الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 271 ] قالوا : وقال أيضا :

ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس .

فيقال : هذا مما لا ريب فيه ، ولا حجة لكم فيه ، بل هو حجة عليكم ، فإن الله أيد المسيح عليه السلام بروح القدس  كما ذكر ذلك في هذه الآية وقال تعالى : في البقرة : وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس .

وقال تعالى :

تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس .

وهذا ليس مختصا بالمسيح ، بل قد أيد غيره بذلك ، وقد ذكروا هم أنه قال لداود : روحك القدس لا تنزع مني ، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت : اللهم أيده بروح [ ص: 272 ] القدس ، وفي لفظ : روح القدس معك ما دمت تنافح عن نبيه وكلا اللفظين في الصحيح .

وعند النصارى أن الحواريين حلت فيهم روح القدس ، وكذلك عندهم روح القدس حلت في جميع الأنبياء .

وقد قال تعالى :

فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ( 98 ) إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ( 99 ) إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ( 100 ) وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون ( 101 ) قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين .

وقد قال تعالى في موضع آخر :

نزل به الروح الأمين على قلبك .

وقال :

قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله .

فقد تبين أن روح القدس هنا جبريل ، وقال تعالى :

[ ص: 273 ] لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه .

وقال تعالى :

وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا .

وقال تعالى :

ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون .

وقال :

يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق .

فهذه الروح التي أوحاها والتي تنزل بها الملائكة على من يشاء من عباده - غير الروح الأمين التي تنزل بالكتاب ، وكلاهما يسمى روحا ، وهما متلازمان ؛ فالروح التي ينزل بها الملك مع الروح الأمين التي ينزل بها روح القدس يراد بها هذا وهذا .

وبكلا القولين فسر المفسرون قوله في المسيح وأيدناه بروح القدس ، ولم يقل أحد إن المراد بذلك حياة الله ، ولا اللفظ يدل على ذلك ولا استعمل فيه .

[ ص: 274 ] وهم إما أن يسلموا أن روح القدس في حق غيره ليس المراد بها حياة الله ، فإذا ثبت أن لها معنى غير الحياة ، فلو استعمل في حياة الله أيضا لم يتعين أن يراد بها ذلك في حق المسيح ، فكيف ولم يستعمل في حياة الله في حق المسيح .

وإما أن يدعوا أن المراد بها حياة الله في حق الأنبياء والحواريين ، فإن قالوا ذلك لزمهم أن يكون اللاهوت حالا في جميع الأنبياء والحواريين ، وحينئذ فلا فرق بين هؤلاء وبين المسيح .

ويلزمهم أيضا أن يكون في المسيح لاهوتان : لاهوت الكلمة ، ولاهوت الروح ، فيكون قد اتحد به أقنومان .

ثم في قوله تعالى : وأيدناه بروح القدس ، يمتنع أن يراد بها حياة الله ، فإن حياة الله صفة قائمة بذاته لا تقوم بغيره  ، ولا تختص ببعض الموجودات غيره ، وأما عندهم فالمسيح ، هو الله الخالق ، فكيف يؤيد بغيره ، وأيضا فالمتحد بالمسيح هو الكلمة دون الحياة ، فلا يصح تأييده بها .

فتبين أنهم يريدون أن يحرفوا القرآن كما حرفوا غيره من الكتب المتقدمة ، وأن كلامهم في تفسير المتشابه من الكتب الإلهية - من جنس واحد   .

التالي السابق


الخدمات العلمية