[ ص: 276 ]
ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين . قالوا : وقال أيضا في سورة التحريم :
فيقال : أما قوله تعالى :
فنفخنا فيه من روحنا .
وقوله : في سورة الأنبياء :
والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين .
فهذا قد فسره قوله تعالى :
فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ( 17 ) قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ( 18 ) قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا .
وفي القراءة الأخرى : ليهب لك غلاما زكيا .
فأخبر أنه رسوله وروحه ، وأنه تمثل لها بشرا ، وأنه ذكر أنه [ ص: 277 ] رسول الله إليها ، فعلم أن روحه مخلوق مملوك له ، ليس المراد حياته التي هي صفته سبحانه وتعالى :
وكذلك قوله :
فنفخنا فيها من روحنا .
وهو مثل قوله في آدم عليه السلام :
فإذا سويته ونفخت فيه من روحي .
وقد شبه المسيح بآدم في قوله :
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون .
والشبهة في هذا نشأت عند بعض الجهال من أن الإنسان إذا قال : روحي ، فروحه في هذا الباب هي الروح التي في البدن ، وهي عين قائمة بنفسها ، وإن كان من الناس من يعني بها الحياة ، والإنسان مؤلف من بدن وروح ، وهي عين قائمة بنفسها عند سلف المسلمين وأئمتهم وجماهير الأمم .
والرب تعالى منزه عن هذا ، وأنه ليس مركبا من بدن وروح ، ولا يجوز أن يراد بروحه ما يريد الإنسان بقوله : روحي ، بل تضاف إليه ملائكته وما ينزله على أنبيائه من الوحي والهدى والتأييد ، ونحو ذلك .