَ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ أَوَّلًا إِرَادَةَ اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ كَانَ شِرْكًا أَصْغَرَ بِحَسَبِهِ ، حَتَّى إِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْتَحَقَ بِالْأَكْبَرِ . وَإِخْلَاصُ النِّيَّةِ مَعَ صِدْقِ الْعَزِيمَةِ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْعَمَلُ عَلَى وَفْقِ السُّنَّةِ كَانَ بِدْعَةً وَحَدَثًا فِي الدِّينِ وَشَرْعَ مَا لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ بِهِ ، فَيَكُونُ رَدًّا عَلَى صَاحِبِهِ وَوَبَالًا عَلَيْهِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ ، فَلَا يَصْدُرُ الْعَمَلُ مِنَ الْعَبْدِ إِلَّا بِصِدْقِ الْعَزِيمَةِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ إِلَّا بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ وَإِتْبَاعِ السُّنَّةِ ، وَلِذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14919الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) ( الْمُلْكِ : 2 ) قَالَ : أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ ; يَعْنِي خَالِصًا مِنْ شَوَائِبِ الشِّرْكِ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ .