[ ص: 271 ] قالوا : وقال أيضا :
ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس .
فيقال : هذا مما لا ريب فيه ، ولا حجة لكم فيه ، بل هو حجة عليكم ، فإن المسيح عليه السلام بروح القدس كما ذكر ذلك في هذه الآية وقال تعالى : في البقرة : الله أيد وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس .
وقال تعالى :
تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس .
وهذا ليس مختصا بالمسيح ، بل قد أيد غيره بذلك ، وقد ذكروا هم أنه قال لداود : روحك القدس لا تنزع مني ، وقد : اللهم أيده بروح [ ص: 272 ] القدس لحسان بن ثابت ، وفي لفظ : قال نبينا صلى الله عليه وسلم وكلا اللفظين في الصحيح . روح القدس معك ما دمت تنافح عن نبيه
وعند النصارى أن الحواريين حلت فيهم روح القدس ، وكذلك عندهم روح القدس حلت في جميع الأنبياء .
وقد قال تعالى :
فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ( 98 ) إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ( 99 ) إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ( 100 ) وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون ( 101 ) قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين .
وقد قال تعالى في موضع آخر :
نزل به الروح الأمين على قلبك .
وقال :
قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله .
فقد تبين أن روح القدس هنا جبريل ، وقال تعالى :
[ ص: 273 ] لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه .
وقال تعالى :
وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا .
وقال تعالى :
ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون .
وقال :
يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق .
فهذه الروح التي أوحاها والتي تنزل بها الملائكة على من يشاء من عباده - غير الروح الأمين التي تنزل بالكتاب ، وكلاهما يسمى روحا ، وهما متلازمان ؛ فالروح التي ينزل بها الملك مع الروح الأمين التي ينزل بها روح القدس يراد بها هذا وهذا .
وبكلا القولين فسر المفسرون قوله في المسيح وأيدناه بروح القدس ، ولم يقل أحد إن المراد بذلك حياة الله ، ولا اللفظ يدل على ذلك ولا استعمل فيه .
[ ص: 274 ] وهم إما أن يسلموا أن روح القدس في حق غيره ليس المراد بها حياة الله ، فإذا ثبت أن لها معنى غير الحياة ، فلو استعمل في حياة الله أيضا لم يتعين أن يراد بها ذلك في حق المسيح ، فكيف ولم يستعمل في حياة الله في حق المسيح .
وإما أن يدعوا أن المراد بها حياة الله في حق الأنبياء والحواريين ، فإن قالوا ذلك لزمهم أن يكون اللاهوت حالا في جميع الأنبياء والحواريين ، وحينئذ فلا فرق بين هؤلاء وبين المسيح .
ويلزمهم أيضا أن يكون في المسيح لاهوتان : لاهوت الكلمة ، ولاهوت الروح ، فيكون قد اتحد به أقنومان .
ثم في قوله تعالى : وأيدناه بروح القدس ، يمتنع أن يراد بها حياة الله ، فإن ، ولا تختص ببعض الموجودات غيره ، وأما عندهم حياة الله صفة قائمة بذاته لا تقوم بغيره فالمسيح ، هو الله الخالق ، فكيف يؤيد بغيره ، وأيضا فالمتحد بالمسيح هو الكلمة دون الحياة ، فلا يصح تأييده بها .
فتبين أنهم . يريدون أن يحرفوا القرآن كما حرفوا غيره من الكتب المتقدمة ، وأن كلامهم في تفسير المتشابه من الكتب الإلهية - من جنس واحد